في 2013 كنت مع اقتلاع الإخوان المسلمين من السلطة، لا مع اقتلاع الديموقراطية. الديموقراطية أكثر تعقيداً من فرز الأصوات، ولا يوجد في تاريخ الإخوان المسلمين من إشارة واحدة تقول إنها جماعة ديموقراطية. اعترف حسن البنا بالسياسة، لأول مرة، في المؤتمر السادس للجماعة، وكان اعترافاً ملتبساً بعد قرابة ١٤ عام من التأسيس. كأنه اكتشف السياسة عن طرق الخطأ. وقبل موته بعامين قال إن الله حفظ مصر من الحزبية التي “تنشر البلبلة”. قال إنه إذا كان ولا بد فليكن هناك حزبان على أن يتحدثا فقط في مواسم الانتخابات ويختفيا بعد ذلك كي لا يبلبلوا الأمة. أي كي يتحدث هو بعد ذلك. لم يقدم البنا ولا قطب مساهمات نظرية حول الديموقراطية، وفي معالم في الطريق سخر قطب من الذين يطالبون الإخوان بطرح مشروعهم السياسي قائلاً إنه جدل عقيم يُراد به ثني الإخوان عن سعيهم لتحقيق حاكمية الله.
هي، الإخوان، جماعة دينية معقدة بانفراجات ملحوظة في تونس واليمن وتركيا. بعد تطويرات كثيرة خارج مصر حصلنا على جماعة سياسية ضد السياسة وديموقراطية بعقل شمولي! هذا التعقيد في تكوين فراودة الإخوان خارج مصر يتطلب مقاربة مختلفة عن ما اعتدنا ترديده حول الجماعة في مصر.
يمكن الحديث حول هذا الأمر لسنوات طويلة، وهناك كتابات وكتب كثيرة ناقشت الفكرة: الحركات الإسلامية والديموقراطية. وفي كل الأحوال من الجيد التعامل مع حزب الإصلاح بوصفه حالة معقدة مستقلة إلى حد بعيد عن الإخوان المسلمين، أعني حد يسمح بدراستها كحالة منفردة .. حتى فيما لو قال الإصلاح إنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
بشكل عام فجماعة الإخوان المسلمين ليست جماعة إرهابية، ليكن واضحاً هذا الأمر. هذه جماعة دينية مغسولة بحب الدنيا والثراء، بدأت كحركة صوفية قبل تسعة عقود وانتهت ك “نيوليبرالية”، كما يفترض سمير أمين. او: جماعة سوق. وفي سبيل ذلك فهي كائنات انتخابية، كما يصفها عمار حسن. كائنات انتخابية غير ديموقراطية، أو بالتعريف الأحدث: ديموقراطية غير ليبرالية بالمعنى السياسي والثقافي وليبرالية بالمعنى الاقتصادي..لدي قناعة عميقة بأن الإخوان المسلمين سبب رئيسي في تقويض الثورات العربية، وفي إنتاج العقل الرومانسي العربي المتعالي على الحقائق. بعد عام من حكم الإخوان ألقى المرشد خطاباً قال فيه: اقترب موعد أستاذية العالم. لا يمكن أن يكون منتج هذا الخطاب ديموقراطياً مؤمناً بالدولة القطرية!
لكنها ليست جماعة دينية،وخارج مصر تطورت منها نسخ ذكية كما في تونس واليمن. كما في تونس يربح الإصلاح مبارزته على أكثر من صعيد، ومؤخراً غير واجهته التعبيرية وجاء بالجرادي وعدنان العديني ليقدما تصوراً ڤولتيرياً لدولة سيكون اليدومي أول خصومها.
لكنها ليست جماعة إرهابية، لأنها جماعة بنت سوق، أي نيولبيرالية بالمعنى الاقتصادي وشمولية سياسياً. تخيلوا نظام أبو ظبي الشمولي النيوليبرالي في الوقت نفسه!
