كتابات

ملف خاص في ذكرى رحيله.. الشحاري ليس مجرد إسم يمر مرور الكرام في تاريخ اليمن

الأديب يوسف الشحاري
الأديب يوسف الشحاري
منصة انزياحات
الأديب يوسف الشحاري
الأديب البرلماني يوسف الشحاري

 

رئيس التحرير

لم يكن الشحاري فقط ثائراً من أجل الاستقلال والسيادة الوطنية، بل كان شاعراً يرى في الكلمة سلاحاً لا يقل قوة عن السلاح المادي. في كتاباته الشعرية، نجد دفقاً من العواطف الوطنية التي تمزج بين الآمال بالحرية والأحزان على ما آل إليه حال الأمة. إنه شاعر المقاومة بامتياز، الذي استخدم الحروف لبث الروح في الأجيال القادمة، ولإعادة صياغة مفاهيم الوطنية والكرامة.

 

في قلب ثورة 26 سبتمبر 1962، كان الشحاري واحداً من الأبطال الذين قادوا عمليات حساسة في مواجهة الإمامة، ولكن نضاله لم يتوقف عند البندقية، بل امتد إلى صفحات الصحف والكتب، حيث كان صوتاً معبراً عن آلام وآمال اليمنيين. لقد كان إيمانه بوحدة اليمن راسخاً، فهو الذي رأى في الانقسام أكبر تهديد للنسيج الوطني. كلماته، سواء في الشعر أو في الخطابة، كانت صرخة تدعو للوحدة والحرية، مع التأكيد على أن الانتماء اليمني هو فوق كل انتماء طائفي أو مناطقي.

 

الشحاري لم يكن مجرد قائد عسكري أو سياسي، بل كان أيضاً مثقفاً يتفاعل مع قضايا العصر ويبحث عن مستقبل أفضل لشعبه. لقد ناضل من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية، ودافع عن القيم الإنسانية التي تؤكد على الكرامة والحرية والعدالة. وما يجعل شخصيته فريدة هو قدرته على المزج بين الكفاح السياسي والموقف الأدبي، حيث كان يرى أن الكلمة يمكن أن تكون أداة للتغيير بقدر ما يكون النضال المسلح.

لذلك كله وأكثر تعتز انزياحات بتخصيص ملف خاص في ذكرى رحيله.

فالشاعر والمثقف يوسف الشحاري يمثل ذلك النوع من القيادات الوطنية التي لا تتوانى عن تقديم التضحيات، ولكنه في الوقت نفسه يفهم أهمية الثقافة والفكر في بناء الأمم.

يوسف الشحاري ليس مجرد اسم يمر مرور الكرام في تاريخ اليمن، بل هو تجسيد حيّ لنضال شعب عاش بين فصول من الظلم والطغيان، وثار ليكتب مصيره بيديه. كان الشحاري شخصية متعددة الأبعاد، جمعت بين النضال السياسي والفكر الأدبي، ما جعله رمزاً وطنياً يصعب تجاوزه. وُلِد الشحاري في مدينة الحديدة، وترعرع في زمن كان فيه اليمن يعيش تحت وطأة الحكم الإمامي البائد، وهو ما شكل وعيه المبكر بضرورة التغيير.

***

 

يوسف الشحاري…وحضور الله في الإنسان ..
عدنان حجر

ترى بماذا كان يفكر وقتها الملهم يوسف الشحاري
ترى بماذا كان يفكر وقتها الملهم يوسف الشحاري

كثيرون هم من تحدثوا عن الاستاذ الفقيد يوسف الشحاري ( رحمه الله رحمة الأبرار واسكنه فسيح جناته )..تحدثوا عن شخصيته كإنسان نزيه وشريف ومتواضع ..وتحدثوا عنه كتربوي ورياضي وأديب وشاعر ومفكر ومثقف..وتحدثوا عن نضاله الوطني والثوري والسياسي والحزبي وكذا نضاله في مواقع العمل في المؤسسات الرسمية والجماهيرية ..وحصد من الألقاب مالم يحصدها يمني قبل رحيله وأثناء حضوره وبعد رحيله ولن يصل إلى تلك الألقاب أحد من بعده.. وهذه الألقاب جعلته يستحق كما رثيته في قصيدة رثائي في رحيله ( ليس كمثله أحد )..
لكن مالا يعرفه أحد عن يوسف هو مالا يكتب عنه حتى اليوم هو مالا يدركه أحد كرائد من رواد الفلسفة الانسانية والفكر الفلسفي الانساني..كون ماتضمنه فكره الفلسفي مثل مدرسة فلسفية خاصة رغم أن هذه الفلسفة قامت وارتكزت على مختلف الثقافات والمدارس الفلسفية دون أن يقع في تبعية أي مدرسة أو اي مفكر فلسفي ..

فالضمير شعور إنساني باطني في المرء يجعله يراقب سلوكه ويتحكم بتوجيهه متبعا الخير..وهو مجموعة من المبادئ الأخلاقية التي تسيطر أو تتحكم في أعمال الشخص وأفكاره،.ويتشكل الضمير عند الإنسان من خلال القيم الموجودة على مدار التاريخ البشري ومن خلال البيئة التي يعيشها الإنسان..واذا كان فلاسفة اليونان الكبار ( سقراط وافلاطون وارسطو ) قد اختلفوا في تحديد ماهية الإنسان وفي كيفية تمثله لهذه الماهية وكذلك أيضا سقوط وافلاطون وأرسطو لم يكونوا واضحين في تناولهم الضمير كجوهر للإنسان ..فسقراط ارجع ماهية الإنسان إلى صفات جوهرية مرتبطة بالعقل والنطق وافلاطون ارجعها إلى مجموعة من المبادئ والقيم أطلق عليها المثل ….. أما ارسطو فقد ارجع هذه الماهية إلى الحواس كمادة محسوسة لكنها أيضا مرتبطة بالعقل ..

غير ان الفقيد الحاضر بيننا يوسف الشحاري الذي تحل علينا الذكرى ال 24 لرحيله 16 سبتمبر2024م
كان يرى ان الضمير يختلف عن العقل ويختلف عن الإدراك وان الادراك وظيفة من وظائف العقل أما الضمير فهو أعلى سلطة في الإنسان بل إنه فوق سلطة العقل ..وهو ما جعله واضحا وقرر أن جوهر الإنسان هو الضمير ولا يكون الإنسان انسانا الا بالضمير.. وذلك من خلال قوله :
انا لولاك لم أكن إنسانا
ياضميري ولن اعيش مصانا ..

لذلك كانت شخصية وسيرة وتاريخ يوسف هي من أجمع علىها كل اليمنيين كإنسان بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وجوهر جاءت من كونه كان يحمل ضميرا هو ماهية الإنسان هو جوهر الإنسان وهذه الماهية جعلته يتمثل الإنسانية في اروع صورها قولا وفكرا وسلوكا ..

