صورة بديعة وبسيطة في قلب تعز ..لكن دلالات الصورة عميقة وتاريخية
هذا المواطن سيف عبدالرحمن علي العريقي يشد رقبة الوعي جمال عبدالناصر بحب وحماس كي يقبّل رأسه .!
استسلم عبدالناصر وأحنى رأسه الضخم للمواطن اليمني الثائر المتحمّس.
عرفتُ اسم العريقي بالصّدفة!
كان عبدالناصر قبلها بلحظات قد أعلن من قلب تعز ومن ميدان الشهداء أن على الاستعمار أن يحمل عصاه ويرحل!
كان العريقي الثائر حاضرا وشاهدا
لم يتمالك العريقي نفسه!
أقسم أن يقبّل رأس جمال عبدالناصر
دخل في الزحام وأبَرّ بقسمه!
سيف العريقي ..عراقة السيف وسيفُ العراقة
الأعروق عروق الذهب
من هنا ..من تعز ..كانت صيحة عبدالناصر التاريخية
وعندما عاد عبدالناصر إلى مصر أطلق اسم تعز على أحد شوارع مدينة نصر!
خالد الرويشان
…
هكذا كتب عن جدي سيف عبد الرحمن علي العريقي وزير الثقافة الأسبق الاستاذ خالد الرويشان.تستحق شخصية نزيهة عفيفة بطلة من نوع آخر كالحاج الشيخ سيف عبد الرحمن العريقي التذكير وأكثر بها خصوصا حين تهل بشائر ذكرى سبتمبر. ذلك أن سبتمبر لم يأت من فراغ وانما بتراكم صنعه ثوار اسبق.
أما الباحث في تاريخ الحركة الوطنية اليمنية الحديثة ا.د عبد الودود مقشر فيعده من “القوى المعارضة اليمنية بالحديدة ومنهم: والشيخ الحاج سيف عبدالرحمن العريقي”.. كان على صلة بالبطل سعيد ابليس ، يوسف هبة الذي سجن في سجن حجة إثر حركة ١٩٤٨ ضد الإمام يحيى حميد الدين.
ارتبطت العملية الانتحارية التي أزمع سعيد حسن فارع “إبليس” تنفيذها بتنسيق عالٍ بين جميع أطياف المعارضة في الداخل والخارج وبدعم مصري كامل، وكان سعيد فارع الذبحاني قد افتتح لهذا الغرض مكتبة بالحديدة أسماها “المكتبة الثقافية الكبرى”، ” بتمويل من الشيخ الحاج سيف عبد الرحمن العريقي”
،’وكانت المكتبة مصدر تنوير فكري وقومي، حيث استقدمت أغلب المجلات والصحف المصرية باعتبار الذبحاني وكيلاً للمطبوعات المصرية، واستقدم كتباً مسموحاً بها وكتباً ممنوعة، وكان ذلك “غطاءً لنشاطه السياسي حيث يقوم بنقل المنشورات والصحف الوطنية من عدن.
