كتابات

نبيلة الزبير كمبدعة حداثية

منصة انزياحات

عبدالباري طاهر

نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق

هناك نثريتان وسردية لم يريا النور، ونتمنى أن تتمكن الشاعرة والساردة من النشر، رغم ظروفها القاسية في مصر، حيث لا تعويل على سلطات بلادها الكثيرة، ثم الراتب المقطوع، وضعف إحساس المسؤولين في اليمن بحياة شعبهم، هذا إن لم يكن منعدمًا، فما بالنا بمبدعة مستقلة في فكرها، وموقفها السياسي الرافض والناقد”

نبيلة الزبير رمز من رموز الحداثة في القص، والسرد، والشعر، وهي- بالإضافة إلى ذلك – باحثة، وداعية حقوق وحريات، وناقدة أدبية، وكاتبة صحفية متميزة.

النبيلة من مواليد 1959م، في قرية «الهجرة»، حراز، وهي القرية التي انطلق منها علي بن محمد الصليحي لتوحيد اليمن في زمن قياسي في العام 1047 إلى العام 1084م، وبعده السيدة أروى بنت أحمد الصليحي.

التحقت بالوظيفة باكرا كما تقول مسيرتها، وقد نشأت الباحثة الأديبة المتعددة المواهب في بيئة تهتم بالعلم والتعليم، فدرست لدى والدها الذي اهتم بتعليمها المبادئ الأساسية، وواصلت تعليمها في جامعة صنعاء- آداب علم نفس.

تتحدث نبيلة الزبير عن سيرتها: “بدأت الكتابة أوائل الثمانينيات في مجال الصحافة، ولم تنشر كتاباتي الشعرية إلا أواسط الثمانينيات، ومعظم تلك النصوص المنشورة عبر الصحف لم تدخل ديواني الأول الذي صدر أوائل التسعينيات”.

“كتبتُ السرد في وقت مبكر قبل الشعر، لكنني لم أنشر كتاباتي السردية إلا أواخر التسعينيات.. التحقتُ بالعمل في الوظيفة العامة في سن مبكرة، وواصلتُ الدراسة والعمل معًا حتى أنهيتُ دراستي لعلم النفس، كلية الآداب بجامعة صنعاء 1995م.. خبرتُ العملَ النقابي المحلي بأكثر من صفة، وهجرْته نهائيًّا في العام 1994 في أول مشاركة فعلية عبر الانتخاب، والفوز بعضوية اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين”.

“أصدرتُ في العام 1999 ثلاثةَ مجاميع شعرية، قبل أن أكتب 1998 – 1999م روايتي الأولى «إنه جسدي»، والتي صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر في طبعتها الأولى عام 2000م، وفازت بالجائزة الأولى في مسابقة جائزة نجيب محفوظ للرواية والقصة في مصر والوطن العربي للعام 2002م، ثم أصدرتُ بعدها مجموعتين شعريتين، ومجموعة قصصية”.

تتحدث النبيلة عن تأسيس «لُقَى»، الملتقى الثقافي النسوي عام 1998م، وقد تأسس الملتقى، واستمر لخمس سنوات. “كان يضيء بيتي بآفاق ثقافية نسائية من مختلف بلدان الدنيا، وهو حاليًّا يواصل الألق بصيغ مختلفة بمحاور مفتوحة، وبيوت أكثر”.

 

“شاركتُ في العديد من الفعاليات الثقافية والإبداعية محليًّا وعربيًّا ودوليًّا.. لي كتابات صحفية متعددة، ودراسات تحليلية نصية”.

 

“صدرت لي ثمانية كتب بين شعر، وقصة قصيرة، ورواية، ولي قيد الإعداد للنشر ثلاثة كتب: نثريتان، وسردية”.

هذه السيرة التي نشرت في “الحوار المتمدن” نقلاً عن الموقع الرئيسي للكاتبة.نبيلة الزبير مبدعة متعددة المواهب. كانت في طليعة الفتيات المتحديات للقيم والتقاليد البالية في مجتمع صنعاء الراكد.

