كتابات

خطاب الإسلام السياسي بشقيه: سبب الإمعان في تخلف العقل العربي

خطاب الإسلام السياسي بشقيه: سبب الإمعان في تخلف العقل العربي

نحتاج كلنا للسعادة الوطنية والإنسانية
التراث هو سحر المتخيل، لكننا كعرب وكمسلمين في مأزق حداثي كبير ، فهل مأزقنا في التراث أم في طرق استحضاره وتطبيقه؟ إنه مرحلة انتقالية بين ما كنا وما نريد، لا فكاك من التراث، ولكن ما هو أجمل مافي تراثنا؟ أي تراث يعيق الإنسان والمجتمع عن التطور يجب إلغائه، أما التراث التقدمي فهو غايتنا للرقي.
ونرى أن النخبة المبدعة في التاريخ الإسلامي وأصحاب الإنجازات الرائدة والمبكرة في الطب والفلسفة والفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلم الفلك والهندسة وعلم الاجتماع والفنون والآداب، هم للأسف عبارة عن كفار عند سلف السلفية ومهدري الدم، هكذا بكل بساطة واستخفاف ورفض للتفكير وإعمالا للتكفير. فلقد سفكوا دم أبن حيان ونفي ابن المنمر، وحرق كتب ابن رشد والأصفهاني، وتم تكفير الزهراوي والفارابي وغيرهم الكثير، كما صلبوا الحلاج وقطعوا أوصال ابن المقفع، وحتى العصر الحديث استمرت سهولة اضطهاد أي مفكر وعالم بمجرد أن يوجه إليه الاتهام بالزندقة والإلحاد، وزاد الأمر بلاء ما ذهب إليه بعض الفقهاء من قتل الداعي إلى البدعة وعدم جواز استتابته أيضا.
سبب المأزق أن بعض النخب الفقهية تحالفت مع بعض النخب السياسية، ضد النخب الفكرية والعلمية لدوام التخلف والانقياد لهم، وهذه الآفة كما هو معروف أصابت كل المجتمعات، وأبرزها أوروبا، وقد دفعت ضريبتها لكنها بالمقابل تجاوزتها، أما العقل الإسلامي فما زال يحتاج إلى هزات إضافية للاقتناع ببدء مرحلة الإصلاحات والتصحيحات الفقهيه لينجو؛ باختصار خطاب الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي هو سبب الإمعان في تخلف العقل العربي عن التحديث والتطور.
مثلا..وضع الترجمة مخجل ومؤسف ويجعلنا في الهامش، ونسبة ترجمة الكتب العربية الإبداعية المختلفة والتطويرية والتنويرة للغات الأخرى بالغ الضآلة كما لايوجد تعاون حكومي بمشروع قومي واسع يتخذ آلية لترجمة وتوزيع ذخائر الأدب العربي للعالم.
اذن كيف سيعرفنا العالم ويظل الرهان في القرن الحالي على الثقافة للخلاص من مرحلة التراجع.. لكن مشكلتنا كعرب هي الدونية مع الآخر لسبب عدم الإنتاج والاستهلاك المحض وعدم الخروج من مأزق الانفلات واللادولة وهذه سببت نكوصات كثيرة، فمنذ عصر محاولات التحديث والإصلاح الديني بداية القرن الماضي وجهودات مثقفين رواد تذهب في الهباء.
هناك مخاوف من التفرد صحيح وهناك مخاوف أكثر من العودة للثنائية الصراعاتية.. يحق للعالم بعد حربين عالميتين وحرب باردة وانهيار يسار وتغول يمين وجنون رأسمالية وتفسخ عالمي وتكنولوجيا تخترق كل شيء أن يعيد الاعتبار للحضارة والتطور بمعنى آخر استمرار هذا الانقسام في كوكب الأرض يزيد الصراعات والحروب. نحتاج كلنا للسعادة الوطنية والإنسانية؛ للتعايش مع الثقافات المختلفة وللتخلص من وهم الاستعلاء العرقي والطبقي، وكل شيء يتنكر للإنسانية لايمت للحضارة بشيء، وخلال المائة عام الأخيرة كان التحول عاصفا ورهيبا على أكثر من صعيد في عموم العالم والعالم العربي في القلب منه، وكل هذه المؤثرات والتحولات والتداعيات تتطلب أن نفكر بشكل مختلف؛ فالعالم محتقن على نحو غير مبرر بينما أمراء الحروب ومافيات الإحتكار هم من يستفيدون.
هنتنغتون حث على الصدام وهناك من وقفوا ضد هذا الطرح باتجاه الإلتقاء الحضاري الذي لابد منه. كل أمة لديها خللها الفظيع وعليها أن تتجاوزه. تطور أوروبا وآسيا وأمريكا في هذا المنحى لم يأت من فراغ.. تلك المجتمعات كابدت، لكن الشعبويات صارت تعود من جديد فيها، اليمين يعتمد خطاب المعاداة.. الإنسانية في خطر، صراعات المسلمين سنة وشيعة يجب أن تتوقف بالمقابل، العنصرية آفة غير مقبولة اليوم، ولاينبغي أن يمارسها من كانوا ضحاياها، وما لا تقبله لنفسك لا تقبله لغيرك، تلك قاعدتي الثقافية الأولى.
هناك استبداد الفيتو في الأمم المتحدة أيضا يوتر انسجام العالم شئنا أم أبينا.. لذلك يجب إعادة صياغة مصالح العالم بندية واحترام ومصالح مشتركة وليس باستغلال وأوهام تفوق وادعاء حكم إلهي، ثم ماهي غاية الثقافات إن لم تكن الأمن والسلام والجمال.