في زمن تزدحم فيه الأصوات وتتلاشى الأصالة، يبرز أحمد ناجي أحمد كنموذج مميز للمثقف الحقيقي الذي يرتقي فوق الأيديولوجيات والصراعات الضيقة، متحررا من تلك الانتماءات التي تعرقل الطريق نحو الإنسانية الحقه. هو رجل يحمل روح المتصوفة، ذلك العمق الوجداني الذي يجعل منه نصيرا لمن تهمل حقوقهم، من جميع الأطراف، دون تمييز أو محاباة. تتسم تضامناته بنوع من الشرف النادر والاحترام العميق الذي لا يُملى عليه من خارج ذاته، بل ينبع من قناعة راسخة بأن قيمة المثقف تقاس بمواقفه الإنسانية في زمن الجحود.
بل تعتبر مواقف أحمد ناجي أحمد تضامنات من نوع خاص، ليست شعبوية أو مجاملاتية، بل تضامنات تحمل في طياتها العمق الفلسفي للحق، والموقف الأخلاقي للفكر النقدي الحر. إن تضامنه ليس مجرد مجاملة أو نصرة روتينية، بل هو رؤية تتماشى مع قناعاته بضرورة التفاعل الإنساني المتكامل، والتي تنبع من تفهمه العميق لمعنى العدالة الاجتماعية والانتصار لكل من تُنتهك حقوقه.
فعندما تتجاهل الأطراف أصوات المظلومين، يكون أحمد ناجي أحمد أول من يمد يد التضامن، ليظل وفيا لقيمه، مانحا لمن تنسى قضيتهم شعورا عميقا بأن هناك من لم ينسى، وهناك من يظل وفيا للحقيقة.
أنني ارى في الاستاذ أحمد ناجي أحمد من أولئك المثقفين القلائل الذين استطاعوا أن يحافظوا على توازنهم في زمن الانقسام، دون أن يخسروا التزامهم بالعدالة وحقوق الإنسان. إن فلسفته لا تستند إلى حسابات الربح والخسارة بقدر ما تعتمد على مبدأ أصيل يعلى من شأن العلاقات الإنسانية، حتى مع أولئك الذين يختلف معهم فكريا و سياسيا.
إن توازن أحمد ناجي أحمد ليس توازنا هشا، بل هو موقف نابع من إدراكه العميق بأن المثقف، ليخاطب العالم حقا، يجب أن يكون حرا من قيود التبعية، وأن يتعامل مع الآخرين ككيانات إنسانية، لا كأعداء. ومن هنا، يتسع مجال تأثيره، حيث يجذب إليه الاحترام والتوقير من الجميع، سواء كانوا حلفاء أو خصوما.
و إذا تأملنا في شخصية أحمد ناجي أحمد، نجد أن روح التصوف تسكن في أعماقه، مانحة له تلك السكينة التي تميزه عن غيره. فالمتصوفة، كما نعرف، ينظرون إلى العالم بعين التعاطف والحب، ويؤمنون بأن قلوبهم تمتد لتشمل الجميع، بصرف النظر عن اللون أو العرق أو الانتماء الفكري. وهذا ما يجعل من أحمد ناجي أحمد شخصية تعانق جميع الأطراف وتؤسس جسورا من التواصل في عالم يتآكل فيه الحب والتفاهم.
هو لا يتخذ موقف التضامن بناء على حسابات عقلية مجردة، بل ينطلق من شعور عميق بالمسؤولية الإنسانية، محترما حق الآخر في الحرية والكرامة، دون أن يسقط في فخ التعاطف المجامل أو التحيز العاطفي.
إن أحمد ناجي أحمد صوت الأمل في زمن الهشاشة، إذ يمثل أملا في زمن تراجعت فيه القيم وتضاءلت فيه مواقف التضامن الحق. وحين يشعر البعض بأن لا أحد يهتم، وأن الأصوات المناصرة تتراجع، يأتي هو كصوت قوي، حاضر بأخلاقه، فيمنح من يحيط به شعورا بأن هناك من لا يزال يملك ضميرا يقظا، وأن للمثقف دورا أسمى من مجرد الخطاب والنقد النظري.
إن دوره في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين يجعل منه قائدا يتميز عن باقي القيادات بقدرته على الإصغاء، وبقيمته الأخلاقية التي تنبع من صدق نواياه. ولذلك فإن ما يميزه هو أنه لا يطبق مفهوم “المثقفون الأعداء”، فلا يرى في الاختلاف عائقا، بل جسرا يضيف إلى تجربته الإنسانية عمقا أكبر.
إن النزاهة كمبدأ للتواصل مع العصر يمثلها اليوم في اليمن أحمد ناجي أحمد، وبطريقته الفريدة، يُظهر لنا كيف يمكن للمثقف أن يظل متصلا بروح العصر، دون أن يتخلى عن مبادئه. فهو يملك القدرة على التواصل مع قضايا اليوم، بلغة تتحدث عن العصر وفي الوقت نفسه تحتفظ بعمق أخلاقي وإنساني رفيع.
والحال أن مواقفه تجسده كنموذج للمثقف المتصالح مع ضميره، الذي لا يسعى إلى الانجرار وراء الشعبية العابرة أو الرضوخ للضغوط. فهو يؤمن بأن المثقف الحقيقي هو من يتمسك بمبادئه رغم الضغوطات والتحديات، ويستطيع أن يرى ويبصر ما هو أبعد من المجاملات الاجتماعية والأدوار النمطية.
وهكذا ففي سيرة أحمد ناجي أحمد نرى أن المثقف الحقيقي لا يقاس بعلمه أو بقوة قلمه وحده، بل بمواقفه الإنسانية، بصبره، وبقوة تضامنه. هو ذلك المثقف الذي يجعل من كل موقف تضامن شرفا شخصيا، ومن كل صداقة مشروعا إنسانيا. لذا، نقول بحق إن أحمد ناجي أحمد هو واحد من أولئك الذين نحتاجهم اليوم، مثقف يملك روح المتصوفة ونزاهة المفكر وكرامة الناشط الحقوقي، مقدسا القيم الإنسانية ومدركا أن رسالته لا تنتهي عند حدود الخطاب بل تبدأ من أعمق مكان في الروح.
كدت ان انسى تلك اللازمة التاريخية ” مشتاقين يا رجل” .. أول ما يقولها في وجه كل من يصادفهم في الطريق.