رئيس التحرير
البردوني هو ضمير الأمة اليمنية وروحها الحرة، وهو شاعر الثورة والحرية بامتياز. إن ما يجري اليوم من محاولات لتزوير إرثه والتلاعب به يعدّ جريمة كبرى بحق تاريخه وشعره. لذلك، يجب أن تتضافر جهود المثقفين والأدباء ومحبي البردوني لاستعادة هذا الإرث والحفاظ عليه من أي تشويه أو تزييف.
البردوني ليس عكفيا يا عبد الرحمن مراد
لقد كان عبد الله البردوني أحد أهم الأصوات الشعرية اليمنية والعربية، وروحه الحرة كانت تنبض برفض الاستبداد والظلم، سواء كان ذلك في زمن الأئمة أو في ظل الأنظمة الجمهورية التي تلته. أن يُحول هذا الإرث الشعري العميق إلى مجرد أداة دعائية لأجندة سياسية من قبل جماعة الحوثيين، كما تشير الانتقادات الحالية، هو جريمة لا تغتفر بحق البردوني وذاكرة الأمة اليمنية. إن هذه المحاولات تهدف إلى تجميل واقع استبدادي بأثر رجعي، وتطويع قصائده لخدمة توجهات جماعة انقلابية رجعية، تناهض قيم الحرية التي ناضل البردوني من أجلها طيلة حياته.
الشاعر والروائي علي المقري، بصفته أحد أهم الخبراء المعاصرين المتعمقين في دراسة شعر البردوني، عبّر بوضوح عن أسفه لما قامت به “جماعة صنعاء وهيئة كتابها”، مشيرا إلى أن الشاعر الراحل لم يكن متصالحا مع أي سلطة، بل كان صوتا ضد الطغيان والظلم. ومن هنا، فإن ما قام به عبد الرحمن مراد، المعين من قبل الحوثيين كرئيس للهيئة العامة للكتاب، من تقديم ديوانين يُنسبان للبردوني يمتدح فيهما السلطات الانقلابية، يعتبر خيانة لمبادئ الشاعر وإهانة لإرثه الفكري.
اختفاء قصائد ومعالم تزييف واضحة
الأمر الأكثر خطورة يكمن في أن توفيق الحرازي، الذي كان رفيقا للبُردوني لسنوات عديدة، أكد اختفاء قصائد بعينها من الدواوين المنشورة، بل وذكر أن هناك قصائد نُسبت إلى البردوني لا تتطابق مع رؤاه الفكرية والشعرية. هذه المزاعم تفتح الباب على مصراعيه للتساؤلات حول مدى صحة ما طُبع ونُشر باسم البردوني، خصوصا في ظل رفض الهيئة العامة للكتاب تشكيل لجنة مختصة مستقلة لمعاينة المخطوطات والتحقق من صحتها.
توفيق الحرازي، بصفته واحدا من الذين رافقوا البردوني حتى أيامه الأخيرة، يشير إلى أن القصائد المنشورة تتعارض مع ما كان البردوني يؤمن به، مما يدفعنا للتساؤل عن مدى تورط الهيئة في التلاعب بإرث الشاعر وتقديمه بطريقة مزيفة تتناسب مع توجهات السلطة الحالية في صنعاء.
دعوة لتشكيل لجنة مستقلة
تعتبر الدعوة إلى تشكيل لجنة مستقلة من النقاد والمختصين بالشعر اليمني مسألة ملحة لضمان استعادة الإرث الحقيقي للبردوني من أي تلاعب سياسي. النقاد والشعراء، مثل علي المقري وأحمد السلامي، أكدوا ضرورة مشاركة توفيق الحرازي في اللجنة، نظرا لقربه من البردوني واطلاعه على مسيرته الشعرية عن كثب.
من جهة أخرى، يشير النقاد إلى أن هناك احتمالا لتزييف نصوص أو حتى اختراع قصائد جديدة ونسبتها إلى البردوني، في محاولة لتقديمه وكأنه كان مؤيدا لنظام ما قبل 1962. هذه المحاولات تأتي ضمن سياسة جماعة الحوثيين لإضفاء طابع تاريخي على نظامهم القائم، وهو ما يُعتبر تعديا صارخاً على الحقيقة التاريخية والفكرية.
الرفض القاطع لهذه الممارسات
في ظل هذا الجدل، نرى أن محبي البردوني يقفون صفا واحدا ضد هذه الممارسات، مطالبين بالشفافية التامة في التعامل مع إرثه، وضرورة تشكيل لجان تحقيق مستقلة تضمن النزاهة في الحفاظ على إرث شاعر اليمن الكبير. إن رفض الهيئة العامة للكتاب، ومن خلفها جماعة الحوثيين، لتشكيل مثل هذه اللجنة يُعد تأكيدا على مخاوف المثقفين من وجود مؤامرة لتزوير أعمال البردوني.