البطل الثائر التهامي يوسف هبة”عقد صداقات مع القوى المعارضة اليمنية بالحديدة ومنهم: عبدالله مقبول الصيقل، ويوسف هبه عبد الله، والدكتور فضل الله الزاقوت، وحسين المقدمي، ومحمد الرعيني، والشيخ أمين عبدالواسع، والحاج سيف عبدالرحمن العريقي… وغيرهم، وبعد تعقد الوضع خاصة مع المشايخ، واعتقال الشيخ حميد بن حسين الأحمر ووالده الشيخ حسين بن ناصر الأحمر، اتفق أغلبية مشايخ اليمن على تصفية الإمام أحمد واغتياله، اتفقت رغبة هؤلاء المشايخ مع حركة المعارضة اليمنية، وكذلك مع توجه مصري لإطاحة بالنظام الإمامي في اليمن، يقول المقدمي في مذكراته: “لقد جاء السفير المصري مصطفى الدسوقي، مع القائم بالأعمال محمد عبد الواحد إلى الحديدة في تلك الفترة لغرض اللقاء والاتفاق مع اللواء حمود الجائفي، وكان يومها مسئولاً عن الميناء كي يقبل التعاون مع مصر للإعداد لانقلاب عسكري لتغيير النظام، فاتصلوا بي أولاً، وطلبوا مني إقناع اللواء حمود الجائفي باللقاء معهم في أي مكان قبل أن يعلمونا ما هو الغرض نفسه، فأقنعت الأخ حمود بذلك، وكان في بداية الطرح قد تهرب واعتذر عن اللقاء، ولكني أقنعته بعد إلحاح كبير واتفقنا على الخروج معاً للالتقاء بهم وعلى أساس التقينا بهم صدفة خارج الحديدة، وكان اللقاء بعد أن اتفقنا على المكان جنوب الحديدة “غليفقة” والتي كنا نخرج إليها عادة لصيد الظباء، وبعد أن التقينا بهم هناك طرحوا على الأخ حمود الجائفي فكرة أن يعمل ويستعد للانقلاب على الإمام وهم على أتم الاستعداد لتقديم العون اللازم سلاحاً ومالاً ولكن الأخ حمود رفض ذلك وأبدى لهم وجهة نظره بكل صراحة، وهي أن مثل هذا العمل لا يمكن أن يتحقق، لأن الجيش اليمني غير واع وغير مستعد لعمل هذا، كما أن القبائل يشكلون مشكلة كبرى كما حدث في حركة 48.. والموضوع يحتاج إلى وقت طويل وإلى مزيد من الوعي والتخطيط”، فيما بعد لجأ المصريون إلى الاقتناع بالعملية الانتحارية التي اتفقت عليها كل الأطياف اليمنية، كما ذكر سنان أبولحوم في مذكرته، فـ”عزم الأخ عبدالسلام صبره إلى الأخ عبدالله السلال وأعطاه ثلاث قنابل يدوية وأوصلها وعزمنا إلى بيته، ثم سلمها لسعيد إبليس وقد فهمت فيما بعد أن القنابل كانت من العقيد أحمد أبو زيد أعطاها السلال وهي صناعة إنجليزية حتى إذا اكتشفت لا يتهم فيها المصريون”.
واكتشف نائب الإمام بالحديدة يحيى عبدالقادر في اللحظات الأخيرة أن سعيد فارع كان وراء توزيع المنشورات التي تهاجم الإمام، فأرسل إلى الإمام بالسخنة ليخبره بهذا الاكتشاف، أمر الإمام باعتقاله ولكن بعض أصدقائه أخبروه بذلك، فاختفى لدى الحاج سيف عبدالرحمن بمنزله وبعد مداهمة مكتبته لاعتقاله، أخبرهم العامل بالمكتبة بأنه سافر إلى عدن، فاتجهوا إلى محمد الرعيني مدير المطار يسألونه عن سفره، فأخبرهم أن كثيرين سافروا على الطائرة ومن المحتمل أن يكون من ضمنهم فقد كان من دفع الأجرة استقل الطائرة ولم يكن في كشوف، وانطلت الحيلة وعادوا إلى أمير الحديدة يخبرونه بأمر سفره، ويقول الحاج سيف عبدالرحمن إنه والأحرار في الحديدة عندما سمعوا باستسلام الشيخ حميد بن حسين الأحمر ورفيقه الشيخ علي بن ناجي الشائف للقوات الإمامية وأعوانها في الجوف وضعوا خطة لقتل الإمام أحمد قبل وصول الشيخ حميد مقبوضاً عليه وعلى والده وكنا في سباق مع الزمن ليتم إنجاز مهمتنا قبل أن تصل يد الإمام إليهم، وتم وضع خطة يقوم بتنفيذها سعيد إبليس مع خمسة وأربعين قبيلياً من حاشد وبكيل بالسخنة، وكان سعيد مختفياً في منزل أحد الأخوة فذهبنا إليه أنا والشيخ أمين عبدالواسع فأخبرناه بما يجري لكي نعرف موقفه فرد علينا بإصرار “لابد من الفداء”.
