كتبت هذه المقالات للفقيد أثناء وبعد اجتياح صنعاء عاصمة اليمنيين التاريخية وننشرها تذكيرا بالفقيد الذي رحل ولم يعرف عنه أحد سوى لشاعر اليمني الكبير طه الجند الذي احس أنه افتقده فذهب لزيارته ليخبره إبن اخيه عمي احمد مات منذ ٣ اشهر فكانت الصدمة المروعة لفقدانه وكتب طه الجند عن ذلك ليعرف بقية الوسط الادبي والسياسي بعدها
(١)
الحوثي والسياسة والاخلاق
سئل الامام البخاري عن ماهية المنكر الذي يرد ذكره كثيرا في القرآن فقال: المنكر اثارة الشر على المسلم والكافر.
اثبتت الاحداث عبر التاريخ ان الاخلاق والسياسة ميدانان مختلفان كثيرا. ففي الاخلاق نتوقع بناء عالم يلهم فيه العقل كل الكائنات الانسانية لكن الواقع التجريبي يدل على ان البشر (العقلاء) من حيث المبدأ، يتصرفون في اغلب الاحيان بأساليب لا عقلانية، ويقعون فريسة لمصالح واهواء متعددة .
في مجتمع عقلاني نتوقع ان يطبق توزيع عادل للمنافع وذلك يتم عبر المنافسة التي تحدد، في كل مجال، المرشحين الافضل تأهيلا. ولكن، وكما نعلم جيدا، ان هذه الالية، الية المنافسة، يتم تزويرها باستمرار. فكل مجموعة حاكمة تسعى جاهدة لتامين انتصارها الخاص لتستأثر مستعينة بالقوة الغاشمة، وهو ما يولد الشعور بالظلم لدى الجماعات الاخرى، وينتج خصومة عميقة. حتى كاد ان يصح القول بان الصراع لا يمكن تجنبه في كل مجتمع .
وفي سعي البشر لتحقيق العدالة والقضاء على اسباب الصراع الاجتماعية، عمل المجتمع المعاصر في العالم المتقدم على جعل القانون والقضاء المستقل مرجعا نهائيا لتحقيق العدالة وفرضها على المجتمع . ان الدولة العادلة في هذه الحالة تتجاوز الطابع الخاص للجماعة وتصبح تعبيرا عن الانسانية نفسها، حيث يكون القانون فيها عاما ويطبق على جميع المواطنين والمقيمين ولا يشكو من اي استثناء .
ان دولة القانون التي تمتلك احتكار العنف، وتضع هذا العنف تحت المراقبة الدقيقة للقانون، هي الامل الوحيد لكبح جماح التناقضات السياسية، والمشروعات الخاصة للأفراد او المجموعات الجزئية في المجتمع .
في تاريخنا الاسلامي نجد امثلة على هذا الافتراق الكبير بين السياسة والاخلاق. فبعد ان تم الصلح بين الحسن بن علي بن ابي طالب وبين معاوية بن ابي سفيان في عام الجماعة، نص كتاب الصلح على تسليم ولاية المسلمين الى معاوية، واشترط الكتاب شروطا عامة للمسلمين وخاصة للحسن واهله وانصاره على معاوية. ولكن معاوية وقد اصبح خليفة منفردا بالسلطة نكث بالعهود. وقال المفيد وابو الفرج انه صلى بالناس الجمعة في النخيلة، وهي معسكر الكوفة، وخطب خطبة طويلة قال فيها : ” اني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، انكم لتفعلون ذلك. ولكني قاتلتكم لأتأمَر عليكم، وقد اعطاني الله ذلك وانتم كارهون . ألا واني كنت منَيت الحسن واعطيته اشياء، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها. ”
واليوم وقد احتل الحوثي صنعاء بحجة اقامة العدل، والتخفيف على المواطنين، والحفاظ على اموال الدولة، التي هي اموال الشعب، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وحشد لذلك من حشد، وخطب واطنب، وحلف واقسم، ووقع على اتفاق السلم والشراكة الوطنية، بعد مقتل وجرح ما يزيد على السبعمائة انسان، فان اول عمل قام به بعد ذلك، هو التنصل من الملحق الامني في الاتفاق الذي ينص فيما ينص، على ارجاع اسلحة الدولة المنهوبة، وتمكين اجهزة الدولة من القيام بدورها كاملا، لتبسط سلطتها على كل اجزاء البلاد.
