إن للأغنية الوطنية دورًا بارزًا في تعزيز الهوية الوطنية وشخصية المجتمع كفن يجسد عمق الولاء والحب الوطني. ولكن ما تواجهه الأغنية الوطنية هو الحرب والتضليل في ثنايا الأغاني الفئوية، وهذا ما تمت مواجهته عبر عصور تاريخية حتى طُمست الهوية الوطنية تمامًا واستُبدلت بالموشحات التي تقدس الحكم الإمامي كموشحات دينية وهي في الواقع سياسية تقدس الحاكم وتستعبد الشعب.
وقد حاول الشعب اليمني التغلب على هذه الموشحات بعد ثورة 26 سبتمبر ووضع الأغنية الوطنية كبديل للموشحات التي وضعت معظم نصوصها بشكل خرافي لتقديس الإمام أو الوالي، حيث كانت تُتلى في الولائم والمآتم والأعياد الدينية. وبهذا النهج الفني، استطاع الحكم الإمامي تضليل الشعب واستمراره في الحكم لأكثر من ألف عام، حتى طمست الهوية التاريخية لليمنيين، وكان في الغالب ما تُستبدل الهوية الوطنية بهوية الحاكم والهوية الفئوية المستندة على أساس عرقي أو طائفي أو طبقي.
وما نواجهه الآن هو إعادة النتاج الفني الفئوي المستند على العصبية القبلية. وهذا كما نلاحظه في أحد الزوامل الذي يقول:
يا قبيلة يا من تزعمها في الشعب البماني قولوا لصناع القرار
والله ثم والله ما أوقف ثواني جلسه مع النسوان عار
ففي يدي اليمنى سلاحي وفي اليسرى كفاني والموت دونك شعار
إن ما نلاحظه في هذا الزامل هو فصل المجتمع عن الهوية الوطنية للدفاع عن الهوية الفئوية، والتقزم خلالها، وتجييش عاطفة الشعب للاندفاع نحو الموت كبديل للحب والسلام. وعندما نتفحص التاريخ الإمامي، نجد أن التاريخ يعيد نفسه بنفس الأدوات. وهذا ما يمارسه الإماميون الجدد لطمس الهوية اليمنية واستبدال الفن الذي يربط الأرض بالإنسان بفن فئوي يدعو إلى قتل الإنسان وتقديس الفئة والعصبية السلالية لطمس معالم الانتماء الوطني.
وعندما يتفحص النجيب حال الأغنية الوطنية، يجد أنها تواجه حربًا شرسة من قبل الإماميين الجدد واستبدالها بزواملهم وقصائدهم التي تدعو للتعصب وتقديس الحركة المبنية على أساس فئوي طبقي وعصبية مقيتة تدعو للقتال من أجلها.