لقد مثل يوسف في جوهر فلسفته ( الضمير ) ضميرا لوطنه وشعبه وضميرا لفلاسفة الضمير الذين سبقوه والذين عاصروه والذين سياتون من بعده ..بل إنه أكد في فلسفته ماذهب إليه الكاتب والشاعر الفرنسي فيكتور هوجو. أن الضمير هو حضور الله في الإنسان..وعندما سُئل هوجو ما هو الضمير الإنساني؟
أجاب : الضمير هو روح العالم، به يعرف البشر بعضهم البعض، العالم لا يعاني من غياب القوانين والعقوبات، العالم يعاني من غياب الضمير الإنساني، الضمير هو الرادع الحقيقي لا العقوبة..وإذا سألت يوسف عن الضمير وكيف يمكن أن نعرف الإنسان الحقيقي نجده يرتبط وجود الإنسان الحقيقي بجوهر سامي وهو الضمير قائلا :
يُعْرَفُ الْمَرْءُ بِالضَّمِيْرِ فَإِمَّا
كَانَ خَيِّراً فِي الْحُكْمِ أَوْ شَيْطَانَا
أوْ عَظِيْماً يَسْمُوْ عَلَى كُلِّ شَرٍّ
أَوْ حَقِيْراً يُلَوِّثُ الْأَكْوَانَا ..

وان فكرة الخير والعظمة والسمو تعود إلى جوهر الضمير وان الشيطنة والشر والحقارة تعود إلى سوء الاستخدام لادوات الضمير من قبل الإنسان العاقل .. فصاحب الضمير عند يوسف هو الخير في كل تصرفاته لسلطنه على نفسه ومادون ذلك فهو انسان عاقل سلطته على ضميره مايجعله ضميره يتحرك وفقا لأوامر العقل..فالضمير بسلطته على العقل ينتج عنه خيرا والعقل بسلطنه على الضمير يجعل ناتج تصرفاته شرا وحقارة ..

وما تقدم هو ما جعل يوسف يقرر أن هناك ضمير واحد في الإنسان وهو ضمير حي ولا يوجد ضمير ميت .. فالضمير عند يوسف موجود عند كل البشر حيا ونشطا وفاعلا وليس ميتا ولا حتى جبانا وان الفرد هنا ماصدق للإنسان فقط وبالتالي وكونه حي اي الضمير فهو موجود داخل كل انسان ماهيته ..
فالضمير كماهية يعد حيا اي نشطا يقول :
انت حي في كل فرد مقيم
لست ميتا وصامتا وجبانا

وان لم تكن ماهيته الضمير ..فهناك ضمير يقيم فيه لكنه لايمثل سلطته على الإنسان وأن سلطته تعود على العقل وان الضمير في هذه الحالة يكون مرادفا للعقل في إنتاج الخير والشر وهو مالم يعتد به يوسف ..
لقوله :
خيرا في الحكم أو شيطانا
كون الخيرية هي الضمير باعتباره جوهرا نقيا للإنسان يتحكم ويختار للإنسان كل ماهو خير فقط ..
وأما ( أو شيطانا ):فهنا الضمير ليس جوهرا وانما مصدرا للمعرفة تقع تحت سلطة العقل.. والعقل هو من يختار للإنسان وليس الإنسان الضمير هو من يختار للعقلى..فالشيطان لا ضمير له لعدم إنسانيته ومايصدر عنه شيطنة والشيطنة من أعمال العقل في التخطيط والتدمير والاغراء والألهاء..وقس على ذلك ما جاء في قوله :
أو عظيما يسمو على كل شر
أو حقيرا يلوث الأكوانا

واذا كان الحكيم الصيني كونفوشيوس يصف الضمير بانه هو نور الذكاء لتمييز الخير من الشر.وان عدم الرجوع عن الخطأ هو خطأ أكبر..فإن يوسف هو من قرر أن مسؤولية الإنسان ترتبط بدوره كعاقل أخلاقي أن لا ينشط دور الضمير وان عدم تمثل الضمير في سيطرة الإنسان على الشر فإن جريمته في حق نفسه قبل الآخرين ستظل تلاحقه طول عمره قائلا :
ذَلَّ مَنْ قَيَّدَ الضَّمِيْرَ وَقَضَّى
عُمْرَهُ يَرْشُفُ الْمَخَازِيْ دِنَانَا

ويؤكد يوسف الإنسان لايمثل إنسانيته بمظهره وملبسه أو فخامته أو بطولته أو فقره أو غنائه او مكانته الاجتماعية أو السياسية أو الخ .. بل بضميره ..ولايتمثلها أيضا إذا قزم ضميره اي حط من مكانته في محيط وجوده العام كإنسان ولا يتمثلها إذا خانا إذا خرج عن مبادئه وقيمه ومثله وهو بذلك يفقد إنسانيته كإنسان ماهيته ضميره ومن فقد ماهيته فقد إنسانيته ومن فقد انسانيته لاوجود له..
.لقوله :
ليس يسمو الإنسان بالملبس
الزاهي أو هزم الضمير وخانا

ويؤمن يوسف إيمانا كاملا أن خلافة الإنسان لله على الأرض تعني تقديس تلك الخلافة بمستوى تقديس الله ومحبته له وذلك لن يتأتى للإنسان الا اذا تمثل في سلوكه الخير وانةيعطي عطاءا لا محدود لا ينتفع منه هو بل غيره لانه لايجوز أن يكون خليفة الله بغرض استغلال تلك الخلافة لأن الله لا يستفيد مما يفعله الإنسان بل الإنسان هو من يستفيد والاستفادة ليست بالمعنى الدنيوي المحسوس بل المعنى المعنوي ..وفي هذا يقول يوسف :
قدسوا الله في الضمائر كيما
تنعموا فيه بالرضى والجنان
واخدموا الله خدمة ليس فيها
مارب غير مطلب الغفران

ولما ثبت أن التاريخ هو أخطر انتاج كيميائي أنتجه العقل البشري فإن يوسف اتجه نحو الانسان بالتأكيد على أهمية كرامته وتحريره من القهر والذل والعبودية والتبعية لغير الله ( الضمير ) والتي تمارس ضده من قبل العديد من السلطات سواء الداخلية العقل والحواس أو الخارجية الكيانات والتجمعات والمؤسسات المجتمعية ..مؤكدا ذلك بقوله :
ولنعش لحظة من العمر قوما
حرروا من خساسة الانحناء..
وقوله :
شَرَفُ الْمَرْءِ أَنْ يَعِيْشَ أَبِيًّا
رَافِعَ الرَّأْسِ طَيِّب الْوُجْدَانِ..
وقوله :
مَنْ يَرُمْ فِي الْحَيَاةِ عَيْشاً نَبِيْلاً
واحْتِرَاماً وَعِزَّةً فِي الزَّمَانِ
فَلْيَدُسْ بِالْإِبَاءِ لَحْنَ رِيَالٍ
سَافِلٍ لَمْ يَجْنِ غَيْرَ الْهَوَانِ..

ويركز يوسف في فلسفته على الإنسان وربطه بالواقع بل إن يوسف يقر بما هو مادي كرابط سايكلوجي وليس كرابط برجماتي .. وبدأ الإنسان عند يوسف موقف والموقف يجب أن ينطلق من عقيدة وانسان بلا عقيدة كما يقول يوسف في مهب الريح ..مؤكدا على ذلك بقوله :
إِنَّ مَنْ يُقْتَلُ فِيْهِ حِسُّهُ
مَارَسَ الْإِثْمَ وَعَافَ الْقِيَمَا..