وبدلا من ذلك قام اتباعه بنهب ما يزيد على 100 دبابة من دبابات الدولة طبقا لإحصائيات وردت في وسائل الاعلام، والكثير الكثير من الآليات والاعتدة، وساقوها الى معسكراته ومعاقله، وحل اتباعه محل الدولة في كل شارع وسوق في العاصمة صنعاء، ونهبوا بعض المعسكرات والمنشآت بما في ذلك القيادة العامة للجيش، وامتدت الايدي الآثمة الى الأجهزة الاعلامية العامة والخاصة، والى منازل خصومه السياسيين (منزل وزير التربية والتعليم) ومؤسساتهم ونهبتها، ، منعوا وزيري الثقافة والشؤون الاجتماعية من الدخول الى وزاراتيهما…الخ. واذا بسليل الحسن او الحسين، لا فرق، يتأسى بمعاوية بن ابي سفيان، ويضع الاتفاق، الذي لم يجف حبره بعد، تحت قدمية تماما كمعاوية. وهي بداية تشي بأن القادم أسوأ.
اني اتوقع انه لن تمر الا ايام او اسابيع قليلة، حتى تشرع السيارات المفخخة بالانفجار عند تجمعات الحوثيين، لتحصد اضافة اليهم، المواطنين الابرياء، فيرد الحوثيون بعنف، ويضيع الامن بين الارهاب والارهاب المضاد اكثر مما هو ضائع، وتلك عاقبة شعور الناس بالظلم .
(٢)
اليمن وعنف الكهنوت الامامي
مشكلتنا مع الكهنوت السلالي الامامي هي انه يخلق حالة تقسيم في المجتمع يضع فيها شريحته فوق بقية المواطنين. فهو يقول “اقاربي فضلهم الله على الناس والطبيعي ان تكون حقوقهم وامتيازاتهم اكثر من سائر الناس”. وقد قدم لنا نمط الحكم الذي اقاممه الحوثي في صعده، مثالا واضحا اشد الوضوح، عن نوع الحكم الذي يريد اقامته في اليمن، اذا امكنته الفرصة واستولى على السلطة.
فصعدة تحت نير الحكم الحوثي الشمولي تفتقر الى اي نوع من الحريات الديمقراطية؛ من الكلام، الى اللبس، الى السماع. اما النشاط السياسي المعارض فدونه الموت الاحمر. والمرأة في صعدة تحولت نتيجة التعاليم الحوثية الى زكيبة سوداء على شكل مخروط اسود لبس فيه اي ثقب..الخ. تخيلوا وضعا يحكم فيه البلاد هذا المختل المتخلف الألكن الأرعن.Top of Form
امر الحوثي اتباعه بوضع الشارة الصفراء فهو يدرك مستواهم العقلي يعاملهم كالاطفال الصغار، فاغلقوا بخيامهم طريقال المطار الرئيسي ومداخل وزارتي الكهرباء الاتصالات. بينما كان يهدد العاصمة وسكانها بالشارة الحمراء التي من المرجح ان تتضمن اقتحام المرافق العامة ومكاتب مؤسسات الدولة.
انصار الحوثي اليوم هم الهاشميون ومجاميع من رجال القبائل الشمالية المرتزقة وسياسيون وناشطن جندتهم طهران لخدمته عبر بؤرتها في بيروت. وقد كان من اكثر المشاهد فجاحة ووقاحة محاولة غلام غر فرض شروطه على الدولة وقيادتها المنتخبة من كهفه في ضحيان، وهو الذي لم ينتخب حتى لعضوية مجلس محلي، ولمجرد سوقه قطعانا من الجهلة الذين لا يميزون ما يضرهم مما ينفعهم منقادين بوجبة وكيس من القات والفي ريال. وليس هناك ادنى شك في ان طهران قد ضخت له مئات الملايين من دولاراتها، بالنظر الى العرض الذي قدمه بدفع خمسمائة مليون دولار لقاء تجميد الزيادات السعرية لمدة شهرين، خاصة وقد تبين تبنيها الكامل لمشروعه الهيمني عبر خطب الجمعة في طهران. هذه الاموال هي التي تجعل القبائل الارتزاقية الطبيعة تندفع نحوه كماكانت تفعل مع محمد بن الحسين عام 1967م. وتلك قصة اخرى.