الضرورة الملحة للتصدي للتزوير
إن ما يحدث اليوم هو جريمة مزدوجة بحق البردوني. فالشاعر الكبير لم يكن يوما “عكفيا” – أي خادما للسلطة – بل كان رمزا للنضال ضدها. إن تقديمه اليوم كشاعر يدين بالولاء لسلطة انقلابية هو خيانة لتاريخه ولروحه المقاومة. بل إن توظيف بعض النصوص لإضفاء الشرعية على واقع قبيح مليء بالقمع والاستبداد هو طمس لجوهر البردوني الذي لطالما ناصر الحرية وكرامة الإنسان.
لا يمكننا أن نقبل أن يتحول البردوني إلى مجرد أداة دعائية، خاصة في ظل الوضع الراهن الذي يشهد احتدام الصراع السياسي في اليمن. إن السكوت عن هذه الجرائم سيجعل الأمة اليمنية تفقد جزءا من هويتها الثقافية والفكرية، إذ إن البردوني لم يكن مجرد شاعر عابر، بل كان روحا تعبّر عن تطلعات الأمة وآمالها في الحرية.
نداء لإنقاذ إرث شاعر اليمن من الخيانة
عبد الله البردوني، شاعر اليمن الفذ، لم يكن يوما طائفيا يا عبد الرحمن مراد، ولم ينحاز لأي سلطة أو جماعة على حساب قضيته الوطنية والشعبية. كان رمزا للوحدة، العدالة، والحرية الفكرية، ومن خلال قصائده، دافع عن القيم الإنسانية التي يعتز بها كل يمني. اليوم، يواجه إرث هذا الشاعر الكبير تهديدا خطيرا في ظل ما تقوم به هيئة الكتاب في صنعاء، والتي تُتهم بالعبث بإرث البردوني وتزويره خدمةً لأجندات جماعة انقلابية رجعية.
لطالما رفض البردوني الانصياع لأي سلطة مستبدة، سواء في زمن الأئمة أو في العقود اللاحقة، فكيف يُمكن لأحفاد تلك القوى التي سجنته وكبتت صوته أن يعيدوا صياغة إرثه بما يتماشى مع مصالحهم؟ هذه المحاولات هي خيانة واضحة لإرث البردوني، الذي طالما صرخ بصوت الشعب ضد الظلم والقمع.
طائفية مرفوضة ومؤامرة على الحقيقة
من المؤسف أن تُنسب للبردوني قصائد لم يكتبها، أو يتم تحريف مخطوطاته وإدخال أفكار طائفية أو منحازة لا تتماشى مع فكره التحرري. الشاعر والروائي علي المقري عبّر عن استنكاره الشديد لما وصفه بـ”الجريمة المركبة”، بحق البردوني، محذرا من محاولة تحويل هذا الرمز الوطني إلى مجرد أداة بيد الجماعة الحوثية. المقري، الذي يُعد من أقرب الأصدقاء للشاعر الراحل، يرى مثلنا أن البردوني لم يكن يوما عكفيا أو تابعا لأي قوة، بل كان صوتا مستقلا وشجاعا ضد الظلم.
نفس الشعور عبّر عنه الشاعر والناقد أحمد السلامي، الذي أكد أن الهدف من العبث بإرث البردوني هو دسّ قصائد وأبيات تجاوزها الزمن لخدمة نظام رجعي، مستغلين مواضيع قديمة كتأييد الحسين ضد معاوية للتغطية على واقعهم الحالي. هذه النصوص المدسوسة تُستخدم لتجميل صورة سلطة لم تقبل يوما بفكر البردوني الحر.
نداء عاجل: تشكيل لجنة مستقلة
منصة “انزياحات” تدعو جميع المثقفين اليمنيين والعرب، وأصدقاء البردوني ومحبيه، إلى ضرورة تشكيل لجنة مستقلة لفحص المخطوطات والتأكد من صحة القصائد المنسوبة إليه. يجب أن تتكون هذه اللجنة من مختصين لديهم خبرة واسعة بإرث البردوني الأدبي، بالإضافة إلى أشخاص كانوا قريبين منه في حياته، مثل توفيق الحرازي، الذي كان شاهدا على الكثير من لحظاته الأخيرة.
لن يتم حماية إرث البردوني إلا من خلال شفافية كاملة، وعلينا جميعا أن نطالب بحفظ هذا الإرث كما هو دون تلاعب أو تحريف. البردوني لم يكن يوما أداة بيد أي سلطة، وعلينا أن نحافظ على روحه النقية التي تمثل ضمير الأمة اليمنية.