والإشارة هنا إلى حسه اي الحواس بما فيها العقل وليس الضمير .. فإن قتل فيه حواسه كان ذلك على حساب ضميره .. مايجعل ناتج هذا الحس المقتول ممارسة الشرور والاثم والعدوان ورفضه للقيم السامية والنبيلة ..

ويرى يوسف أن الضمير قوة وسلطة حاكمة للإنسان وان العقل هو أداة من أدوات هذه السلطة ..وان هذه القوة هي التي توجهه وتقرر مصيره….والانسان كضمير كما قال يوسف يعتبر موقف والموقف يجب أن ينطلق من عقيدة ..والانسان بدون عقيدة هو عند يوسف هو انسان في مهب الريح .. ولا يعتبر يوسف العقل مرادفا للضمير كما ذهب الى ذلك سقراط وافلاطون وارسطو وبرنشفيك وماكس شلر وجان جاك روسو وديكارت وسارتر واسبينوزا واوغسطسن وابن رشد والغزالي وقبل اولئك الفلاسفة الشرقيون القدامى ..حتى قبل 8000 الف سنة استند الشرقيون القدامى في فلستهم على مبدأ واحد متحد فاخناتون ونبوخذ نصر وحمورابي وزرادشت وماني وبوذا وكونفوشيوس.. حتى إن كانت ألماهيات عندهم متعددة ومختلفة بين عقل وروح ومادة وصورة ومثال ووعي وإرادة وطبيعة اجتماعية وطبيعة سايكلوجية الا أنهم جميعا يعتبرون هذه الماهيات مرادفة للعقل ..الا يوسف يعتبر العقل لاحقا فالضمير والضمير محتويا العقل وجميع الحواس المسؤولة عن تحركات الإنسان حسيا وان هذه الحواس بما فيها العقل ادوات تحت سلطة وقيادة العقل.. فالضمير هو الموجه والمرشد هو جوهر وماهية الإنسان بكل تفاصيله البيولوجية والسيكولوجية والسوسيولوجية ..
فقد قرر صراحة قائلا :
انا لولاك لم أكن إنسانا
ياضميري ولن اعيش مصانا ..

ونود هنا التأكيد على أن يوسف قدم فلسفة متميزة ومتفردة وان كانت بعض عناصرها مستلهمة من ثقافات وفلسفات عبر التاريخ ..فإنه قد قرر الضمير ماهية وجوهر …وان هذه الناحية سنجدها تتحرك في قضايا عديدة ..العدل والحق والحب والولاء والانتماء والسلام والحياة والموت ..وغيرها من القضايا .. لكن المقام هنا لايتسع لأن موضوعنا طويل ويحتاج لوقفات كثيرة قادمة ان شاءالله ..
رحل يوسف وقد قال :
( وَلَيْسَ وَحْدِي الَّذِيْ يَمُوْتْ
اَلْكُلُّ فِيْ تُرَابِ (ذُوْ يَزَنْ) يَمُوْتْ
فَبَعْضُنَا فِيْ خِسَّةِ السُّكُوْتْ
وَبَعْضُنَا فِيْ ذَيْلِ بَنْكَنُوْتْ
وَبَعْضُنَا فِيْ ذِلَّةِ الْقَوَافِلِ
الَّتِيْ تَشُقُّ مُهْجَةَ الْخُبُوْتْ

ونختتم هذه الوقفة الفلسفية مع فيلسوف الضمير الاستاذ يوسف الشحاري في ذكرى رحيله ال24 الموافقة 16 سبتمبر 2024م..وحتى سيرته الذاتية طويلة بطول الكتب والدراسات والأبحاث وكبيرة بحجم الوطن وواسعة ومتعددة لأنها في مختلف مجالات الحياة ولا ينساها أحد لأنها ذاكرة شعب ..لذلك سنحاول التركيز على أهم هذه المحطات من سيرته الذاتية. .. فهو الأستاذ القدير والراحل العظيم يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن حسن الشحاري ،ولدسنة 1932م في مدينة الحديدة تهامة اليمن ..وفي 1954م أنهى دراسته الأساسية والثانوية ..وفي ذات العام 1954م التحق بكلية الشرطة.وفي 1957م تخرج من كلية الشرطة وعين بعد التخرج مباشرة مديرًا للأمن في مدينة (اللحية) شمال غرب مدينة الحديدة .. وفي 1958م التحق بمدرسة الأسلحة بالكلية الحربية في صنعاء..وفي 1959م عين معلما في كلية الشرطة بصنعاء..وفي ذات العام 1959م ساهم مع عديد من زملائه الضباط الاحرار في تأسيس تأسيس كتائب الحرس الوطني بمحافظة الحديدة..وفي 1962م ساهم في تأسيس منظمة شباب الثورة في محافظة الحديدة.وفي 1964م مديرًا لأمن الحديدة..وفي1965م مدرساً وكبيراً للمعلمين في كلية الشرطة بصنعاء ثم نائبا لمدير كلية الشرطة.. كما عمل ضابطًا لأمن إذاعة صنعاء، ثم مديرًا للتحرير في صحيفة (الثورة) اليومية في مدينة صنعاء..وفي1970م عضوا منتخباً عن مدينة الحديدة في مجلس الشورى..وفي 1972م اختيرا وكيلا لرئاسة المجلس..وفي 1979م نائبًا لرئيس مجلس الشعب التأسيسي.وفي 1982م رئيسا للجنة العليا لانتخابات المجالس البلدية..وفي 1987م تم انتخابه عضوا ووكيلاً لمجلس الشورى..وفي يونيو1989م شارك ضمن وفد اليمن الشمالي في الدورة التاسعة عشرة للاتحاد البرلماني العربي والتي عقدت  في ابوظبي والقى كلمة وفدي شطري اليمن قبل الوحدة في تلك الدورة..كما شارك على راس وفد في اللقاء البرلماني الدولي والعربي والحوار العربيالأفريقي والحوار العربي- الأوربيراس..وفي نوفمبر1989م كان يوسف أحد شهود توقيع اتفاق اعادة الوحدة اليمنية..وشاهد اعلان قيام الجمهورية اليمنية في مايو 19090م.. وفي1990م شارك في أعمال الدورة الثالثة للهيئة العليا لمجلس التعاون العربي ، بالمملكة الأردنية الهاشمية..كما شارك في ذات العام في بحث المستجدات الراهنة على الساحة العربية والقضايا التي تهم البلدين وأمتنا العربية والإسلامية ، في السعودية.ووفي 1990م عضوًا في هيئة رئاسة مجلس النواب وعضواً في لجنة إعداد أول دستور للجمهورية اليمنية عقب قيام الوحدة..وفي1992م عين مستشارًا لرئيس الجمهورية، وفي 1993م رئيسا منتخبا لاتحاد الادباءوفي 1995م عضوا في اللجنة العامة وفي 1997م عضوًا في المجلس الاستشاري للرئاسة..وفي 1997م أعيد انتخابه رئيسا لاتحاد الادباء.وفي 2000م في 16سبتمبر2000م توفي الاستاذ اللواء حكيم الأدباء يوسف محمد الشحاري رحمه الله رحمة الأبرار واسكنه فسيح جناته ..