هجمة 1967 على صنعاء:
طبقا لتوصيف الصحفي المصري مكرم محمد أحمد في كتابه (الثورة جنوب الجزيرة) ان مشكلة القوات المدافعة عن صنعاء كانت تكمن في أن أعدادها وإن مكنها من حماية أبواب المدينة، إلا أنها تُقصر عن إمكانية القيام بدور هجومي لدحر المتسللين في معركة حاسمة، وهذا حسب مراقبين كُثر «أمر بديهي» اشترطته محدودية الإمكانات المادية، يضاف إليه أن تلك القوات التي لا يزيد عدد أفرادها عن «4000» مقاتل لم تكن ذات وحدات منتظمة ومتكاملة، مما أدى إلى اختلال موازين القوى لصالح القوات المعادية بنسبة «7-1». وقد تم أول هجوم ملكي بالتزامن مع مغادرة آخر جندي مصري ميناء الحديدة..وطرد آخر جندي بريطاني من عدن..! وحسب توصيف القائد البعثي علي محمد هاشم «نائب رئيس هيئة الأركان إبان الحصار» فان طريقة انسحاب القوات المصرية ومعها كل أسلحتها ومعداتها أعطت المرتزقة فرصة كبيرة لتركيز وتكثيف أنشطتهم في صفوف القبائل، بل ان القيادة المصرية لم تترك جيشا يمنيا قويا بعدده وأسلحته ونظامه؛ لأنها لم تكن لها نية جادة في بنائه، وأن أبناء هذا الشعب يعرفون هذه الحقيقة جيداً.
خطة الهجوم على صنعاء «الجنادل»..وضعها عدد من كبار القادة العسكريين المرتزقة وعلى رأسهم الجنرال الأمريكي «كوندي» الذي كان مسئولاً في المخابرات الأمريكية في الجزيرة العربية، والجنرال «بوب دينار»، والخبير البريطاني الجنرال «ديفيد سمايلي»، الذي عمل قائداً عاماً للجيش في سلطنة عمان..الذي أَلَّف كتاب «مهمة خاصة في الجزيرة العربية»، و «الميجر بنكلي» و «بيلي ماكلين» و «برنس أوف كنده» الذي أطلق على نفسه «عبد الرحمن كنده»، وغيرهم..وكان يطلق عليهم «المغامرون في حرب اليمن»، فيما تكفلت العربية السعودية بدفع «300» مليون دولار..وذكرت وثائق أن السلطات البريطانية تكفلت بتسليح حوالي«20,000» من خولان وحدها، وبعد شهر من الحصار أذاع راديو لندن أن الملكيين زودوا بأكبر صفقة سلاح قدرت بأربعمائة مليون جنيه إسترليني..
الدفاع الضيق
الإستراتيجية الدفاعية للقوات الجمهورية كانت قائمة على مبدأ «الدفاع الضيق»..اللواء العاشر أحدث ألوية اليمن يدافع باستماتة على الباب الغربي لصنعاء، وعلى الباب الشرقي لعب نفس الدور ألوية العروبة والوحدة، بينما كتائب المظلات والصاعقة تعمل على كل الجهات كقوة ذات فعالية خاصة سريعة وعاجلة، قادة تلك المواقع يملكون زمام المبادرة وحرية التصرف، وعلاقاتهم مع القيادات العليا علاقة تموينية فحسب، أو لتلقي المعلومات والتنسيق مع العمليات، التعاون بين كافة المواقع كان جيداً..ما إن يتعرض أحدهم للضغط والمباغتة تقوم المواقع المجاورة بتوجيه نيرانها صوب العدو وبسرعة.
يوميات الصمود..!
كان الهجوم الأول على جبل «حروة» ذي الأهمية الإستراتيجية، حيث سارعت قوات شعبية بقيادة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر لاحتلاله ومهاجمة القوات الملكية المتمركزة في «نقيل يسلح» بمساعدة مجاميع من قوات الصاعقة، إلا أن هذه الأخيرة انسحبت إلى منطقة «معبر»، وهكذا تحقق للملكيين في 24/11/67م احتلال الجبل وطرد القوات القبلية المتمركزة فيه، ومن ثم قطع طريق صنعاء- تعز، وقد اتهم الشيخ عبد الله في مذكراته القبائل المحيطة بذلك الطريق بأنهم خذلوا الجمهورية، وتنكروا لجميع الاتفاقيات المبرمة سلفاً.
