تابعت مقابلة عمران محمد محمود الزبيري ووجدت ان الرجل لا يعي ما يقول وأن تكوينه هش ان لم يكن لايفقه شيئا.
يكفي ان تقف عند تلك الاجابة التعيسة وهو يقول ان انقلاب الحوثيين جاء لتحقيق ماعجزت عنه ثورة ٢٦سبتمبر وأن “ثورتهم” أزالت الفوارق بين الطبقات و كانت” ثورة” بيضاء مايضعنا أمام احتمالين : اما انهم وضعوا في فمه كلاما قاله بتلك الطريقة او أن الرجل ابله، ثم يجب أن نأخذ في الاعتبار وضع الرجل الصحي والنفسي والمادي.
بالمنطق البسيط حتى لجاهل ، كيف لحركة عنصرية سلالية جاءت لتجذر الفوارق بين اليمنيين بمزاعم كهنوتية شتى ان تعمل على ازالة الفوارق بين الطبقات؟ ثم كيف انجزت هذه المليشيا انقلابا ابيض وقد قتلت عشرات الاف اليمنيين في حروب ست وفجرت مئات المنازل وقتلت مئات المدنيين والعسكريين في الطريق الى صنعاء؟
لافرق هنا بين نجل الزبيري او نجل عمر الجاوي علياء فيصل الشعبي او حتى نجل عبدالفتاح اسماعيل واذا حدقنا في الواقع اكثر فلافرق بين هؤلاء جميعا ويحي منصور ابو اصبع الأمين العام المساعد للحزب الأشتراكي او بعض قيادات التنظيم الناصري في صنعاء وبعض الكتاب والصحفيين التقدميين واي متعصب حوثي آخر يقف مع المليشيا وهي تقود هذا الخراب.
في الواقع يمكن ان نتفهم الظروف التي وضع فيها أبناء الثوار وقادة الحركة الوطنية ، فهم إما حرموا باكرا من محاضن تربية الاسرة ممثلة بالأب وجرى التنكر لأدوار آبائهم، او أن ظروفهم الاقتصادية ساهمت في انزلاقهم إلى هذه المواقغف سيما أن الساحة الوطنية افتقدت للمناضل القدوة ..
كما أن مآلات القادة السياسيين والمناضلين الذين انصرفوا الى حياتهم الخاصة وتحقيق مصالحهم، ربماسببت صدمة لهؤلاء فوجدوا انفسهم وجها لوجه امام ظروف التعيش من هكذا مواقف تحت ضغط الحاجة مدفوعين بأن الكل انتهازيين.
هذا الامر ليس وليد هذه المرحلة. النظام السابق كان يستهدف ابناءالمناضلين والقيادات السياسية والاجتماعية وحتى البيوتات التجارية، للإيقاع بهم واغراقهم واستخدامهم لابتزاز عائلاتهم او منع أي تأثير لهم في اي تغيير او أدوار سياسية متوقعة.
اتذكر في هذا الصدد مقابلة اجريتها مع السياسي اليمني عبدالله سلام الحكيمي وهو يقول ان صالح كان يبتز قادة البعض بابنائهم من خلال ملفات بعضها اخلاقية. ويا للمفارقة فإن الحكيمي وصالح جمعهما موقف واحد من الحوثي وصار الاثنين جزء من لعبة الانقلاب، مع الاخذ في الاعتبار الفارق في ادوار واوزان كلا منهما في ماحدث يوم 21سبتمبر 2014 بما لا يجعلهما محل مقارنة.
على كل حال تداخلات المشهد اليمني والبنية الاجتماعية والسياسة المعقدة والعوامل التي تؤثر في الصراع وفي مواقف الأشخاص، تخلق حالة سائلة احيانا يصعب التنبؤ بها.
شهدنا عبورا في طرق متعاكسة بين خنادق المتحاربين خلال السنوات العشر الماضية، فصالح الذي كان ركنا رئيسا في الانقلاب قتله حلفاءه بعد ان ضاقت صنعاءبسلطتين متنافستين، وبعد مقتله فإن عائلته لم تصوب نظرها نحو الحوثيين بل ترى أن ثأرها مع اولئك الذين تعتقد أنهم كانوا سببا في تفجير جامع النهدين مع أن قائد حراساته لم يخضع لأي تحقيق وكان أول الفارين حين ترك عمه في قبضة الحوثيين.
