كتابات

مقدمة كتاب “التنكيل.. الهدم والتخريب الإمامي في اليمن”

ينشر بالاتفاق مع الكاتب

مقدمة كتاب التنكيل ثابت الأحمدي
مقدمة كتاب التنكيل ثابت الأحمدي

“الهدم والتفجير.. مسيرة الدم”، عنوانُ مقالٍ نشرتُه يوم 19 مارس 2024م، أي في نفسِ يوم جريمة رداع التاريخيّة التي أقدمت عليها عصابة الحوثي، والتي هزّت الرأي العام، وتفاعلت معها الأوساط الإعلامية والسياسية بقوة لبشاعتها، خاصّة وأنّ هذه العصَابة لم تُراعِ حرمة الشّهر الفضيل؛ حيث صادفت يوم التاسع من رمضان 1445ه.

مساء يوم 21 من نفس الشّهر، أي بعده بيومين فقط، وبعد أن قرأ المادة كما يبدو، بعثَ لي البرلماني الشهير، الدكتور شوقي القاضي هذه الرسالة على الواتس: “السّلام عليكم؛ مقترح: لو تكتب كتيبًا “لا يتجاوز 50 صفحة” فقط عن “تفجير البيوتِ في فكرِ هذه الجماعة، موثق بالمراجع، ويُضافُ لها حالات تفجير حديثة متيقنة مع معلوماتها”.

وللتو.. شرعتُ في فتح مستندٍ جديدٍ عقب قراءتي الرسالة؛ حيث كان اللاب مفتوحًا أمامي لحظتها.
ولم تمضِ بضع دقائق إلا وقد اختمرت الفكرة كاملة في ذهني، ولم تمضِ بضع ساعات بعدها إلا وقد كتبت الخلفية النظرية. لعلها الساعة المباركة..

في الواقع هذا الموضوع ليس جديدًا علي، فقد تناولتُه سابقا، في كتابي: الهادويّة بين النظرية السياسية والعقيدة الإلهية، بصورة مقتضبة مختصرة، وتوقفتُ عنده لِمامًا في كتابي الآخر: “سيكولوجيا النظرية الهادوية في اليمن”. وقد قرأت عنه في أغلب سير الأئمة، وفي مجاميعهم، وفيما كُتب عنهم من أتباعهم أيضًا.

ورغم انشغالي بسلسلة “أقلام في مسيرة النضال” التي كنتُ أسجلها وأنشرها يوميا في إذاعة صنعاء وفي صفحتي “إكس”، وانشغالي أيضًا بكتابٍ آخر، وبأعمال خاصّة أخرى، فقد انتزعتُ لهذا العملِ وقتًا بين ثنايا هذا الزحام، لكي أستطيع إكماله في أقربِ وقتٍ ممكن، لأهميته؛ ولأن ثمة أعمالا أخرى تنتظرني بعدها، ولأني واضع نصب عيني دائما حقيقة أعدها من قرآن الشعر:

وما نيلُ المطالبِ بالتمني ولكن تُؤخذُ الدنيا غلابا

لا أنتظر الغد؛ لأنّ الغدَ يبدأ من اليوم؟! ولم الانتظارُ أساسًا؟ من الأصح الهرولة إلى الغد، لا انتظاره. فبالإرادة القوية المستحيلُ ممكنٌ، وممكنٌ بسهولة أيضًا.

فيما بين ذلك اليوم 19 مارس، وحتى مساء 17 ابريل كانت هذه المادة بوفائها وتمامها.