وقد مثل سقوط ذلك الجبل نكسة أولى كونه قابعا على البوابة الرئيسية التي تربط العاصمة بثلاث طرق رئيسية «سنحان، خولان، بني بهلول»، وقد أدى ذلك إلى تراجع القوات الجمهورية مما مكن الملكيين من التقدم دون مقاومة إلى مشارف العاصمة، وتمركزت في «دار الحيد ودار سلم وحزيز وأرتل»، وسهل على مدفعيتها ضرب الكثير من المواقع داخل صنعاء ليلاً ونهاراً..في اليوم التالي أعطيت أوامر إلى القوات المتواجدة في طريق الحديدة بسرعة انسحابها كي لا ينفرد بها الملكيون ويحاصرونها، والأهم من ذلك تعزيز قوى الدفاع عن العاصمة..
ميزات تكتيكية:
كانت صنعاء آنذاك مدينة صغيرة عدد سكانها مائة الف نسمة. وفي «28» نوفمبر- أول أيام الحصار الفعلي- بدأ هجوم ملكي واسع النطاق..فارضاً سيطرته على كل السلاسل الجبلية المُحيطة بالعاصمة، مما أكسب الملكيين كثيرا من الميزات التكتيكية، حيث تمكنوا من نصب مدافع بعيدة المدى على قمم تلك الجبال.. ليبدأوا مع مطلع شهر ديسمبر قصف الإذاعة والقصر الجمهوري، وثكنات العرضي والكهرباء من «بيت بوس»، وجبل «عيبان»، فيما تولت المدفعية المنصوبة على جبل «الطويل» قصف الروضة، ومصنع الغزل والنسيج، والأحياء الشمالية للمدينة، ومدرسة المظلات، ومطار «الرحبة» لتستخدم الطائرات الجمهورية مهبطاً صغيراً جنوب العاصمة هو المطار الجنوبي «ميدان السبعين» حاليا.والذي كان امطار الرسمي في العهد الملكي حتى بنت حكومة الثورة مطار الرحبة الحالي.
حدث حين ذاك عديد مواجهات أعادت الثقة بالنفس لدى جموع المدافعين، في البدء رُدع هجوم قاسم منصر- أحد أبرز قادة الملكيين- وطردت جحافله من «الحافة وظهر حمير وقرية الدجاج وتبة المطلاع»، وكان ضمن المشاركين في المعركة عبدالله دارس احتل «التبة» ورابط فيها وسميت باسمه، كما قام ملكيون باحتلال جبل «النهدين»..لم يمض يوم على ذلك حتى جُمعت مجاميع من «حاشد ونهم» وحرروا الجبل..إلا أن الملكيين عادوا وسيطروا عليه مرة أخرى، فكانت قوات الصاعقة والمظلات لهم بالمرصاد..
رحلة الشتاء:
في ظل تلك المتغيرات العاصفة كان لابد من تماسك الصف الجمهوري أكثر، واتخاذ مواقف أكثر مرونة خاصة بعد هروب بعض «الضباط الكبار» وقيامهم ب «رحلة الشتاء» إلى القاهرة وبيروت وأسمرة…في البدء عُين النقيب عبد الرقيب عبد الوهاب ذو ال «27» ربيعاً رئيساً لهيئة الأركان في العاشر من ديسمبر، تحت ضغط وإلحاح كبيرين من زملائه الضباط «ذوي الرتب الصغيرة»، كما استبدلت حكومة محسن العيني «المُستقيلة» بحكومة الفريق حسن العمري في «21» من نفس الشهر، واستبدل هذا الأخير مكان النعمان في عضوية المجلس الجمهوري، إلى جانب استمراره في مهامه «قائداً أعلى للجيش».
بدأت الحكومة الجديدة الإمساك بزمام الأمور..وطلب المجلس الجمهوري المساعدة المباشرة من الإتحاد السوفيتي وأرسل لذات الغرض وزير الخارجية الدكتور حسن مكي، لبت موسكو الطلب وأرسلت على الفور الأسلحة والطائرات..ومما يجدر ذكره أن السوفيت ساهموا قبل الحصار بمد صنعاء بجسر جوي بمعدل «18» طائرة يومياً ملأى بالأسلحة والذخائر، وكان لها عظيم الأثر في صد الهجوم الملكي منذ لحظاته الأولى.