***

للشحاري أبيات شعرية تبدو مثل آية قرآنية 

 

انزياحات جعفر الكناني 

الضابط الشاب أحد فرسان فك حصار السبعين يوما الذي فرضه أزلام الملكية حينها في ١٩٦٧
الضابط الشاب أحد فرسان فك حصار السبعين يوما الذي فرضه أزلام الملكية حينها في ١٩٦٧

“يمنيون قبل أن يتمادى بغباءٍ شوافعٌ وزيودُ

يمنيٌّ أنا وأنت يمانٍ، رعرعتنا سهولها والنجود”

يا لعظمة هذه القطعة الشعرية تبدو مثل آية قرآنية

توحد اليمنيين ، لها جماليات وطنية وحدوية عليا تمجد الذات اليمنية التي كان الفقيد الراحل يوسف الشحاري المتمثل الانبل لها. ولعلي لا ابالغ أن الوطني المشترك بين كل اليمنيين هو يوسف الشحاري .

و بعيداً عن تقسيمات الشوافع والزيود. هذه الأبيات ليست مجرد كلمات، بل هي صرخة تدعو للوحدة والسلام وتعكس حس الشاعر الثوري في توحيد الصف اليمني في وجه أي تهديد يمس بالوطن.

يوسف الشحاري، الذي ولد عام 1932 في الحديدة، كان واحداً من أبرز الشخصيات الثورية اليمنية التي ساهمت في تحرر اليمن من الحكم الإمامي عام 1962. تميز الشحاري بمواقفه الوطنية الشجاعة وبإسهاماته في العديد من المجالات، بما في ذلك التعليم، الإعلام، والسياسة. شغل عدة مناصب قيادية بعد الثورة، مثل مدير أمن الحديدة ورئيس تحرير صحيفة “الثورة”، وكان له دور بارز في صياغة الدستور اليمني والمشاركة في الانتخابات البلدية ثم البرلماني الفذ.

بأسلوب شعري قوي وواضح، يعلن الشحاري في هذه الأبيات عن انتمائه العميق للوطن، مشيداً بمجد اليمنيين التاريخي ومؤكداً على أن أعداء الوطن، سواء من الداخل أو الخارج، لا يمكنهم كسر عزيمة الشعب اليمني. يمكن أن نعتبر هذه الأبيات تجسيداً لوطنية عليا، حيث يتجاوز الشاعر الحواجز الصغيرة ليركز على الهوية اليمنية المشتركة.

 

الشحاري لم يكن مجرد شاعر، بل كان رمزا للنقاء والشجاعة والإخلاص لوطنه. إذ كان من الشخصيات الرائدة التي ناضلت من أجل استقلال ووحدة اليمن، وساهم في تحقيق ثورة 26 سبتمبر. كما كان له دور محوري في مراحل تطور الجمهورية اليمنية، حيث شغل عدة مناصب هامة، منها عضو في مجلس الشعب التأسيسي وعضو في هيئة رئاسة مجلس النواب بعد الوحدة اليمنية عام 1990.

***

“يمنيون قبل أن يتمادى بغباءٍ شوافعٌ وزيودُ

يمنيٌّ أنا وأنت يمانٍ، رعرعتنا سهولها والنجود”

إنها أبيات تعبر عن قوة الوحدة اليمنية وتدعو لنبذ الفُرقة الطائفية والمناطقية. فهي تجسد تعبيراً شعرياً عميقاً عن الانتماء.

تلك هي روح الشحاري الثورية والوحدوية، وتقدم رسالة واضحة لليمنيين حول أهمية الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات.

 

***

شاعر اليمن الكبير الدكتور الراحل عبدالعزيز المقالح في رثاء رفيق دربه الشاعر يوسف الشحاري

علاقة سبتمبرية وجدانية كبيرة ربطت بين الراحلين الكبيرين الدكتور عبد العزيز المقالح ويوسف الشحاري
علاقة سبتمبرية وجدانية كبيرة ربطت بين الراحلين الكبيرين الدكتور عبد العزيز المقالح ويوسف الشحاري

( يوسف الشحاري)
غادروا شمسَنا
ومجالسَنا
بعضُ الذينَ أحبَّهُمُ القلبُ
واستوطنوا دارَهُ
رحلوا
تركوني وحيداً
ولم يتركوا لي منَ الشمسِ إلاّ الكلامَ
منَ اللَّيلِ إلاّ الزِّحامَ
وهذا النبيلُ الذي يتحدّى الغيابَ بآثارِهِ
وقصائدِهِ،
واحدٌ مِنْهُمُ
هل تراهُ بقلبِكَ؟
ها هوَ ذا حاضرٌ في الحقيقةِ
ضِحْكاتُهُ تملأُ القلبَ ورداً
وتطرحُ أحزانَها للغيومِ
وأفراحَها للمدى..
كانَ ظلاًّ غداةَ الهجيرِ
وقمحاً إذا أجدبَتْ
كانَ ماءً نهارَ العطشْ.

* * *
“كلَّما قالَ: تحذَرُ
وثبَ القلبُ يخطُرُ
وإذا كلُّ خَفْقَةٍ
فيهِ تزهو، وتزهرُ
وأضاءتْ بخطوِهِ
صولةٌ ليسَ تُقْهَرُ
ومضى مائجَ السَّنا
جبهةً لا تُعَفَّرُ
كلَّما ضجَّ عاصفٌ.. حولَهُ
راحَ يسخَرُ”.

(من ديوانه كتاب الاصدقاء)

 

***

 

مرثية الأستاذ يوسف الشحاري ، في رحيل رفيقه “الربادي” بهذه المناسبة.

 

محمد علي الربادي زميله في البرلمان وكان أحد أهم مؤسسي اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين في بداية سبعينيات القرن الماضي
محمد علي الربادي زميله في البرلمان وكان أحد أهم مؤسسي اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين في بداية سبعينيات القرن الماضي

“النســــــر الــــذي هــــــــوى” :

 

 