إن تجاهل الدعوات لتشكيل هذه اللجنة يُعد خيانة مزدوجة، ليس فقط لإرث الشاعر الكبير، بل وللأمة اليمنية بأسرها. نحن في منصة “انزياحات” نطالب بضرورة حماية هذا الإرث وتكريس الجهود لحفظه من محاولات التشويه أو الاستغلال السياسي.
الغضب الجماعي مطلوب
من المؤسف أن يقف الشاعر عبد الرحمن مراد، الذي يترأس هيئة الكتاب في صنعاء، في صف الجماعة الحوثية التي تنتهك قيم العدالة والحرية التي ناضل البردوني من أجلها. أصلا كيف قبل هذا المنصب سوى أنه بوق ، فيما تبريراته ورفضه تشكيل لجنة مستقلة للفحص والتدقيق تضعه في موقف خيانة لروح البردوني الحقيقية.
يجب أن نكون جميعا غاضبين. البردوني ليس مجرد شاعر؛ إنه روح اليمن الحرة، وإهانة إرثه هي إهانة للأمة بأكملها. لن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه المؤامرة، وسنظل ندافع عن نقاء إرث البردوني بكل ما أوتينا من قوة ومقاومة.
تكرر انزياحات دعوتها جميع الجهات المعنية للانضمام إلى هذا النضال، لتصحيح ما أفسدته الأيدي العابثة. اللجنة المستقلة هي الحل الوحيد لضمان بقاء إرث البردوني نقيا، عن التلاعب أو التزييف.
***
مؤسفٌ ما يحدث
علي المقري
مؤسفٌ ما يحدث لإرث شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني من قِبَل جماعة صنعاء وهيئة كتابها، التي كنا نظن أن رئيسها سيُرجّح كفة الشاعر فيه على اتباع هوى الجماعة. وها هو الآن يظهر مستنكراً ما قاله توفيق الحرازي، أحد قراء البردوني لأكثر من عشر سنوات، للصحافي القدير عبد الله الصعفاني.
يعرف كثيرون، وأنا منهم، أن توفيق الحرازي رافق البردوني حتى أيامه الأخيرة من خلال كتابة المقالات والقصائد التي كان الشاعر يمليها عليه، ولهذا فإن تصريحاته يجب أن نأخذها بعين الاعتبار. فقد نقل الصعفاني عن الحرازي قوله إن “البردوني ذكره بالاسم مع آخرين ضمن قصيدة، لكن هذه القصيدة اختفت أو صودرت عمداً من الديوان الذي طبعته الهيئة العامة للكتاب، وأن للبردوني قصائد بخط يد توفيق الحرازي لم يبق لها أثر”.
وهو ما أشرنا إليه في منشورات سابقة، وكتب كثيرون حينها أن هناك قصائد نُشرت في ديوانين نسبتهما الهيئة للبردوني، وهي قصائد من غير الممكن أن يكون الشاعر الراحل قد كتبها، خاصة وأن بعضها يتعارض مع رؤاه الفكرية المعروفة.
وبسبب هذا الجدل، طالب البعض بتشكيل لجنة مختصة لقراءة المخطوطات، على أن يكون أحد أعضائها توفيق الحرازي، لمعاينة أصول ما تم طبعه ونسبه إلى البردوني. إلا أن هيئة الكتاب رفضت ذلك، مما أبقى التساؤلات متجددة حول مدى صحة ما قامت به الهيئة في غفلة من محبي البردوني، ودون أن تقوم بقية أسرة الشاعر الكبير بمطالبة هؤلاء بالكف عن العبث بإرث شاعر اليمن وضميره الحي.
***
طبعة صدرت في ظروف غير طبيعية وفي ظل سلطة قهرية
احمد السلامي
كانت رؤية أعمال الأستاذ البردوني في طبعة جديدة ستكون عملاً مفرحاً بحق، ويشكر القائمون عليه، لو أن البلاد في حالة سياسية طبيعية. لا يهيمن فيها طرف ينهض مشروعه على التنكر لمشروع البردوني نفسه، وللثورة اليمنية، وللجمهورية والدستور والمساواة والمواطنة، وبعيداً عن التنظير والإجبار على الإيمان بولاية مناقضة لكرامة وحرية كل إنسان. وعندما تصدر هذه الأعمال عن مؤسسة تعمل تحت سلطة هذا الطرف، حتى لو تمت طباعة مليون نسخة منها، ستبقى الشكوك حولها واردة، وسيشار إليها حتى بعد 1000 سنة أنها الطبعة التي صدرت في ظروف غير طبيعية وفي ظل سلطة قهرية، ثقافتها وفكرها وسلوكها وتصرفاتها معادية لمضامين شعر البردوني الذي يعد من رموز الثقافة الوطنية. وهي الثقافة التي تتعارض مع منطق السلطة المهيمنة وفي تضاد جوهري مع خطابها الغريب عن ثقافة اليمن الجمهوري.