يضيف مكرم «كان الثوار يحققون كل يوم انتصاراً صغيراً..يركبون الجبال المحيطة جبلا إثر جبل..ويعودون في المساء بمجموعة من الأسلحة..يعرضونها في الميدان كلها تحمل شعار الصداقة الأمريكية..وفي بعض الأحيان كانوا يعودون ببعض الرؤوس المجزورة من العنق ليدقوها على باب اليمن
مع أواخر شهر ديسمبر كانت صنعاء تعيش أقسى لحظات الحصار، تملك اليأس من تبقى من قادة الجيش اجتمعوا في منزل العمري مع البقية الباقية من الوزراء وممثلي المقاومة الشعبية والمشايخ، لبحث عودة اللجنة الثلاثية – المطرودة سلفاً- تحت مبررات أن الملكيين يقتربون من «عَصِرْ» والظروف العسكرية لا تُساعدُ على هزيمتهم، فيما برقيات المسئولين في الحديدة تؤكد نفاد الذخيرة والإمدادات والوقود وأن سلاح الطيران لن يتحرك من الغد..قوبل الاقتراح بالرفض من القيادات الشابة والمقاومة الشعبية..جزموا وهم المسيطرون عسكرياً أنّ اللجنة والملكيين لن يستطيعوا فرض أي شيء.
في اليوم التالي كانت جحافل الملكيين بقيادة محمد بن الحسين والغادر تُحكم سيطرتها على مواقع مهمة في جبل «عَصِرْ» في محاولة لاجتياح العاصمة وحسم المعركة نهائياً..دارت معارك ضارية لأكثر من «48» ساعة، قتلى وجرحى كُثر سقطوا من الجانبين، العمري يهدد أن «شنطته» جاهزة للسفر إذا لم يُصد الهجوم..ولولا التدخل والنجدة السريعة من قوات الصاعقة والمقاومة والجيش الشعبي وسلاح الطيران لكانت صنعاء سقطت فعلاً.
آخر الكلام
واليوم فان صنعاء ذات الثلاثة ملايين نسمة والمدججة بالسلاح عصية على الغلام الالكن الارعن في كهف ضحيان مالم تحدث خيانة كبرى.
(٣)
خطر الحوثية العبودي وآخر العلاج
من اكثر المشاهد فجاحة ووقاحة محاولة غلام غر فرض شروطه على الدولة وقيادتها المنتخبة من كهفه في ضحيان، وهو الذي لم ينتخب حتى لعضوية مجلس محلي، ولمجرد سوقه قطعانا من الجهلة الذين لا يميزون ما يضرهم مما ينفعهم منقادين بوجبة وكيس من القات والفي ريال.
ان اشد العادات سيطرة اعتياد العبودية… ودجال ضحيان يستطيع فقط خداع الجهلة ومعتادي العبودية. الاحرار يؤثرون طاعة العقل على خدمة حزب ما او جماعة ما دون تفكير. انصار الحوثي نصبوا طاغيا عليهم دون احتياج. ومن كان فيه قبس من الانسانية لا ينساق الى العبودية الا مكرها او مخدوعا. ولكن اي شعب متى تم خضوعه يسقط في هاوية النسيان العميق لحريته الى حد فقدان القدرة على الاستيقاظ لاستردادها، وذلك ما جدث لليمنيين لمدة الف سنة منذ خدعهم الدجال الهادي الرسي، ولولا الناصرية والجيش المصري ما استيقظوا.
تستخدم قناة المسيرة الحوثية موسيقى مسلسل صراع العروش في برنامجها ميادين الثورة الذي تبثه مرارا كل يوم، وهو استخدام فاضح لما يقيع في باطن الحوثي وهدفه الحقيقي. بقول الاستاذ سامي نعمان:
“الحوثي لا يكترث لحياة الناس (ناهيك عن موتهم جوعاً أو تجريعاً)، ولا يعير اهتماماً لأرواح اتباعه، لا يهمه كم يقتل، ولا كيف سيكون الوضع.. لديه أجندة متغطرسة منتفخة بغرور القوة، وهو ماضٍ في تنفيذها مهما كلفه ذلك من ثمن، طالما هو في مأمن من دفع كلفتها على المدى القريب أو المتوسط على الاقل….داعش تتشكل حالياً”.