كيفَ ألقَى سلاحَهُ وتوارَى

بطلٌ عاش عمرَهُ مِغْوارَا

كيف ألقى سلاحهُ وتوارى

من تحدَّى الأهوالَ والأخطارا

من رأيناهُ فارساً في الرزايا

والرزايا لا تسحقُ الأحرارا

شامخاً كالجبالِ ما لان يوماً

للمآسي ولا شكا واستجارا

لم يزده العذاب إلا شموخاً

والأصالاتُ ترفضُ الاندحارا

رُزئتْ في يديهِ كل المآسي

دامياتٍ والهولُ يُدمي الصغارا

يا رباديُّ أنت أتلفتَ روحي

فانتهتْ شهقةً وذابتْ أوارا

أنت علّمتني الأصالةَ صدقاً

وستبقى المحرابَ لي والشعارا

أنت علّمت زورقي كيف يمضي

شامخاً والعبابُ جُنَّ وثارا

أنت علّمت زورقي كيف يمضي

في الدياجي… يمزقُ التيّارا

أنت أشعلتَ في دمائي فداءً

يمنياً لا يعرفُ الانكسارا

أنت في مهجتي أبرُّ حبيبٍ

وستبقى العطورَ والأزهارا

أنت في مهجتي أبرُّ حبيبٍ

وستبقى لها الهوى والمزارا

أنت في مهجتي أبرُّ حبيبٍ

وستبقى مضمونها والإطارا

يا ضميرَ الضميرِ حراً أبياً

إن شعبي عليك يبكي جِهارا

يا نهارَ النهارِ إنكَ حيٌّ

في سلوكٍ قد جاوزَ الأقمارا

قد منحتَ البلادَ أنبلَ شيءٍ

الهوى والفؤادَ والأوطارا

كلّما عربدَ الدُّجى في بلادي

هبَّ يشقى الأنيابَ والأظفارا

كلما عربدَ الطغاةُ رأينا

فيه سيفاً لا يستسيغُ الضرارا

كلما عربدَ الفسادُ تجلّى

بطلاً ثائراً يزيحُ الستارا

عاشَ صوتَ الشعبِ العظيمِ وسـوطاً

يجلدُ الخائنينَ والأشرارا

عاشَ صوتَ المعذبينَ وناراً

يفضحُ الزيفَ حاقداً مكّارا

عرفَ الحُبَّ مهجةً تتسامى

في الملماتِ تمتطي الأخطارا

عرفَ الحبَّ مهجةً تترامى

في المنايا تُقارعُ الأقدارا

عرفَ الحبَّ مهجةً لم تجاملْ

ذاتَ يومٍ يميننا الغدّارا

عرفَ الحبَّ مهجةً لم تجاملْ

ذاتَ يومٍ يميننا واليسارا

أشرفُ الناسِ مَن يجودُ بصدقٍ

(يبذل الروح راضياً, مختارا)

شرفُ العمرِ أنْ نضحي بصمتٍ

في جلالٍ كي نغزلَ الأنوارا

أن نعيشَ الساعاتِ نوقظُ عزمـاً

خامداً أنْ نحطمَ الأنيارا

يا ربادي يا أصدقَ الناسِ قولاً

وضميراً وسيرةً ومسارا

يا ربادي إن الليالي عذابٌ

في حمانا يلوكُ فينا الصغارا

يا ربادي إنَّ الأعاصير تلغي

زائفَ الخطوِ تلفظُ الخوّارا

يا ربادي لن يجرحَ الرعبُ خطوي

قسماً لن ينوشَ مني زرارا

كم عرفنا من الرجالِ تهاووا

فانتهوا جيفةً وطاروا غبارا

كم عرفنا الكثيرَ صالوا وجالوا

أمسِ واليومَ أصبحوا سمسارا

وطنيون في (المتاكي) كلابٌ

في التقاريرِ يقتلون النهارا

وطنيون في (المتاكي) كلابٌ

في الحراساتِ لا يصونون عارا

أيها الشامخُ الأبيُّ ستبقى

أبداً شامخاً ولن تتوارى

أيها الشامخُ الأصيلُ مُحالٌ

أن ينالَ النسيانُ يوماً كبارا

لا يموتُ الرجالُ إلا وقوفاً

وإباءً وعزةً واختيارا

لا يموت الرجالُ إلا وقوفاً

ووفاءً يزاحمُ الأشجارا …..

* تصحيح وتنسيق فايز محيي الدين

 

***

 

كان يقرأ اتجاهات الريح الهوجاء

عبدالباري طاهر 

يوسف الشحاري يعترض ويقدم نقطة نظام
يوسف الشحاري يعترض ويقدم نقطة نظام

كوكبٌ من كواكب المجموعة الشعرية، سطعَ في سماء السبعينيات في اليمن كأحد ألمع شعراء القصيدة الكلاسيكية. حافظ بصرامة على الشكل الكلاسيكي للقصيدة العربية، مطورًا المضامين الوطنية والاجتماعية لعمود الشعر. لقد طوّعَ يوسف القصيدة الكلاسيكية لهموم ومعاناة شعبه وأمته العربية، تحول عنده عمود الشعر إلى صواريخ بعيدة المدى، وكانت القوافي قذائف تدكُّ حصون الإمامة والاستعمار، وتُزلزلُ أركان الاستبداد والطغيان والفساد.

 

كان يوسف ابن تهامة أحد أبرز الضباط الأحرار، وشاركَ ببسالة في تفجير ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، ولعل وجه الشبه بينه وبين يوسف الصديق في الثورة المصرية في المنحى اليساري قد جنى عليه. ومع ذلك فقد كان يوسف أكبر من صغائر الصراعات المتخلفة، أو الاستجابة والانجرار إلى مستنقعها ومياهها الآسنة والعفنة. فلم ينجر إلى خلافات وصراعات «القوى الميتة» وتفاهات خصوماتها، كما لم يقتربْ من صراع المصالح ولعبة الكراسي، ووقف بسلاحه وشعره مدافعًا عن الثورة والجمهورية والحرية والعدل رافضًا ألاعيب القوى الانتهازية في الثورة، ومُدينًا أساليب القمع والقهر ومحاولة المساومات على خط الثورة أو المتاجرة بشعاراتها وأهدافها.

 

كان صادقًا في موقفه وشعره. وكان التطابق بين موقفه وما يعلنُ في شعره يترك آثارًا عميقة في نفوس غالبية جماهير الشعب؛ لذا فقد تحولت قصائده إلى مناشير سياسية، وكان السياسيون والأدباء والمثقفون يتداولون قصائده الانتقادية كسلاحٍ فتاك في مواجهة الانحراف والفساد والطغيان.

 

كان يقرأ اتجاهات الريح الهوجاء التي أعلنت عن نفسها بصورة سافرة بعد الخامس من نوفمبر 67. وكان اعتزاز يوسف بيمنيته صادقًا وصافيًا وبعيدًا عن التعصبات الرجعية شديدة البلادة والتخلف.

 

يعتز بأفضل ما في اليمن، ويدين تخلفها وفساد وطغيان عتاولتها وزعماء الجهل فيها. يدافعُ عن العروبة والقومية في مواجهات التحديات الإمبريالية والصهيونية، ويبكي بمرارة عذابات شعبه ومعاناة أمته.

 

كيف يحلو على الشفاه النشيدُ

 

وطني والجراح فيك لحودُ

 

والقداسات للمبادئ أضحت

 

مزقًا داسها هنا رِعديدُ

 

وإناثُ الرجال فيك تناهى

 

لمداه غرورها المنكودُ

 

نتراءاهمُ فنحسبُ أنَّا

 

لم يغادر ترابنا النمرودُ

 

سكرت بالنعيم والشعب يشوي

 

روحَهُ الجوعُ والخطوبُ السودُ

 

كلّ فردٍ فيهم يحس بأنَّا

 

في يديه حثالةٌ وعبيدُ

 

لا يجيدون في الحياة سوى الهمـ

 

ـس بأذن والهمس حينًا مبيدُ

 

والتقارير كلّ يوم سيولٌ

 

منهمُ الإباء فيها الشهيدُ

 

يتلازم الوطني بالاجتماعي، ويقترنُ النعيم أو يتضاد ‘النعيم” والسكر بالنعيم مع الشواء لروح الشعب؛ فالسكارى بالنعيم هم شواء لروح الشعب، وهم من يدوسون المبادئ، ويريدون تمزيقها، وعندما يستجلي صورهم لا يرى فيهم إلا صورة “النمرود”

 

يوجهُ يوسف قوافيه نحو الطغيان والاستبداد، ويتجلى جدل السيد والعبد في علاقة متوترة بين الشعب ومجيدي كتابة التقارير التي يكون فيها الإباء فيها «الشهيد».

