كتابات

فتحي بن لزرق: صوت وطني يتحدى الصعاب

فتحي بن لزرق
منصة انزياحات

فتحي بن لزرق

“سميي”..فتحي بن لزرق ليس فقط رمزا وطنيا ، بل هو تجسيد للأمل في يمن حر ومستقل، حيث يعيش أبناؤه في سلام ووئام، دون قيود أو استبداد.نعم هو كذلك.ففي زمن تشهد فيه اليمن تحديات جسيمة وتفاقم للأزمات السياسية والاجتماعية، يبرز فتحي بن لزرق كرمز متجذر في مواقفه المبدئية الثابتة، وهو صوت يعبر عن تطلعات الشعب اليمني للوحدة والحرية. كرئيس تحرير لصحيفة “عدن الغد”، بن لزرق يُظهر في كتاباته ومواقفه إصرارا عجيبا على مواجهة جميع التحديات، سواء كانت تأتي من دعوات الانفصال أو الاحتلال الحوثي لعاصمة اليمنيين التاريخية صنعاء. ومن هنا، يصبح موقفه مدعاة للإعجاب والاحترام، ليس فقط بسبب ما يحمله من رؤية وطنية شاملة، بل أيضا لما يقدمه من تضحيات في سبيل الدفاع عن هذا الموقف الذي قد يعرض حياته للخطر.

 

إن موقف فتحي بن لزرق من الوحدة اليمنية لا ينبع من مصلحة ذاتية أو نزعة إقليمية، بل يعكس فهما عميقا لأهمية الحفاظ على وحدة اليمن وشعبه في مواجهة المخاطر المشتركة التي تهدد مستقبل البلاد. فهو يرفض الانجرار وراء دعوات الانفصال التي تُضعف الأمة وتُفرقها إلى كيانات صغيرة متناحرة، معتقدا أن اليمن لن يكون له مكانة وقيمة إلا في ظل الوحدة. بالنسبة له، صنعاء وعدن ليستا مجرد مدن تتصارع عليها القوى السياسية، بل هما أختان في الحلم التحرري الكبير، حلم اليمن الموحد الذي يتمتع فيه جميع أبنائه بالحرية والكرامة.

 

رجل المواقف الوطنية الثابتة

 

يُظهر بن لزرق فهما عميقا لما يعنيه العيش تحت قيد الاحتلال. في تصريحاته العلنية يطرح تساؤلات تعكس حالة الاستغراب والحيرة من واقع سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء. فهو يتساءل بحق عن الشرعية التي تمنح الحوثي حق حكم اليمنيين، خصوصا في ظل العقيدة الحوثية التي تعلن صراحة أنها لا تنتمي لليمن، بل لهوية دينية مفترضة تُعيد إلى الأذهان مشاريع حكم بعيدة عن التاريخ والجغرافيا اليمنية.

 

في خطابه الصريح والجريء، يشدد بن لزرق على أن لا مجال لمنح حق الحكم لشخص لا ينتمي لأرض اليمن أو لتاريخها وقبائلها. “بأي حق يحكمك حوثي؟” يتساءل بن لزرق بمرارة، معتبرا أن الحكم يجب أن يكون لأهل الأرض، لمن يفهمون تركيبتها الاجتماعية ويحترمون كرامة شعبها. هذا الموقف يجسد رفضا قاطعا لأي شكل من أشكال التبعية أو الاستعباد، وهو موقف يعكس الرغبة العميقة للشعب اليمني في الحرية والكرامة.

 

تحدي دعوات الانفصال

 

في حين يتزايد التوتر حول قضية الانفصال بين الشمال والجنوب، يتخذ فتحي بن لزرق موقفا شجاعا ضد التيارات التي تدعو إلى تقسيم اليمن. بن لزرق، ” الجنوبي”، يرى أن مستقبل اليمن يكمن في وحدته لا في تقسيمه. فهو يدرك جيدا أن الانفصال لن يكون سوى خطوة نحو تعميق الفجوة بين أبناء اليمن، وزرع بذور الصراع المستقبلي الذي سيحول البلاد إلى دويلات ضعيفة ومتفرقة.

يسخر فتحي بن لزرق وهو يرى علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يرفع بصفته علم الجنوب العربي..لا مشكلة لديه في هوية اليمن واليمني. لكن دعاة الانفصال يريدون لي عنق الحقيقة والتاريخ.