يمكن اختزال عوامل حالة التحضر والحضارة بالسلوك الاجتماعي الراقي والاهتمامات الراقية وهو ما تميزت به طبقة او شريحة “السادة” اليمنية كنتيجة لاحتكارها للسلطة والثروة قبل 1962 ، كما يمكن اختزالها في حالة الهمجية بالسلوك البدائي الحيواني والاهتمامات البدائية الحيوانية، كحال افراد القبائل كنتيجة للجهل او التجهيل المستمر حتى يوم الناس هذا. الملاحظ هو انحدار مريع لدى السادة بالنظر الى بذاءة عبد الملك الحوثي في هذياناته التي يسمونها خطبا.
الدولة في مساعيها السلمية لم تقصر، فقد تجاوبت وتنازلت وارسلت اليه الوفود من رجالاتها ولم يكن ينبغي عليها، لم يبق الا أخر العلاج. وهو يكمن في سلاح الطيران بضرب قوة الحوثي الحربية في صعدة وعمران وعلى مداخل صنعاء, هناك حيث تؤلمه الضربات. اما صنعاء فان حامينها الامنية والعسكرية واهلها كفيلون بحمايتها اذا لزم الامر. الدولة ليست لعبة الغلمان المهووسين العملاء.
آخر الكلام:
لا تنازل ولا تراجع تحت التهديد ولا والف لا لاشراك العصابة المسلحة في الحكومة. ويجب حظرها كجماعة ارهابية ونقل المعركة الى اوكارها في صعده.
(٤)
الإستعمار الداخلي في اليمن (السادة والمشايخ) !
لخص احد المتداخلين على الفيس بوك موقف ابناء المحافظات غير الزيدية مما يجري في صنعاء بقوله : “ثورة زيدية على رئيس شافعي لماذا المحافظات الشافعية لم تخرج مع الحوثي الزيدي هذه ثورة زيود لايريدون الحكم الا لاصحاب مطلع (بنو مزيد) اسقاط عبدربه يعني انفصال”.
النظرة لا تخلو من الوجاهة، فالهيمنة في اليمن بالأساس هيمنة مناطقية، تلبس الأوجه الأيديولوجية عندما تكون مناسبة لها وتغير هذه الأقنعة عندما تناسبها وقد كانت زيدية لقرون، ثم اصبحت اخوانية وهابية في العقود الاخيرة. و الحوثية هي التجسيد الاجد للهيمنة التاريخية في اليمن قد ثقل عليها مكان القادة الجنوبيين والآخرين من المناطق الزراعية.
وتفسح نخب المرتفعات الوسطى الشمالية ، سياسيين ومشائخ وعسكريين وبيروقراطيين ورجال دين، المجال أمام بعض الطامحين من أبناء المناطق الزراعية لكي يكونوا رموزا في السلطة، لكنهم يعتبرونهم في حقيقة الأمر خدما، وبمجرد أن يرفع أحدهم رأسه سرعان ما يقمعونه مباشرة، حدث هذا للنعمان، حدث للبيضاني، وحدث لقادة الحزب الاشتراكي، فهم يعتبرون أبناء بقية المناطق خدما لهم.
وأعتقد أنهم ينظرون للرئيس عبد ربه منصور هادي نفس النظرة، وهم يتعاملون مع الجنوب بأسوأ من الطريقة التي يتعاملون بها مع أبناء المناطق الزراعية في الشمال نفسه!! لان هناك ثروة لا تقارن بها ثروات المناطق الزراعية.
صحيح أنهم قد يختلفون فيما بينهم، لكن سرعان ما يتفقون إذا رأوا حركة ما من تعز أو الحديدة ، فهم ينظرون إلى هذه المناطق على أنها هبة من الله لهم وانها مجالهم الحيوي تماما كما كان الحزب الالماني النازي يعتبر اوروبا مجالا حيويا للعرق الجرماني!!
المزاج اليوم في صنعاء طائفي مناطقي علنا، وقد كان دائما هناك ولكن مستورا، ( بالمناسبة انا زيدي بالمنشأ) غالبية الزيود الساحقة مناصرة للحوثي بما في ذلك موظفو الدولة المدنيون والعسكريون.
اذا ادى ذلك الى استيلاء الحوثي على صنعاء بعد مجازر بطبيعة الحال، فابشروا بحروب انفصالية تعم اليمن. فلن يقبل غير الزيود ان يحكمهم زيود . النجاح الذي سيحققه الحوثي هو تشظي اليمن ودولته الشيعية ستستدر نحوها حروبا دامية.