 

ويفتحُ العيون والبصائر على الملفات الحبالى بالمخازي في أجهزة القمع، وهي الملفات التي يصوغها الإفك والغباء الفريد، كما يعبِّرُ عنها شعر يوسف. ولا يدرك القيمة الإنسانية الرائعة والروح الثورية الشجاعة لهذا الشعر إلا من عرف ظروف السبعين في اليمن. ويوسف – كمقاتل بالسلاح والكلمة – لا يستسلم لقدره، وإنما يتحدى واقعه المرير.

 

يمنيٌ يهوى الحياة صراعًا

 

وعراكًا يشع منه الجديدُ

 

يمنيٌ عاف التمزق يشقى

 

في لظاه صباحنا المنشودُ

 

قصائد يوسف لوحة متكاملة للصراع الجمهوري الملكي في اليمن، ونقد عنيف وشجاع للممارسات البيروقراطية والممارسات القمعية لجهاز الدولة وأجهزة الأمن حينها؛ فقد تعرض المناضل الكبير والشاعر الشجاع للاعتقال أكثر من مرة، وسجل نقدًا مريرًا للسجن والسجان.

 

سوف نمضي ولن يموت الإباءُ

 

في دمانا يا سجنُ يا جزارُ

 

سوف نمضي خطًّا يصولُ اقتدارًا

 

وشموخًا ما خانها الأحرارُ

 

سوف نمضي لأننا قد أفقنا

 

منذ أيول فانحنت أقدارُ

 

نحن روح التاريخ أسرارهُ

 

ونحن الألحانُ والقيثارُ

 

نحن روح التاريخ مهما فعلتم

 

نحن مضمونه ونحن الإطارُ

 

خلف هذي القضبان نملك ما لـ

 

ـا تملك العاصفات والأخطارُ

 

بين هذه الزنازن السود يا أحـ

 

باب شاخ التعذيب والجزارُ

 

في فحيح السياط في خسة البو

 

تي تعالى الفدا، سما الإيثارُ

 

كلما عربد العذاب هتكنا

 

كبرياء الدجى فحل انكسارُ

 

كلما مارسوا الأجد مـن التـ

 

ـعذيب فينا تألقت أنوارُ

 

نعرف الحب صادقا حين نسـ

 

ـخو بدمانا لتنضج الأثمارُ

 

بين ناب الزنازن الربد

 

نحن أقوى فيلركعُ الأشرارُ

 

يؤرخ الشاعر لهذه القصيدة بالعام 1978. وهذه الفترة العصيبة من أحلك فترات الصراع السياسي في اليمن، وكانت المعتقلات والتعذيب في المعتقلات من أبشع ما عرفت اليمن في تاريخها.

 

إنّ قصائد يوسف سجلّ حافل وأمين لمسار الحركة الوطنية وتطورها، والمآسي التي مرت بها؛ فقد دان الإمامة الكهنوتية؛ ففضح استبدادها وزَيْفَ وتهافتَ منطقها.

 

نتحدى جريمة ووباء

 

قهرت فيه وثبة العلياء

 

صنعت منه للوباء حقولاً

 

صهرته كالثلج في الرمضاء

 

صنعت منه متحفًا للمآسي

 

والرزايا والبؤس والأوباء

 

ألف عامٍ على الظهور يغني

 

ألف سوط للعصبة الجبناء

 

ولكن يوسف لا يقفُ عند تخوم نقد الإمامة المستبدة وإهالة التراب عليها بمجرد التطويح ببيت حميد الدين؛ فليوسف الثائر نظرة بعيدة الغور، عميقة الجذور، تنظرُ للمستقبل بنور الإيمان؛ فالمؤمن ينظر بنور الله – حسب القول المأثور.

 

 

 

أما آن يا ليل المرارة والأسى

 

لأكبادنا الجرحى تنامُ وتهجعُ

 

أما آن يا ليل المرارة والأسى

 

لأجفاننا من قسوة النار تنزعُ

 

ورغم مرور عقودٍ على قيام الثورة اليمنية سبتمبر، فإنّ ما يشكو ويتفجع منه يوسف هو الذي يحكم حياتنا، وما زال ليله ليل المرارة والأسى. وإنه ليصعب حقًّا دراسة قصيد يوسف بعيدًا عن قراءة يوسف الإنسان والمناضل. فإذا كان الأسلوب هو الرجل، فإنّ قصيد يوسف تعبِّرُ أصدق تعبير عن شخصه ومسلكه ومواقفه. إنّ شعر الشحاري قراءة صادقة وأمينة وصافية لروحه الطموحة، ولشجاعته الواصلة حدّ الفداء والاستبسال، ولنضاله الدؤوب ضد الطغيان والاستبداد والقمع.

 

أبدا لن يعود ليلُ الرزايا

 

والعذاب المرير والأرزاءِ

 

أبدًا يا رفاقُ ما دام فينا

 

نخبة تنتشي بخمر الفداءِ

 

قد سحلنا عصر الطغاة لنحيا

 

في ثرانا بالعزة القعساءِ

 

ونسفنا السجن والسجان كيما

 

تشعر الروح ها هنا بالإباءِ

 

إنّ قصيدة يوسف قصيدة موقفٍ بامتياز؛ فهي زاد المقاتلين المدافعين عن الثورة والجمهورية والكبرياء والإباء الوطني بعد فجر السادس والعشرين من سبتمبر 62 في مواجهة جحافل جيش الإمامة التي احتشدت من حول الثورة؛ لتفتك بالفجر الجديد، ولتسفك دم أولئك الأحرار الذين تصدوا لمقارعة غول الإمامة وقهرها.

 

كان يوسف المقاتل الشجاع والشاعر الثائر ضد الحلول الوسطية وتلمّس الغفران من القوى البالية والرجعية، فقد كان يرى، وهو على حق، أنّ الدفاع عن الحق، والضغط باستمرار على الزناد هو الأسلوب الوحيد الذي يعرفه أعداء الثورة والجمهورية في العربية اليمنية في الستينيات.

 

وكتبنا مصيرنا يوم ثرنا

 

وسنحمي مصيرنا بالدماءِ

 

ومن العار والنذالة أنّا

 

ننحي للوسيط والوسطاءِ

 

ارفعوا الصوت واضحًا وجليًّا

 

نحن لسنا جماعة من هباءِ

 

وكان موقفه جليًّا وواضحًا في إدانة اللجنة الثلاثية، والتنديد باتفاقية جده بين الزعيم العربي جمال عبدالناصر والملك فيصل.