على أيةِ حال.. التنكيل، التخريب، الهدم، الحرق.. هو الحقيقة التاريخيّة لعصابةِ البغي الإماميّة في اليمن من لدن إبراهيم الجزار، وحتى جرذ الكهف “الحوثي”. ولو طُلب منا اختزالَ تاريخ هذه العصابة في أدق تعريف لقلنا: إنها مسيرة الخراب.
حقًا.. إنها مسيرةُ الخراب، وهذا ما تقررُه كتبُهم وأدبياتُهم التاريخيّة هم أنفسُهم قبل غيرهم. وما مِن إمامٍ من أئمتِهم إلا وهدَمَ عشراتِ القرى، ومثلَها من القصور والحصون والمزارع والدروب. وما مِن إمامٍ من أئمتهم إلا واعتقل وقتل ومثّل وشرّد ونكل وطغى وبغى. وبين يدينا نموذج حيٌّ اليوم، هو سليلهم البغيض، جرذ الكهف وعصابته البغيضة.

لقد أتوا على كل شيءٍ أمامهم.. البيوت، المزارع، الحصون، القلاع، القصور.. إلخ.

لقد دمروا من وقتٍ مبكرٍ آلاف المعالم الأثرية التاريخية الحِميريّة، حقدًا ينزُّ في صدورهم تجاه ما يمت لليمن واليمنيّة بصلة؛ لأنهم يرونَ في آثار اليمن الخالدة ضَرّة لمشروعهم الخرافي الكهنوتي البغيض. وهذا ما أعلنه صراحة مُنظّرهم الأكبر أحمد محمد الشامي في دامغته، تحت عنوان: “يمين الثأر”، متوعدًا اليمنيين باسم آل البيت:

سنجعلُ من حصونهم قبورًا
ونجعلُ من قبورهم حصونًا

ويا لكميّة الحقد الدفين الطافح حِممًا بركانيّة نلمحُها خلفَ أسطر هذه البيت الشّعري على وجازته، والذي يعبّرُ عن نفسيّة كل سُلالي على امتدادِ ربوع اليمن. أبهذا الوعيد تردون الجميل لليمنيين الذين احتضنوكم وقد شردكم بنو عمومتكم في مختلف الأقطار؟! يا لخسّة الأخلاق ولؤم الطباع!
إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ
فلا أدبٌ يفيدُ ولا أديبُ

لقد عمّ خرابُ الإمامة في اليمن كل عزلة وناحية. تبلقعت القرى وأقفرت المدن. نعبَ فيها الغرابُ، ونعقت فيها البُوم. غاضت الأنهار المتدفقة وأمحلت السهول الممرعة على امتدادِ ربوع اليمن وقد استمرأت البشاعة حتى صارت عقيدة في وجدانها وثقافة في سلوكها..!

لمتخيّلٍ أن يتخيلَ أنّ عدد دُور مدينة صنعاء وهي أقدم المدن التاريخية وصلَ إلى ألف دار فقط، بداية القرن الخامس الهجري، بعد أن عمّها خراب الصّراعات الإمامية، وقد كان عددُها في عهد هارون الرشيد مئة ألف دار، وفقًا للمؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم..!

ومثل صنعاء العديد من الحواضر اليمنية القديمة مثل: ذي بين وحوث وخمر وبراقش وبيحان وصرواح والجَنَد وجبلة وزبيد وظفار إب والعَود وبينون، وغيرها الكثير. كان جنود الأئمة يظلون الأيام الطوال يخربون القرى، ويهدمون الدروب، ويدمرون الحصون، كما ذكرت مصادر التاريخ، والتي سيجدها القارئ بين أسطر الصفحات التالية.

هذه هي الإمامة بشحمها ولحمها: كلبٌ عقور، سَبُعٌ ضَارٍ، ذئبٌ مفترس، جُرذٌ مؤذٍ، أفعىً ناهشة، غُرابُ بَينٍ وبومةُ خَراب. ومن وجدَ فيها غير ذلك فليخبرنا.

أخيرًا.. خالصُ شكري وجزيلُ تقديري لفخامة رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي الذي أمدني بتشجيعه ودعمه على الدوام، من منطلق اهتماماته الوطنية الكبرى، ومعرفته الغزيرة، واطلاعه الواسع على تاريخ الإمامة في اليمن، ومن منطلق الدور الوطني المنوط بنا جميعًا في هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا. والله المستعان.

د. ثابت الأحمدي
الرياض
17 ابريل 2024م.