وسيلقى الهاشميون خارج مناطق سيطرته مصيرا سيئا اقله التهجير . ويبدو لي ان الزيود قد فقدوا عقولهم باتباعهم للحوثي اما الهاشميون فانهم يوقعون صكوك مخافتهم الدائمة. الزيود بدون ثروات المناطق الشافعية رباح في جبال؛ فلا ماء ولا نفط، ولا متعلمين بعد ان حولوا الامتحانات بالغش الى عادة، والشهادات المزورة الى ممارسة عادية.
استغل الائمة التباين الكبير في طبيعة العلاقات الاجتماعية بين المجتمعات القبلية ذات النزوع الحربي من جهة وبين المدن والمجتمعات الزراعية المسالمة من جهة اخرى، فاستخدموا الاولى اداة قمع وهيمنة على الثانية مقابل الفتات الذي تنتزعة منها.
وهكذا ظهرت ادبيات الشكوى من عساكر الامام والجمهورية وما يفرضونه على المواطن من اتاوات نقدية وعينية على شكل ما يسمى بالاجرة، والكفاية اي تقديم الطعام والقات، والرسامة التي تدفع لحارس السجن، والفكاكة اي اجرة فك القيد عن السجين ..الخ. هذا اضافة الى (الاجر) الباهظة التي يفرضها المسؤولون. وقد نجا الجنوب من ذلك كله فترة الاستعمار وفي عهد الاستقلال حتى وقع ضحية له ولما هو اقسى منه بعد الوحدة 1990 حيث تسلط عليه النهب الشامل للمتلكات والمكتسبات عقب اجتياحه من قبل قوات علي عبدالله صالح عام 1994.
كان تخطيط اللاهوت السياسي للاستعانة بالقبائل الشمالية المقاتلة، لفرض سلطانه على المدن والمناطق الزراعية اليمنية، سببا في ظهور ما يمكن تسميته بالاستعمار الداخلي، الذي لعبت فيه القبيلة الشمالية دور المستعمر.
نذر الحرب والبعد الطائفي الاقليمي:
ملمحا الى ايران تساءل الاخ الرئيس هادي ..هل هناك دولة اقليمية تريد احداث الفوضى في صنعاء واحراقها ربما مثلما يحدث في دمشق وبغداد؟؟.. مجيبا على ذلك السؤال بقوله :” نعم.. هناك اطراف لا تريد لصنعاء ان تخرج بسلام”.
وشدد رئيس الجمهورية مشيرا الى القاعدة “على أهمية وضرورة ان يتكاتف جميع أبناء الوطن من اجل اجتثاث هذه الجرثومة الخبيثة وتطهير وطننا من رجس جرائمها الشيطانية”.
وقال :” اليوم نحن في منعطف تاريخي وصعب بعد ان حصدت حروب صعدة ما يزيد على اربعة الاف جندي وضابط وخلفت حوالي ثلاثة عشر الف جريح”..وتابع :” وما يحصل اليوم على هذه الخلفيات هو تاكيد بان هناك تآمر على البلد من اطراف عدة، بغرض اجهاض المبادرة السياسية المرتكزة على المبادرة الخليجية واليتها المزمنة وهذا ما لايمكن ان يحدث”.
وأستدرك الرئيس قائلا:” اما الادعاء بأن هذا التصعيد يأتي على خلفية رفع الدعم عن المشتقات النفطية فان ذلك لمجرد ذرف دموع التماسيح ودغدغة مشاعر البسطاء من الناس”.
المبادرة التي اعلنتها الرئاسة ستجعل الامر يظهر بان المسالة كلها لعبة اذا قبلها الحوثي. فهل يعقل ان كل ذلك الزحار الذي عاناه عبدالملك الحوثي في خطبه الطويلة حد الاملال كان تمثيلية اسقيت للقاء المشترك؟.
الآن بعد رفض الحوثي للمبادره الرئاسية، طبقا لاعلان المكنى محمد عبد السلام، فان كل ما فعله هادي يبدو كما لو انه اضعف صفه وقسمه اكثر مما هو منقسم. يبدو ان الطمع في السيطرة على الوزارات السيادية كان وراء الاعلان الفج، الا اذا كان محاولة أخيرة للسلام ينوي بعدها استخدام القوة.