 

لا ولسنا صفرًا ولسنا قطيعًا

 

أو يتيمًا يُحاط بالأوصياءِ

 

نحن شعبٌ مثل الشعوب خلقنا

 

مثل شعب السودان رمز الوفاءِ

 

مثل شعب العراق رمز البطولات

 

ووكر القُوَّاد والشرفاءِ

 

نحن شعب يأبى الوساطات حتى

 

لو أتت من أحبة أوفياءِ

 

ويشحذُ أحرف القصيدة في مواجهة الانحرافات في خط الثورة، وصعود نجم من يُسميهم أشباه الرجال الذين امتطوا صهوة الثورة.

 

أبو ح بآرائي بغير توجّس

 

فلا خوف يؤذي مهجتي أو توقّع

 

ونسخر بالأشباه فينا تحولوا

 

رجالاً بلا حقٍّ يعز ويمنع

 

لهم كل شهر صهوة يمتطونها

 

وفي كل أسبوع من الشهر برقع

 

يغطون بالكبر البليد حقيقة

 

بأنهم من قبضة الإثم ضيعوا

 

لهم لغة كالأنبياء كريمة

 

وأفعالهم عار يشين ويصفع

يوسف الشحاري البرلماني النزيه المشاكس
يوسف الشحاري البرلماني النزيه المشاكس

ويحيي المظاهرة العارمة التي شهدتها صنعاء في 3 أكتوبر 67، وهي المظاهرة التي تفجرت في مواجهة اللجنة الثلاثية المنبثقة عن قمة الخرطوم عقب هزيمة 67 النكراء، والمشكلة من المغرب والعراق برئاسة محمد أحمد محجوب رئيس وزراء السودان.

 

دمدموا كما أردتم وصبوا

 

فوق هاماتنا سيول المناكر

 

لن تروا إلا الشموخ تعالى

 

وتسامى على جبين المنابر

 

دمدموا كما أردتم ولكن

 

سوف يجثو الدجى لوثبة ثائر

 

دمدموا كما أردتم فإنّ الـ

 

ـصبح آتٍ مهما كوتنا الخسائر

 

ويوسف المقاتل العنيد يدركُ عمق العلاقة بين التضحية (الفداء) والانتصار (ميلاد الفجر)؛ فللحب ثمنٌ غالٍ، إنه الشهادة، ففي قصيدة مرثاة أبي الأحرار محمد محمود الزبيري في 31 أبريل 56 بعنوان (ثمن الحب)

 

ثمن أنْ تكون الشهيدا

 

بالدم الحر فجرها المنشودا

 

ويوسف الشاعر كان من أوائل من أدركَ خطورة الأفكار الظلامية، وأثرها في التحرر والتفتح والاستنارة.

 

أتقنت منطق الكلام سلاحًا

 

تتحدى به الشروق المجيدا

 

قدرات الإنسان أصلب مما

 

يصنع الظلم هائجًا وحقودا

 

يولد الفجر حين تكتب روح

 

بالدم الحر فجرها المنشودا

 

وملاحم يوسف الثورية والبكائية لا تقف عند تخوم الوطن المنشود، وإنما تمتد وتلتحمُ بالوطن العربي الكبير؛ ففي قصيدة له بعنوان (باقون) يغني الصمود الفلسطيني، ويبكي نكبة فلسطين 48، ولكنه يقرأ الشموخ والصمود الفلسطيني الذي تحدى وبعناد إنساني يصلُ تخوم الإعجاز بقدرات خارقة، وبروح فدائية قلَّ نظيرها، ويصم الإرهاب الصهيوني مهينًا التواطؤ الدولي والصمت المخزي.

 

باقون ما سلب العداة إرادة

 

شماء ساخرة بكل مصابِ

 

باقون لا سود الخيام تهشمت

 

فيها شهامة صامد وثابِ

 

أقوى من الأقدار في فتكاتها

 

أيار يا شهر الجريمة قل لمن

 

منحوا الجريمة أنظر الأثوابِ

 

ما مات شعبي في الخيام ولم يمت

 

شعب تغوص جذوره بترابِ

 

عشرون عامًا ظن أنّ فداءهم

 

فقد الوجود بمنجل الحطابِ

 

عشرون عامًا ظن أن جذوعهم

 

سلبت حنين الشوق للإخصابِ

 

أيار يا شهر الطغاة توحدوا

 

سرًّا لقتل الأهل والأحبابِ

 

حدِّثْهمو أنّ الجريمة سوف لن

 

تمضي كما شاءوا بغير عقابِ

 

قالوا: السلام، وما السلام بشرعهم

 

يعني سوى التسليم للأذنابِ

 

قالوا: السلام، وما السلام سوى هوى

 

للأرض يصلب ساعة الإرهابِ

 

وعندما تعتقل إسرائيل المناضل العربي الفلسطيني الكبير المطران كابوتشي – مطران كنيسة القيامة بتهمة تخزين السلاح للمقاومة الفلسطينية في الكنيسة، وقامت الدنيا ولم تقعد، وتدخَّل الفاتيكان، فنقل إلى روما بعد أنْ سُجِن بضعة أشهر، وقد هز الشاعر موقف المناضل كابوتشي، في حين كان السادات يغرق إلى ما فوق الآذان في غزل غير بريء مع كيسنجر لزيارة القدس، والتحضير لكامب ديفيد.

 

 

 

قل للأحبة في الخيام

 

آيار يا شهر الآثام

 

كبر الصبي عن الحنان مزيـ

 

ـفًا وعن الفطام

 

واجتاز جبّار الخُطا

 

عهد الطفولة واللثام

 

وعلى صخور فدائه

 

هزمت دعاوى الاتهام

 

وانقض محمود الخطا

 

كالسيل جن بلا زمام

 

ومضى يعارك صولة الـ

 

غازي تناهى في انتقام

 

قل للأحبة في الخيام

 

آيار يا شهر الآثام

 

لولاكمو لتمزقت

 

أحلامنا في الانهزام

 

لولاكمو لاغتالنا

 

بؤس التعاسة والجذام

 

وتملكت خطواتنا الثكلى

 

سيوف الانحطام

 

كابوتشي يا فجر السلام

 

نسجته أكباد الخيام

 

كابوتشي يا ألق الصباح الـ

 

ـحر يا عطر الخزام

 

ما كنت دجال السلوك

 

ولا المُتاجر بالكلام

 

ما أنت موبوء الضمير

 

ولا المروع في الصدام

 

كنت القصيدة صولة

 

شماء للوطن الهمام

 

ما كنت رعديد الفؤاد

 

يجيد أخلاق النعام

 

وقصيدة «كابوتشي» تعتبر أعمق تعبير عن الموقف القومي التقدمي لهذا الشاعر الكبير والإنسان المناضل حامل هم أمته العربية، ومن أبرز رموز نضالها العادل والديمقراطي، والقصيدة شاهد عمق معرفة يوسف بطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي والاستعماري ضد شعوب الأمة وأمانيها في التحرر والسيادة والاستقلال.

