كتابات

رحيل صادم للفقيه تحت وطأة الميليشيات

الأديب أحمد صالح الفقيه
الأديب أحمد صالح الفقيه
منصة انزياحات
الأديب أحمد صالح الفقيه
الأديب أحمد صالح الفقيه

رحيل الكاتب والأديب أحمد صالح الفقيه ليس مجرد خسارة شخصية أو فردية، بل هو رمز لمعاناة المثقفين اليمنيين في زمن الميلشيات والاستبداد، حيث أصبحت حياة المثقف محفوفة بالمخاطر، والحرية الفكرية والثقافية تتعرض لأقسى أنواع القمع.

صاحبي الفقيه، رغم انزوائه في سنوات الحرب الأخيرة، ظل حاملا لراية الكلمة الصادقة، ولم يساوم على ضميره أو يتراجع عن مواقفه. لقد كان أحد أبرز الأصوات التي تصدت للميليشيات الحوثية، وكشف بأدبه وكتاباته السياسية وفكره الحر الظلام الذي تسعى هذه الجماعات لنشره.

 

لكن معاناة الفقيه ليست استثناء، فهي جزء من سياق أوسع من عذابات المثقفين في اليمن. تحت وطأة الحكم الميليشاوي، وجد المثقفون أنفسهم في موقف يتراوح بين الإقصاء والتهميش، وبين التهديد المباشر لحياتهم وأمنهم. منذ سيطرة الميليشيات على صنعاء، تعرض العديد من المثقفين والأدباء والكتاب لمضايقات مستمرة، بدءا من مصادرة حرياتهم وانتهاء بالسجن والتعذيب. كثيرون منهم اضطروا للهرب، تاركين خلفهم حياتهم وعائلاتهم، هاربين من القمع الذي لم يتوقف عند حدود الأفكار، بل امتد ليطال الأجساد أيضا.

منذ اندلاع الحرب، عاشت صنعاء في ظلال من الخوف والترقب، وأصبح المثقف اليمني مهددا في وطنه، إما أن يصمت أو أن يواجه المصير المظلم. لكن أحمد صالح الفقية رفض الصمت.

لقد شهدنا على مدار السنوات الماضية حالات اختطاف واعتقال العديد من المثقفين والصحفيين الذين تجرأوا على انتقاد الميليشيات. وفي هذا السياق، لم يكن الفقيه مجرد ناقد، بل كان شاهدا على زمن من الاضطهاد الفكري. لقد كتب بشجاعة وأصالة، رغم التهديدات التي كانت تحيط به، واستمر في نشر مقالاته وتحليلاته التي كشفت بعمق عن الواقع المرير الذي تعيشه اليمن تحت سيطرة الكهنوت الحوثي.

ومع الأسف، لم تكن حياة المثقفين الذين بقوا في اليمن حياة طبيعية. فلقد عاشوا تحت وطأة الخوف من الاعتقال أو الاختفاء القسري، وفي بعض الحالات، الموت.

مثل أحمد صالح الفقيه، يعيش العديد منهم في عزلة، بعيدا عن الأضواء، بسبب القمع المستمر من الميليشيات. لقد تم استهداف المثقفين لأنهم يشكلون تهديدا لهذا النظام القائم على الجهل والتحكم، وهو نظام يخشى الأفكار المستنيرة والكلمة الحرة.نظام ميليشاوي ارعن ،ولأن المثقف هو ضمير الأمة، فقد كان الفقيه مثالاً للكاتب الذي لم يساوم على حريته، ولم يرضخ لمطالب الميليشيات في إسكات صوته.

لكن ما يزيد من عذابات هؤلاء المثقفين هو حالة النسيان التي قد يواجهونها حتى في لحظات رحيلهم. مثلما حدث مع الفقيه، حيث رحل في صمت ولم يعلم أحد برحيله إلا بعد شهور. هذه الوحدة القاسية تعكس أيضا الاغتراب النفسي والمعنوي الذي عاشه هؤلاء المثقفون في زمن الحرب. فمن كان بالأمس يعج بحيوية الحياة الثقافية، بات اليوم غريبا في وطنه، محاصرا بجدران الصمت واللامبالاة.

 

رحيل الفقيه يذكرنا بالمثقفين الذين واجهوا مصيرا مشابها بعضهم استشهد بسبب آرائه، والبعض الآخر ما زال يعاني في زنازين الميليشيات والبعض الآخر في المنفى القسري.لقد أصبح المثقف في اليمن رمزا للمقاومة والصمود، ورغم كل ما يتعرض له، فإن هناك من لا يزال متمسكا بقيم الحرية والعدالة، ولا يزال يرفض أن يصمت أو يساوم على مبادئه.

فأحمد صالح الفقيه، وإن كان قد رحل بصمت، إلا أن صوته سيظل حاضرا بيننا. إنه واحد من بين كثيرين عاشوا العذاب والغربة في زمن لا يرحم، لكنه، مثلهم، لم يتراجع ولم ينكسر. هؤلاء المثقفون هم ضمير اليمن الحقيقي، وأمثال الفقيه يمثلون وجها مضيئا للمثقف الذي عاش حياته ملتزما بقيم الحق، ودفع الثمن غاليا من أجلها.

لذلك، أنا لا ارثي الفقيه كفرد، بل ارثي جيلاً من المثقفين الذين عانوا وما زالوا يعانون تحت وطأة الميليشيات والاستبداد. إنهم يحملون عبء الحرية في مجتمع بات يحاربها بشتى الطرق. رحيل أحمد صالح الفقيه هو تذكير لنا جميعا بأن الحرب ليست فقط دمارا ماديا، بل هي أيضا حرب على العقول والأفكار، وهي معركة يخوضها المثقفون بشجاعة حتى النهاية.

 

لروح أحمد صالح الفقيه وكل مثقف عاش هذه العذابات، الرحمة والسلام.

عزائي الخالص لشقيقته الأستاذة فريدة.. بالتأكيد يعرفها شباب وشابات ثورة ٢٠١١.. دعوني اذكركم.. فريدة السمراء الطويلة من كانت خيمتها قرب باب الجامعة الجديدة.. المناضلة الحقيقية التي لطالما اتهمت بإنهاء أمن قومي “فقط” لمجرد رفضها الدائم احتكار ساحة التغيير بصنعاء من قبل التجمع اليمني للإصلاح. وعدم السماح لبقية الثوار بقول كلماتهم من على منصة الساحة. فريدة التي رغم كل ما تعرضت له من تنكيل ظلت تحترم التجمع اليمني للإصلاح كشريك في الثورة.

*انزياحات تعيد نشر مقالات له ينتقد فيها الميلشيات