تتسم تجربتها الشعرية والسردية بالحداثة، والتمكن من البلاغة الحديثة، وإبداع الصور الأكثر حداثة وغرائبية. لا صلة لها بالمتوارث.

عناوين دواوينها، وسردياتها، وحتى كتاباتها النقدية، تشعرك أنك أمام طاقة إبداعية آتية من روح العصر، وقيم الحداثة.

بتتبع تفاصيل هذه المبدعة المتجددة أبدا، نلاحظ أنها نشأت في بيئة أسرية تهتم بالعلم والتعليم، فهي – منذ النشأة الأولى – تعلمت الفصاحة، وامتلاك أدوات التعبير، وفقه اللغة، وأسرار البلاغة، مبحرةً إلى الانفتاح على قيم العصر، وتيارات المعارف الحديثة.

دراستها لعلم النفس مع الذكاء أكسبها مهارة في الشعرية والسرد.

 

بداياتها الشعرية في الدواوين:

 

“متواليات الكذبة الرائعة’.

“ثمة بحر يعاودني”

“محايا”

“صعودا إلى فردة كبريت”

‘تنوين الغائب”

أما الروايات:

 

“إنه جسدي”.

“رقصت في الصخر’.

“زوج حذاء لعائشة’.

وهناك نثريتان وسردية لم يريا النور، ونتمنى أن تتمكن الشاعرة والساردة من النشر، رغم ظروفها القاسية في مصر، حيث لا تعويل على سلطات بلادها الكثيرة، ثم الراتب المقطوع، وضعف إحساس المسؤولين في اليمن بحياة شعبهم، هذا إن لم يكن منعدمًا، فما بالنا بمبدعة مستقلة في فكرها، وموقفها السياسي الرافض والناقد.

 

شاركت النبيلة في اللقاءات والأنشطة العديدة من خلال المنظمات اليمنية والعربية والدولية، كما شاركت في لقاءات المبعوث الأممي إلى اليمن، ولها رأي مستقل، وكانت النبيلة في طليعة كوكبة من الرافضين للفساد والاستبداد، وكانت في صدارة مسيرات الاحتجاج في ميدان الستين عام 2011 في ثورة الربيع العربي في اليمن.

 

النبيلة ناشطة سياسية أدبية وحقوقية، ونجمة في الإبداع والثقافة النسوية في اليمن. حضورها في المنتديات الأدبية والثقافية كبير وجم، ومقالاتها في الصحافة والمجلات اليمنية أكسبها شهرةً ومكانة.

 

التحية الآتية منها إليها.. أورد هذا المقطع الذي زينت به ديوانها ‘صعودًا إلى فردة كبريت”:

 

“كان يوم غد في الطائرة المحلقة ينث حلوياته

 

فتركض البنات، ويركض الأولاد

 

هذه الشوكولاة؟! مَنْ جمع الحروف، وأعطاها لون الركض؟!

 

الساعة التي أَشعلَ بها يوم الأحد سيجارته، الساعة التي نزع منها فصيها، وزيّن معصمه، الساعة التي لم يعد أحد يتذكر من علّقها في الميدان، ووضع عليها أوتوجرافًا، وموس حلاقة، ونايًا من قلم رصاص جاف”.

 

الشعري والسردي يتوحدان، ويتمازجان في تجربتها الزاكية. يتوحد ويتداخل الماضي بالمستقبل.

 

«كان يوم غد».. البنات والبنون يغمرهم الركض. الساعة. الوقت. القراعة. زينة المعصم، والمعلقة بالميدان، والموضوع عليها أوتوجرافًا مكتوب بخط الكاتب، وموس حلاقة.

 

في تجربتها السردية والشعرية يندغم القول بالفعل: الساعة. الزمن بالأدوات: الزينة، الأوتوجراف، موس الحلاقة، الشبابة، وقلم الرصاص.

 

ترتقي النبيلة بالسرد إلى مراتب الشعرية، أو تجعلها جسدًا واحدًا الأكثر حداثة والأجد، وذلكم إبداع لا تقدر عليه إلا مبدعات كبار أمثال نبيلة الزبير، والفضل عائد إلى فطنة، ومهارة لغوية، ومخيلة خصبة واسعة الأفق، وموهبة، وخبرة.