 

إنّ يوسف كواحد من شعراء “العصر الثوري”، وأحد ورثة تقاليد القصيدة الوطنية الثورية، وكامتداد وفيّ لأسلافه العظام من الشعراء: محمد سعيد جرادة، ولقمان، والزبيري، والموشكي، والبردوني، والحضراني، والمعلمي، فقد حافظ على تقاليد القصيدة الكلاسيكية وصورها وأخيلتها، ولكنه اقتحم بها، وحمَّلَها هموم الأمة والوطن والناس.

 

وتمتد تجربة يوسف الشعرية إلى أواخر الخمسينيات، وتحديدًا أثناء وعقب تخرجه من كلية ضباط الشرطة؛ فمن قصيدة له بعنوان (الضمير) مؤرخة في 59.

 

أنا لولاك لم أكن إنسانا

 

يا ضميري ولن أعيش مصانا

 

أنت حي في كل فرد مقيم

 

لست ميتا وصامتا وجبانا

 

وتقدم القصيدة وصفًا عميقًا للضمير: حيًّا وميتًا..

 

أنت في بعضهم نشيد سلام

 

ورشاد يمزق البهتانا

 

أو ميتا..

 

أنت في البعض واجم وصموت

 

وذليل وتلبس الأكفانا

 

ويناجي الضمير بشغف ووله..

 

يا هتاف السماء والحق في الـ

 

إنسان يا يقظة تهزّ جِنانا

 

يا غناء الأجيال في مزود الأحـ

 

ـرار يا صيحة تبيد جبانا

 

ليس يسمو الإنسان بالملبس الزا

 

هي إذا هدم الضمير وخانا

 

يعرف المرء بالضمير فإما كا

 

ن خيرا في الحكم أو شيطانا

 

كل شيء يهون إلا ضمير

 

بصق الناس فوقه خسرانا

 

وإذا كان شعر أو قصيد يوسف حكرا على الوطنية والقومية والتغني بها والدفاع بصدق وإخلاص عنهما، فإنّ الهم الوطني والقومي قد استحوذ على كلّ تفكيره، وصار جزءًطا من نبض الفؤاد ويقظة الضمير وتأجج الإحساس والخبز اليومي.

 

وهناك بضع قصائد غزلية، أو بالأحرى جزء منها موجَّهٌ لزوجه الذي يثني على جلَدِها وصبْرها وتحمّلها المشاق معه في رحلة الكفاح الطويلة.

 

في يديها ترعرعت أحلامي

 

وجراحي ذاقت أبرّ التئام

 

أيقظت صحوة الحياة بروحي

 

كالروابي بعد احتلاب الغمام

 

حملتني «مطفرنًا» ليس في جيبي

 

سوى البؤس والأسى المترامي

 

يتهادى على ذراعي شعاع

 

ذهبي الرؤى ثري الوئام

 

كل شيء صحا أحاسيس روحي،

 

كلماتي، صبابتي، تهيامي

 

كل شيء صحا بهيًّا نديًّا

 

مشرقًا في حلاوة الآكام

 

فإذا الأمسيات صحوة روح

 

في ضلوعي فيّاضة الأحلام

 

في يديها ترعرت أحلامي

 

أيها الغارقون في الأوهام

 

واضح أنّ النفس الثوري، والروح العسكرية، ومفردات الحياة القاسية الحماسية، لم تفارق يوسف حتى وهو يخط بيمينه قصائد غزل وحب وعشق.

 

هذا الهوى المجنون في الأضلع

 

كالعاصف الموتور في الأضلع

 

أهداه سهدا قلقا مخصبًطا

 

مرارة تسخر بالأدمع

 

أهداه خطوا شامخا يرتمي

 

في جاحمٍ ثاوٍ إلى زعزع

 

ويخاطب إنسانية المرأة..

 

نتبارى إلى متى نتبارى

 

فاحسم الأمر واهتك الأستارا

 

ليس في حوزتي، وربي عليم،

 

غير روح لا تقبل الأقذارا

 

ويوسف الشحاري من الشعراء القلائل الذين لا يستطيع الناقد أو القارئ الذي يعرفه عن قرب أنْ يصنع فاصلاً، ولو موسيقيًّا، بين يوسف المناضل والإنسان، ويوسف الشاعر. فيوسف الإنسان كان متواضعًا إلى حدِّ نكران الذات. كان واحدًا من ضباط الثورة، وأحد أبرز قياداتها الأمنية، ولكنه من الذين يمشون على الأرض هونًا. كان أصحاب مدينته الحديدة يسمونه المدير أبو فوطة. فهو يخالطهم إلى حد الاندغام، فهو بحقّ واحدٌ من الناس، ولكنه يمتاز عنّا جميعًا بأنه الإنسان الباسل الذي نذر نفسه لقضية آمنَ بها، فلم يتعيش بها، ولم يجعلها حرفة وهو ضابط يحتلُّ المراتب الأولى، ولكنه في كل لحظة ابن الشعب يحملُ هموم البسطاء، وينافحُ عن قضاياهم، ويتعرضُ للمعتقلات والسجون والمكائد؛ لأنه دائم الزلزال للاستبداد والطغيان والظلم.

 

ويبدو أنّ الشاعر قد أدرك عمق معاناته كإنسان إزاء همه الشخصي وقضاياه الذاتية معبرًا عن ذلك بِحيرة وألم ممض.

 

كلما قلت غدًا يندمل

 

في فؤادي جرحي المستبسل

 

خطف الواقع مني ومضة

 

للمنى فوق جبيني تصهل

 

وتهاويت فؤادًا صارخًا

 

لاكه الرعب الخبيث الأرذل

 

وتمشى في ضلوعي عاصف

 

للأسى يشنق روحي يسحل

 

ويُلاحظ أنّ يوسف، وهو يداعب روحه، ويناجي فؤاده وذاته، لم يستطع التخلص من مفردات الثورة ولغتها الثورية النارية.

 

وإني لأشكر من أعماق القلب التحية الرائعة والعظيمة للأب الروحي لجيل الثورة، المربي الجليل الراحل الأستاذ/ أحمد جابر عفيف الذي لم يكتفِ بفتح أبصار جيلنا على النور والعدل، وإنما كان يدأبُ على الاحتفاء بأبنائه ورفاقه بعد رحيلهم .

 

***

ليس كمثله أحد ..
عدنان حجر..
( في الذكرى ال24 لرحيل الفقيد يوسف الشحاري.. 16 سبتمبر2024م )


الحق كلمة
الكلمة علامة
العلامة تاريخ
التاريخ
موت وولادة
وفيهما
من ليس كمثله احد
حملته ملائكته
سارت به
بعيدا عن الخبز
والموت والحساب
زملته بالنور
والدفئ
والاغاني العِذَاب
صلت له وعليه
وزعت روحه
على دروب التائهين
والناقصين والمحتاجين
وعلى كل الاشياء
كانت علامة العلامة
سورة الاستقامة
” يوسف”
ياعميدالمناضلين
يارئة البحر
يانبع القيم
ياشموخ الجبل
يارائحة الفرح
ياربيع الصامدين
نم كثيرا واسترح
ياعميد الكادحين..