قال وزير خارجية أميركا للجنة من مجلس الشيوخ أن حكومته لا تملك الجسارة الكافية لتصنيف الحركة كجماعة إرهابية. فحكومته غير مستعدة لمواجهة ستمائة ألف قضية محكمة، قالَ، فيما لو رفعت في نفس الوقت داخل أراضيه، ولا لتعويض كل أولئك البشر فيما لو ربحوا قضيتهم ضد الحكومة. لأن تصنيفها كحركة إرهابية يتطلب تجميد حساباتها المالية، وتلك مسألة قانونية قد تتسبب في تعطل الحكومة كلها بالنظر إلى عدد/ حجم الذين سيستهدفهم “الاتهام”..
شخصياً أصر على القول إنه صار علينا أن نتعامل مع حزب الإصلاح بوصفه حزب الإصلاح، لا أكثر ولا أقل. خلال عقد ونصف من الزمن كان الإصلاح يقود كل أحزاب المعارضة منطلقاً من رؤية موحدة للسياسة والاقتصاد اشتركت كل الأحزاب في صناعتها. الإصلاح حزب ينمو ويكسب معاركه، وهو يمتاز بدينامية عالية مقارنة بالآخرين، لا تتفوق على ديناميته سوى انتهازيته. ومن خبرته فإنه قادر على أن يكسب كل المبارزات دون أن يضيع الوقت. هو حزب بن سوق، ويعرف جيداً أين تصب كل الأنهار. من هذه الحرب سيخرج رابحاً، وحتى الإمارات سيكسبها في نهاية المطاف. نحن أمام صورة خاصة من الإخوان، أو تقريباً لا تشبه إخوان مصر في الشيء الكثير. أتذكر زيد الشامي وهو يحدثنا ويضحك، 2005. كان قد زار الإخوان في مصر وحضر احتفالهم ب 88 مقعداً برلمانياً وأثاروا ضحكته وشفقته. بالنسبة له، كقائد إصلاحي، بدا إخوان مصر جماعة فادحة البلاهة وبلا خيال. سأحيل إلى ما قاله قبل ١٣ سنة، فقد ادّعى أن قيادات إخوانية ألقت خطباً رومانسية وآخرون تحدثوا عن سجون عبد الناصر، ولما جاء الدور عليه قال لهم: انسوا عبد الناصر، هذا زمن آخر، من غلبتموهم بالأمس ليسو هم من عذبوكم قبل نصف قرن. ينتمي زيد الشامي إلى حزب بن سوق، وإلى سلالة بنت ستين سوق، وإلى قبيلة بنت سوق، وهو يعرف جيداً متى تقال الأشياء وكيف تقال.
مرة أخرى، الاعتقاد أن الإصلاح يشبه بلاهة مرسي أو خفة بديع هو اعتقاد يقفز على الحقائق. أما اتهام الإصلاح بالنشاط الإرهابي فهو اتهام لا يقوله سوى ساذج. الإصلاح يريد المدينة لا الكهف، وهو يعرف أن الطريق إليها لا يمر من خلال العنف. كما أنه، أيضاً، حزب قليل الإيمان مقارنة بالإخوان المسلمين. وبالتعبير الأصولي: يحب الدنيا ويهاب الموت. فالإصلاحيون ليسو كالقاعدة ولا الحوثيين، لا يتحدثون كثيراً عن الاستشهاد، يريدون أن يفشخوا النساء في مدن هذا العالم لا في الجنة، وما من طريق لذلك سوى الحياة المستقرة قليلة العنف. لا أستطيع القول إن مصالح الإصلاح تمثل إضافة لمصالح البلد. غير أني أزعم أن الأذية التي تلحق به ستسبب ضرراً كبيراً بالبلد، كونها ستصيب الحزب الأكبر، وأكبر تجمع للطبقة الوسطى في اليمن.
…
نقلا عن صفحة الكاتب على فيسبوك