ما يميز بن لزرق في هذا الصدد هو قدرته على تقديم رؤية تتجاوز الهويات الضيقة والانتماءات الإقليمية. فهو لا ينظر إلى نفسه كممثل للجنوب أو الشمال، بل كممثل لكل يمني يسعى إلى بناء وطن تسوده العدالة والمساواة. في هذا السياق، يمكن القول إنه “عابر للهويات الصغيرة والضيقة”، إذ يتحدث بلغة وطنية شاملة تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية.

 

صوت الحرية والعدالة

 

ما يجعل فتحي بن لزرق مثالاً للصحفي الوطني النبيل هو إصراره على نشر قيم الحرية والعدالة، حتى في أصعب الأوقات وأكثرها تحديا. في كتاباته، يُظهر التزاما صارما بقضايا الناس وحقوقهم الأساسية، ويتحدث دائما بلسان حال المظلومين والمضطهدين. كثيرون يغارون من نجاحات فتحي بن لزرق فقط لأنه يقول كلمته ويمشي ، لايلتفت للصغار.. وهذا سر نجاحه في المهنة والرأي. صحيفته” عدن الغد” واسعة الإنتشار والتغطية دليل ثقة القراء بمضمونها.

يدرك بن لزرق أن لا قيمة للإنسان في زمن العبودية، وأن الحرية هي القيمة الأسمى التي يجب أن نكافح من أجلها مهما كانت التضحيات.

 

يُذكر في إحدى كتاباته الشهيرة أن “لا حياة لمن يعيش مصفدا بالأغلال ومقيدا بالسلاسل”، وهذه العبارة تلخص إلى حد كبير فلسفة بن لزرق في الحياة والسياسة. فهو يرفض كل أشكال الاستبداد والاستعباد، سواء كانت تأتي من قوات الاحتلال الحوثي أو من التيارات الانفصالية التي تحاول تقسيم الوطن.

 

احترامه للتاريخ ودروسه

 

بالإضافة إلى موقفه من الحاضر، يُظهر بن لزرق فهما عميقا لأهمية الثورة اليمنية الأم “سبتمبر واكتوبر “في تشكيل مستقبل اليمن. في أحد مقالاته، دعا الناس إلى التذكير بمبادئ الثورة التي حررت الشعب اليمني من قيود الإمامة والجهل. يرى بن لزرق أن الثورة السبتمبرية ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي قيم ومبادئ يجب أن تظل حية في نفوس اليمنيين، خصوصا في زمن تسعى فيه قوى الاستبداد إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. يقول فتحي بن لزرق ” أجعلوا من شهر سبتمبر شهر الحرية والعزة والكرامة، شهر التذكير أن أمهاتنا ولدتنا أحرارا وسنظل. ذكروا الناس بأن زمن العبودية ولى ولن يعود، وأن باطن الأرض خيراً لنا من ظهرها من أن يحكمنا الكهنوت أو الإمامة.إجعلوا نبض وصوت الحرية هو الأقوى على ما سواه من الأصوات.” ويضيف”لاقيمة للإنسان في زمن العبودية..لاحياة لمن يعيش مصفدا بالأغلال ومقيدا بالسلال.ذكروا الناس بالثورة الأم التي عشنا في ظلها وتساوت الناس حقوقا وواجبات.. الثورة التي شقت الطرق وبنت المدارس وحاربت الجهل، وأضاءت حياتنا حرية وعزة وكرامة

الثورة التي لم ندفع في عهدها مالا لأحد لأفضليته عنّا.

الثورة التي منحتنا الحرية ..الحرية القيمة التي لا قيمة للحياة بدونها.الثورة التي تقلد فيها ابن الفلاح والمواطن الفقير أعلى المراتب وحكم بين الناس ولم يسأله أحد من جدك ومن قبليتك أو عشيرتك؟.سبتمبر المجيد ستظل مجيدا..”

وهكذا يرى فتحي بن لزرق إن هذه الثورة التي جعلت ابن الفلاح والمواطن الفقير يحكم بين الناس دون أن يسأله أحد عن أصله أو قبيلته، هي بالنسبة له التجسيد الحقيقي للحرية والعدالة، حاثا على استلهام هذه القيم لمواجهة التحديات الراهنة، مؤكدا أن العودة إلى زمن العبودية والاستبداد لن يكون خيارت مقبولا للشعب اليمني ، بشماله وجنوبه.