ستشاهد احمد علي صالح يغمض عينه عن قتلة ابيه ويعمل نائبا للمؤتمرالذي شارك الحوثي في انقلاب 2014 بل تذهب المجموعة التي تقول انها تقاتل الحوثي في سواحل تعز والحديدة الى استنكار ازاحة المؤتمر من سلطة صنعاء، وكأنهم يريدون ان يكونوا شركاء في انقلاب الحوثي في صنعاء وسلطته وشركاءفي الشرعية.
هناك مشكلة في اليمن تتعلق بطبيعة التحالفات السياسية والمواقف المتغيرة، حتى انه يبدو أحيانا أن خيانة مبادئ واهداف الثورة والجمهورية والوطن عموما وجهة نظر بل إن الأمر احيانا يستنزل شكلا من التكريم الإجتماعي والسياسي كأهم عاقبة لهذه الخطايا!
هذا الحال جعل الناس يدورون حول مصالحهم باعتبارها الثابت الوحيد، ثم افرغ كل شيئ من مضمونه.
لاحظ اليوم ان الذين قاتلوا الحوثي من اول لحظة هم اكثر الناس عزلة، بينما يتحول حلفاءه الذين شاركوه انتاج هذه الكارثة العظيمة الى مركز جذب وبؤرة استقطاب..
وسط هذه الرزايا يبدو لوم ابن مناضل او قائد ثوري او شهيد كمن يحاول الامساك بالذبابة ويترك الفيل!
في اسوأ الاحوال هؤلاء ليسوا حجة على آبائهم …
***
كانت تلك إجابة الزميل العزيز عبد العزيز المجيدي عن السؤال التالي:
(من يتجرأ ويفسر لي كيف ان إبن الشهيد ابو الاحرار اليمنيين محمد محمود الزبيري يطل علينا وهو يشيد بالانقلاب الحوثي على الجمهورية بينما كان والده جمهوري… ثم من يفسر لي كيف أن ابن عمر الجاوي الوحدوي وغير العنصري يطلع ابنه عنصري ويطالب بالانفصال وفس على ذلك علياء فيصل عبد اللطيف الشعبي من كان والدها تنويري وحدوي تدعم الكهنوت الحوثي ولاتحترم الوحدة.. وايضا ابن التقدمي عبد الفتاح إسماعيل قرأنا أن الكهنوت عينوه محافظا لمحافظة عدن التي أصلا تحررت منهم وإذ جعلنا في حيره إلا أنه لم ينفي أو يؤكد موافقته.. ارجوكم من يفسري لي مالات هذه النماذج من الانتكاسات..
لماذا كل هذا؟!لماذا هذا التناقض بين مواقف الأبناء ومواقف آبائهم؟!
هذه الظواهر تعكس بلاشك تعقيدات المشهد السياسي والاجتماعي بعد سنوات من النزاع والحروب.. ما يجعلهم رهينةلضغط الوضع النفسي مثلا ؟!
طيب..ما الذي حدث ؟!
لماذا يشعر البعض بأن الخيارات المتاحة لهم أصبحت محدودة. هل يمكن ان تؤدي الإغراءات السياسية أو المناصب إلى تغيرات في المواقف، حيث يسعى البعض إلى تحقيق مصالح شخصية أو مهنية، مثل ما حدث مع ابن عبد الفتاح إسماعيل.. ياللخيبة!!
ما الذي حدث ؟!
هذه التحولات تثير القلق والخيبة، وتظهر أن مآسي الحرب قد أدت إلى تفكك الروابط الوطنية والأخلاقية.
أو على قولة الشاعر الشعبي الجميل رمزي شايف الحكيمي الذي كان قد جن وحين اجتياح الميلشيات لتعز قاموا بقنصه ” مهزلة واعيالي وسموها وطن”)