في كل عام يحتفل الشيعة في الثامن عشر من ذي الحجة بيوم الغدير، هذا اليوم الذي يدعون فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع الناس بعد أن انتهوا من مناسك حجة الوداع في طريقه إلى المدينة في مكان يسمى غدير خم، وهناك أخذ البيعة أو الوصية بالخلافة لعلي، وأما كتب السنة فهي تذكر رواية فيها عبارات أخرى لا تذكر البيعة أو الوصية ولا يستنبط من ألفاظها ما يدل على ذلك، وإن كانت هي أيضا لا تسلم من العلل، بحسب ما سأعرضه.
لقد خاض الكثير من الباحثين في نقد هذه الحادثة سندا ومتناً، وسأكتفي هنا بطرح بعض التساؤلات التي تكشف زيف دعوى الغدير واختلاقها:
أولاً: تعد إمامة علي -عند الشيعة- أصلا من أصول الدين، والسؤال المطروح هو: كيف تبنون على رواية تاريخية أصلا من أصول الدين؟ وهل نستقي أصول ديننا من روايات مختلف في صحتها؟ أم من الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ ولماذا أعرض القرآن عن تسجيل هذا الحدث الجلل والخطير –كما تزعمون-ولم يذكره بشيء وقد ذكر ما هو دونه؟
ثانياً: سجل القرآن بيعات أخرى أقل حجماً وخطراً، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الممتحنة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. فهل بيعة النساء أعظم درجة من بيعة علي هذه التي تزعمونها حتى يلتفت إليها القرآن ويجعلها تتلى إلى يوم القيامة، فلماذا ذكر الله بيعة النساء ولم يذكر بيعة علي؟
ثالثاً: سجل القرآن كذلك بيعة الرضوان بتفاصيل مكانها، يقول تعالى في سورة الفتح: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾. والقرآن هنا يسجل بيعة عارضة ويغفل عن بيعة تحدد مصير الأمة إلى قيام الساعة، ثم إنه يذكر مكان هذه البيعة (تحت الشجرة) فقال تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ وكان الأولى أن يسجل مكان بيعة (غدير خم) نظرا لأهميته المزعومة. ثم إن هذه البيعة التي سجلها القرآن كما تشير كتب التفسير كانت حين جاء خبر مقتل عثمان فبايع النبي عنه وصفق بيده على يده وقال هذه عن عثمان، ولو كان هذا الفعل من النبي مع علي لعملوا من هذه القصة تأويلا يقول بإمامته.
رابعاً: لماذا لم يعلن علي عن هذه الحادثة بعد موت النبي مباشرة ويذكر المسلمين بذلك اليوم فالمدة الزمنية ليست طويلة حتى ينسوها؟ يقول الدكتور عبد الله البغدادي في رده على محمد باقر الصدر: “والأغرب من ذلك كله أن علي لم يحتج لنفسه -فيما ثبت عنه -بأي قول يشير إلى هذا (التعيين)”. وإن كان خائفا فلماذا لم يعلنها أيام خلافته، ولماذا لم ينقل الخلافة توريثاً لابنه.
خامساً: لماذا تقاعس المسلمون جميعهم في تنفيذ هذا الأمر بعد موت النبي؟ هل انقلبوا على أمر نبيهم بمجرد موته؟ وهل مرور ثلاثة أشهر تجعلهم ينسون تلك الحادثة المهمة؟ لماذا لم يحتفل علي أيام خلافته بهذا اليوم كما تحتفلون اليوم؟ ولماذا لم يحتفل به الحسن أو الحسين؟ هل أنتم أحرص منهم؟!
سادساً: لماذا لم يوصِ النبي لعلي بالخلافة في خطبة عرفة بوجود جميع المسلمين في صعيد واحد، وأخّر هذا إلى غدير خم قرب المدينة، ليقولها أمام نفر أقل من ذلك الحشد حيث لم يبق من الحجاج إلا حجاج المدينة؟ ألم يكن الأحرى أن يكون ذلك في عرفة لأن الأمر يهم كل المسلمين وليس أهل المدينة فقط؟ وهناك تساؤل قد يطرأ بالبال وهو هل هذا اليوم هو احتفال ببيعة علي، أم إنه احتفال بيوم مقتل عثمان فقد قتل في مثل هذا اليوم؟
إحياء المناسبة اليوم
إحياء هذه المناسبة والاحتفال بها بهذه الطريقة ليس مجرد طقس مذهبي ديني خالص، بل هو تظاهرة سياسية للمطالبة بتنفيذ تلك الوصية المزعومة في الوقت المعاصر باعتبار أن المسلمين اليوم قد انقلبوا على تلك الوصية، وآن أن يعود الحكم لـ”ذرية علي”، وهذا قول باطل ينقض أصلين من أصول الدين، وهما أصل الشورى، وأصل المساواة، لا يستند إلى أي دليل، حتى لو سلمنا بأنه قد أوصى لعلي فكيف إن كانت مختلقة من أساسها، فإن مشينا على قولهم المختلق بالوصاية لعلي فكيف يجعلونها فيمن جاء بعده بقرون؟!
إنها للأسف مناسبة لنبذ الآخر وشحن العداء والكراهية على من لا يؤمن بالفكرة، فهي ليست مناسبة تخص أصحابها فقط بحيث تدخل ضمن التسامح وقبول فكرة الآخر بل هي فكرة لا تؤمن بحق الآخر في الحكم وقد تصل إلى سفك دمه لمخالفتها، وفكرة الولاية تلك هي مخالفة لأبسط مقومات الدولة المدنية، وتتعارض مع قيمة المساواة ومع حقوق الإنسان في المواطنة المتساوية.
كتاب أهل البيت في المنظور القرآني
من صفحة الكاتب على الفيسبوك