يتضح من سياق الأحداث أن فشل العملية ترتبت عليه نتائج كارثية لليمن، أقلها مقتل المشايخ حسين الأحمر وولده حميد وعلي بن ناجي الشائف، واستمر دور يوسف هبه عبد الله النضالي كما شهد به الأحرار اليمنيون حتى حدثت عملية العلفي واللقية والهندوانه، فصدر أمر إمامي بإيداع يوسف هبه السجن في الحديدة، كما ذكرت جريدة فتاة الجزيرة، العدد 1639، يوم الخميس11 ذي الحجة 1380هـ / 1 يونيو 1961م، فذكره المقدمي ضمن من سجن فقال: “وكذا الأخ يوسف هبه عبدالله، وهذا كان صديق الجميع وأصله من الزرانيق.. اعتقلوا وحقق معهم وقيدت أرجلهم بقيدين ”
طبعا اتذكر وأنا صغير صورة الشيخ الثائر حميد بن حسين بن ناصر الأحمر معلقة بمهابة وإجلال في ديوان الحاج الجد سيف عبد الرحمن.
كان حميد الأحمر بينه والحاج سيف مراسلات ويدعمه ماليا. كان الحاج سيف من كبار التجار في الحديدة اربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي.
أسس تجارته ببيع حقول العائلة إذ طفش من عكفة الامام يحيى بن حميد الدين وهم كل ستة أشهر “ينكعون” إلى قريتي ” الخطوة..قرية قبيلة الحباترة ، طفش من الفيد والمكوس والخمس وووو باع الأرض بالاتفاق مع إخوته ونكع إلى عدن ثم إلى إثيوبيا وهناك أسس تجارة متفوقة حتى أنه كان صديقاً شخصيا للامبراطور هيلا سيلاسي. اتذكر أنياب الفيل التي اهداها الامبراطور هيلا سيلاسي إلى جدي معلقة في دبوانه بتوقيعه وختمه . بعد رحيل الجد من أديس أبابا تم تكريمه بإطلاق شارع باسمه شارع سيف عبد الرحمن . تفاجئ الجد من نبالة الإمبراطور.
عاد إلى عدن مكثف عدة سنوات التقى فيها بالحاج الراحل الكبير هائل سعيد أنعم. لقد دعمه بخمسة آلاف ريال فرنص. ثم دعم الجميعة اليمانية الكبرى ” النعمان والزبيري والشيخ مطيع دماج والقاضي والشاعر عقيل عثمان والقاضي والشاعر زيد الموشكي والشيخزأمين أبو رأس والشاعر عبدالله عبد الوهاب نعمان والصحفي من صار لاحقاً يحمل لقب شيخ الصحفيين اليمنيين صالح الدحان بخمسة آلاف فرنص أخرى. كما دعم نادي الاتحاد العريقي الاغبري بخمسة آلاف ريال فرنص . هذا الاتحاد اشرف ونظم كل من كان يتميز في قرى المنطقتين وعاصمتها حيفان للابتعاث الخارجي إلى الدراسة منهم من درس في مصر وآخرون في لبنان.
عاد إلى الحديدة وهناك كون تجارته في الحديد والاسمنت استيرادا من مصر. بنيت الحديدة الحديثة حينها برونق آخر.. أسس الحي التجاري.ثم انتقل الى المطراق حيث قضى أيامه الاخيره حيث بمجرد ما يسمع بمعسر وطني سرعان ما يدعمه. مات ومعه عمارة واحدة فقط لشدة كرمه ومقته للاكتناز.
مثل هذه الأرواح تستحق التذكير وأكثر.