 

رؤية للمستقبل

 

“سميي”..فتحي بن لزرق هو أكثر من مجرد صحفي أو رئيس تحرير. إنه رمز للأمل في يمن موحد، عادل وحر. في زمن تتكالب فيه الأزمات على البلاد، يصبح وجود أصوات مثل فتحي بن لزرق أمرا بالغ الأهمية. فهو يذكرنا بأننا لا نستطيع التخلي عن الوحدة ولا يمكننا السماح لقوى الاستبداد بأن تقسم بلادنا أو تستعبد شعبنا.

 

موقف بن لزرق ضد الانفصال والاحتلال الحوثي هو موقف يتسم بالشجاعة والإصرار. في وقت قد يكون من الأسهل التراجع أو التماهي مع التيارات السائدة، يصر بن لزرق على التمسك بمبادئه الوطنية، مدركا أن لا قيمة لليمن إلا إذا كانت كبيرة، وأن المستقبل يكمن في الوحدة لا في الانقسام.وان لامستقبل أيضا في ظل عودة الإمامة. ذلك ما اتفقنا عليه ونحن نشارك معا في بيروت خلال ورشة عمل الصحافة الحساسة في النزاعات والتي نظمتها مؤسسة فريدرتش ايبرت الألمانية لعدد كبير من الزملاء يناير ٢٠١٧ قدموا من صنعاء وعدن وحضرموت فضلا عن زملاء كانوا سبقونا إلى المنفى القسري.

 

***

كانت الورشة تعبر عن جملة مبادئ، لتعزيز خطوات بناء السلام في خطاب الإعلام اليمني”، بمشاركة 15 صحافياً من قيادات وسائل إعلامية حزبية وأهلية من صحف مطبوعة والكترونية واذاعات وقنوات فضائية يمنية.يمكن القول أن المشاركين حينها تجاوزوا خلافات النخبة السياسية، وانعكاساتها الحادة في الأداء الإعلامي اليمني، المتسم بالانحيازات جراء الحرب، بحيث وصلوا الى تلك المبادئ العامة، بعد التأكيد على أن الصحافيين ليسوا أدوات تابعة، وإنما ناقلي حقائق.. أو هكذا يفترض. عملت مع زميلي فتحي بن لزرق على تجارب خضناها في حقل العمل في النزاعات والحروب.. ومن بين أهم محاور الورشة، التي أشرق عليها المدرّب الدولي خضر دوملي، جلسة تضمنت نماذج عن التحريض على العنف في وسائل الإعلام، وطبيعة المصطلحات والمفاهيم التي يجب تجنبها أثناء النزاع.

في ختام الورشة، دعينا جميعاً إلى تفعيل دور الصحافة في بناء السلام في اليمن، من خلال الإعتماد على مبادئ أساسية أبرزها، دعوة أطراف النزاع السماح للصحافيين بالتحرك في الميدان بأمان، من أجل تغطية أفضل لآثار النزاع، ومناشدة الأطراف بتقديم المعلومات الدقيقة للصحافة. فضلا عن دعوة كل الأطراف للالتزام بالقانون الدولي الإنساني المتعلق بحماية الصحافيبن.ووكذلك، التضامن مع أي صحافي يستهدف من أي طرف من أطراف النزاع، واطلاق أي صحافي معتقل على خلفية عمله المهني.

ومن المبادئ التي أجمع عليها المشاركون أيضاً، التركيز على المهنية في التغطية الإعلامية لقضايا النزاع بموضوعية وتوازن، إضافة إلى التركيز على البنود الدولية الضامنة لحرية العمل الصحافي في مناطق النزاعات؛ وتجنب الاحتكاك بالجماعات المسلحة من أجل الحفاظ على سلامة الصحافيين أثناء التغطية الصحافية.

في السياق، كان الإجماع على أهمية التواصل مع الهيئات الدولية الداعمة لحرية الاعلام لدعم الصحافيين اليمنيين لممارسة عملهم بشكل أفضل، والضغط على أطراف النزاع لعدم استهداف الإعلاميين، ودعوة وسائل الإعلام لتدريب الصحافيين على العمل المهني أثناء النزاعات، والبحث عن مصادر متعددة للحصول على المعلومات أثناء التغطية الصحافية لقضايا النزاع، والتحذير من الوصول إلى الأماكن الخطرة، واتباع قواعد السلامة المهنية الضرورية.

كانت أيام حلوة لاتنسى رفقة ” سميي” فتحي بن لزرق.

المشاركون تجاوزوا خلافات النخبة السياسية.. صورة جماعية للمشاركين في ورشة الصحافة الحساسة في النزاعات بيروت ٢٠١٧ ” فرنس برس”