“فظيعٌ جهل ما يجري
وأفظعُ منة أن تَدري”
لا يجهل وضعنا المزري إلا شخص غريب على اليمن، بعيد عن واقع المواطن اليمني ومعاناته اليومية.. وكيف لغريب مثله أن يتصور وجود حياة بدائية حقيرة في بلد يتغنى شعبه كل عام بثورته المجيدة (٢٦ سبتمبر) ضد الظلم والطغيان السلالي العفن؟!
لكنها ثورة لم تغير الواقع الأليم، غير أنها استبدلت وجوه السلطة العفنة بوجوه عفنة جديدة، بينما لا يزال الوضع كما هو، والمأساة مستمرة كما كانت عليه قبلها: جهل، تخلف، مرض، موت، فقر، خراب، دمار، استبداد، قمع.
وطن لا كرامة، ولا حرية ولا إنسانية للإنسان فيه. وطن ينعم بخيراته الأنذال والسفلة، ويمتهن فيه العزيز الكريم.
إنه لأمر فظيع حقاً أن يجهل الغريب حال الشعب اليمني الذي يعاني الأمرين منذ أكثر من ألف سنة، ولا يعرف عن الشعب اليمني غير البساطة وماينقله التلفاز والإعلام الإليكتروني.
لكن الأفضع من هذا هو جهل المواطن اليمني نفسه بمأساة وطنه وشعبه.
الأفضع هو أن يظن المواطن اليمني وهو يرزح تحت الظلم والقهر والبطش والجهل والتخلف أنه يعيش عيشة الأحرار.
والأكثر فضاعة من ذلك كله هو أن الشعب اليمني بات يعي مأساته، ويدري أنه صار يتيما مهانا في بلده، فاقدا لكرامته ومسلوبا حريته وإرادته، ويعلم يقينا أن حاضره المزري كماضيه المظلم:
فظيعٌ جهلُ ما يجري
وأفظَعُ مِنةُ أن تدري
لماذا نحنُ يا مَربى
ويا منفى بلا سكَنِ
بلا حلمٍ بلا ذِكرى
بلا سلوى بِلا حَزَنِ؟
ومع كل ذلك تجد هذا الشعب المكلوم هامداً لا يحرك ساكناً، لا يثور من أجل استرداد حقه في العيش الكريم، ولا يثأر لكرامته، ولا يتمرد على سجانيه وجلاديه، وكأنه قد استمرأ حياة اليتم المذلة والدونية، وكأن شرايين الحياة في جسده الهزيل قد تقطعت، وأنسجة الإرادة ودوافع التحرر قد تمزقت، فلم يعد يشعر بالمهانة وألم الإذلال السلالي:
يمانيُّون يا (أروى)
ويا (سيفَ بن ذي يزنِ)
ولِكنا برغْمِكُما
بلا يُمْنٍ بلا يَمَنِ
بلا ماضٍ بلا آت ٍ
بلا سرِّ بلا عَلَنِ.
فمتى ياترى تهتز الأرض اليمانية وترجف الرجفة الكبرى لتطيح بهذه السلالة الدخيلة المجرمة، وتحطم عقيدتها العنصرية الوثنية، ولتستكمل ثورتها الخالدة في ذاكرة الزمن؟
متى تنتفض الجماهير توقاً للحرية والحياة الكريمة، لتعيد الوطن اليمني إلى موقعه الرائد على خارطة الحياة؟
أيا (صنعا) متى تأتينَ
مِنْ تابوتِك ِ العَفنِ؟
متى آتي؟ ألا تَدري؟
إلى أينَ انثنَتْ سُفُني؟
لقد عادَتْ من الآتي
إلى تاريخِها الوثني.