لم تكن الثورة السبتمبرية وليدة الصُدفة أو ترفاً كما يقول ذلك المنقبلون على عقبيهم، بل ضرورة قصوى و نتاجًا لنضالات متراكمة ومـتسلسلة منذُ 1200 سنة ويزيد ضد نظام الإمامة الإستعلائي و تاريخها القمئي الذي أخرج اليمن من سكة الحضارة و أدخلها في نفق مظلم و حالِك إذ يعد سبتمبر.. شمعةً مضئية في طريق اليمن.
رواد الحركة الوطنية و قبلهم الانتفاضات في كل من تهامة و تعز، الأنين الذي كانت تردده الشعوب إمتعاضًا من الظلم والضيم والقهر و محاولة طمس هوية شعبٍ و إغراقه بالدم و الجهل والهويات الفرعية القاتلة.. لحقته إنتفاضات من اليوم الأول لقدوم رجالات الشر والكهانة
وكان إيذاناً لصيحة سمعت بها الأمم.. طلقة القردعي وهي تُبعثر جمجمة الهالِك يحيى بن حميد الدين ذروة الغضب الشعبي و إلانذار الأخير للإمامة من أنَّ غضب الشعب سيطال الظلمة و يزلزل عروشهم.
يعلم اليمنيين جيداً.. من انَّنا لسنا أمام نظام ملـكي سيقبل التعايش و يتخلَّى عن طموحه في السلطة كما نجحت الثورة في مصر و فرنسا و كل دول العالم حين تخلَّى الملك فـاروق عن الحكم لصالح الثوار، كذلك الأمر مع “الملكة ماريا إنطوانيت” لم يحلموا بالعودة و محاربة الثورة و الاستعداد من اليوم التالي للثورة لقتالها و إختراقها على المدى القريب و البعيد.. بل نحن أمام غزوٍ ذا نظام كهنوتي دخيـل، وسرطان خبيث لن تتشافى منه إلا بالإستئصال جذرياً..
رواد الحركة الوطنية وهم ينضالون تنبهوا من أين يؤكل كتف الإمامة، وعلى ماذا تقوم فواجهوا ذلك بالمرتكزات الأربع وهي ٫٫الحرية، والجمهورية، الوحدة الوطنية، الهوية الوطنية الجامعة،، و أنَّ الإمامة قائمة على ركائز أربع وهي النقائض: ٫٫ تكريس العبودية، الإمامة، التمزق الوطني، الهويات الفرعية القاتلة ،، والتي أستندت إلى قيمتي المساواة و العدالة نقيض الظلم و العنصرية.. لهذا يكون لازماً على اليمنيين الأباء والأحفاد مواصلة التثوير والتنوير للحفاظ على المكتسبات وأهمها الجهورية طوق النجاة، و أكبر أسوار الكرامة و السبيل المـمـتد للحرية.. ما دون ذلك جهل وظلام و بؤس ومهانة.. لقد كانت نخبة يمنية استطاعت أن تقوم بأنجب الثورات ضد أقذر نظام إجرامي بغيض، أزاحته إلى مكان سحيق.. نعم نخبة يمنية مقاتلة وشرسة، لم تستطع الإمامة و تبعاتها” الاستعمار” النيل من عزيمتها، ودبَّ الهزيمة إلى صفوفها وكل ما حاولوا اخمادها هبَّت كالعنقاء الحم يرية من تحت الرماد ، إذ تمَّ ضربها إبان ثورة الدستور 1948 وعادت بحركة الثلايا 1955، حركة اللقية والعلفي 1961 وليس انتهاءً بثورتي 1962، 1963 م حتّى محاولة إطفاء نورها في 1967 ” حصار السبعين” عادت ب هزيمة منكرة لهم في صنعاء بكسر الحصار، وخروج آخر جندي محتل من عدن في ال 30 من نوفمبر 1967.
بعد هذه الشواهد التاريخية و الواقعية لن يساورني الشك بأنَّ تخلُّق نخبة يمنية سليلة لتلك النخبة السبتمبرية والأكتوبرية لهو أمرٌ حتمي طال الزمن أو قصُر، بل أنَّ تصحيح مسار الثورة بعد تعرُضِنا لأوهام مخلفات الإمامة بالعودة إلى ما قبل سبتمبر و أكتوبر المجيدتين.. سيكون أكثر حزماً.. فالنضال مستمر حتّى تحقيق أهداف الثورة وتعميق مبادئها كثوابت وطنية لا تقبل المساومة إزائها.
قولوا لمخلفات الإمامة ” أنَّ سبتمبر و أكتوبر هو قدر اليمنيين لا يمكن أن يتخلوا عنه، و اننا عائدون كالعنقاء الحمِ يرية..
يقول الزبيري وهو أحد مفكري ومناضلي الثورة وهو يصف مقدمات الثورة: ” إنَّ الأنين الذي كُنا نردده غدا صيحة تصغي لها الأمم”.