مما لا شك فيه أنّك عندما تتحدث عن الأغاني الوطنية، تتحدث عن شعراء تلك القصائد الغنائية؛ وعن حماستهم وغيرتهم على الثورة ومكتسباتها، وتحطيم عودة الإمامة إلى الأبد. وأحلام الشعب اليمني في إقامة دولةٍ مدنيةٍ حديثة تقوم على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، واحترام الحقوق وحماية الحريات، ومبدأ سيادة القانون وإرساء مبادئ العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، وتحقيق وتعميق الديمقراطية.
إن شعبنا اليمني منذُ 1948م وهو يقاوم الصلف الإمامي السلالي البائد، وأروى الأرض بدمائه الزكية والطاهرة التي يجب الوقوف أمام تلك الأحداث بموضوعية.
إن ما قام به القردعي ورفاقه، نموذجٌ يحتذى به، في الاستعداد للتضحية والفداء في سبيل كرامة الإنسان اليمني، وانتزاع حقوقه المسلوبة من قبل أعداء التاريخ والإنسان اليمني والأرض اليمنية على وجه الخصوص.
إن الأغنية الوطنية لها دورٌ بارز في صناعة الوعي والفكر الجمهوري. وتحصين الأجيال من الانحدار وراء الحزاوية، والانسلاخ من الهوية الوطنية، ومن التراث اليمني، هنا أتحدث عن الأغاني الوطنية فيما بعد الثورة السبتمبرية الخالدة، وأثناء الثورة الأكتوبرية الخالدة، وما بعد نوفمبر الأغر.
أتحدث عن علي السمة، علي بن علي الآنسي، محمد البصير، أيوب طارش، محمد عطروش، محمد المرشدي، محمد سعد، فيصل علوي، أبوبكر سالم، الحارثي… وغيرهم الكثيرون.
الذين كانت لهم أصواتهم ولا زالت إلى اليوم مصدر إلهام لمن يريد أن يستمع إليها. تلك الأيام التي كانت المعركة على أشدها بين الإماميين الرافضين للهزيمة النكراء من الثوار السبتمبريين. الذين استخدموا كل شيء في سبيل العودة إلى حكم رقابنا. وقتها توحد جميع اليمنيين في مساندة ثورتهم.
الأغنية الوطنية مصدر إلهام وفخر لا تقل عن المعارك العسكرية:
إن الأغاني الوطنية التي يطلقها صوت الأرض أيوب طارش عبسي لها مدافع وقوات عسكرية تشنها حنجرته الخالدة ضد الطغاة والغزاة من الإماميين والمستعمرين من الإنجليز إذ يقول:
دمت يا سبتمبر التحرير يا فجر النضال
ثورة تمضي بإيمان على درب المعالي
تسحق الباغي تدك الظلم تأتي بالمحال
هدم الشعب السجونا ووكر المجرمينا؛ ومضى يحمي العرينا
صورت لنا الأغنية تلك كيف أن سبتمبر الخالد هو فجر ولادة النصر لثورتنا، للثوار ولنا جميعاً بعد كفاح من 1948 إلى 1962م وليس انتهاءً 1968.. إذ أن سبتمبر هو يوم من أيام الله.. هو يوم تاريخي خالد لن ينسى من ذاكرتنا، يوم تحطيم السجون وكسر وحشية الإمام الكهنوتي وسيوفه وشريفاته. هو يوم انبلاج الجمهورية؛ ورسم الأهداف لها بإزالة الفوارق الطبقية وبناء جيش وطني قوي يحمي الثورة ومكتسباتها. والوحدة الوطنية. فيه تم تأليف القلوب وتوحيد الصفوف للمواجهة للانتصار، للحسم العسكري، لانتزاع الحقوق دون المساومة والترجي وإعطاء الفرص للمجرمين
موكب التحرير ألفت القلوبا
وتوحدنا شمالاً وجنوبا
ما بعد سبتمبر هو التوجه لبناء الدولة، تحصين الأجيال بالأفكار الثورية الوضاءة، بذل الطاقات البشرية في صناعة التاريخ لنفسه
وفتحنا لسنا العلم الدروبا
فلتعيشي يا بلادي في علوٍ وسداد
وأدحري كيد الأعادي؛ نحن قد
ثرنا وحققنا السلام
لم يعد للظلم في أرضي مقام
لم يعد فيها خونٌ أو عميلٌ أو ظلال
عصرنا بالحق بكر ،ونفوس الشر بالحق تقهر، فافخري يا أرض حمير
الأغنية الوطنية وإيجابيتها في رفع ذائقة المواطن :
إنّ من المساوئ اليوم هو إنحدار ذائفة المواطن لسماع الزوامل، الشيلات والتحسينات الصوتية الصاخبة.!
من مساوئنا اليوم، أن تجد أحفاد الآنسي، السمة، المرشدي، أيوب طارش، الحارثي، محمد سعد، فيصل علوي. يتهافتون لسماع زامل للقحوم، عيسى الليث، الشّويع. ثمّة سقوط ذائقة المستمع وهو يستمع لمن يسب تاريخه، ويعمل تفخيخ عقله وحاضره، ومسقبله هو و الأجيال القادمة.
لا أدري كيف يسمح الشخص لنفسه وهو يسمع من يتوعده بالويل والثبور وتاريخه بالتدثير والتخريب، مستقبله بالتفجير والتفخيخ وهو يستمع ويشدو طرباً!
يترُك مئات الأغاني الوطنية لأيوب طارش ويتوجّه للشويّع …!
يترك مئات الأغاني للحارثي و الآنسي
، عطروش ويتوجّه لسماع الليث…!
الأغنية الوطنية توثيق للشعِر وشرحٌ لوهج الثورة، إمتداد للموروث الشعبي
الأغاني الوطنية هي توثيق وحفظ للشعر الغنائي، وتحصينٌ للأجيال من الابتعاد عن سماع الشعِر تحت حُجج واهية، لسنا بصدد مناقشتها الآن. فمن خلال الأغنية الوطنية تستطيعُ أن تتعرف على أحداث الثورات اليمنية ومفّكروها، أبطالها.
إنها إمتداد للموروث الشعبي اليمني الزاخِر بالعطاء،والممزوج بالحُب والفخر والكبرياء فخر وإعتزاز اليمني بتاريخه وأبطاله ورموز حضارته.