كتابات

الزبير و”زوج حذاء لعائشة “:التحفة الفنية بذلك الإتقان

منصة انزياحات

رواية هي المفاجأة .. من حيث موضوعها وفنياتها.. ومن حيث توقيتها.. إذ تأتي بعد عدة سنوات من آخر إصدار للكاتبة.. وهي الشاعرة الكبيرة.

شكرا للروائية نادية الكوكباني من أعارتني نسختها من الرواية الأروع لنبيلة الزبير وكذلك رواية حرمة للمقري.. بعد أن عجزت عن إيجاد نسخة رغم بحثي في معرض الكتاب الأخير بالقاهرة.

بعد عدة سنوات من روايتها (إنه جسدي) تلك الإيقونة محكمة التشكيل.. تعود الزبير إلى القارئ والمهتم بزوج حذاء… أنيق وجميل يحمل دلالات عميقة ابتداء بالعنوان مرورا بالمواضيع التي عالجتها الرواية.

حين يكون القارئ بين دفتي الرواية سيشعر بروح الكاتبة تناجيه بنشوة.. حتى أنه سيصاب بعدوى تلك النشوة.. وسط ذلك الهم المتعدد لنساء مختلفات في طبقاتهن وهمومهن وثقافاتهن وأوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية.

لا أعرف كيف استطاعت الكاتبة أن تجمع خيوط كل تلك الشخصيات وأن تنسج تلك التحفة الفنية بذلك الإتقان.. وأن تسيطر علي لقد تخيلتها وقد تجردت من همومها ومن كل ما يشغلها لتناغي القارئ بكلمات وجمل هي نثر روحاني جميل.

لم نعش مع الرواية في صنعاء القديمة.. بل صنعاء الجديدة من أحزمة الفقر إلى أحياء وضواحي تعشعش فيها قضايا عديدة. لقد سلطت نبيلة الزبير الأضواء على جوانب مهمة من حياتنا الاجتماعية واظهرت كم هو الرجل تسحقه الحاجة وتدنيه ليركع ويسالم حين يستقبل طلاب المتعة ليغض النظر بعيدا.. وجعلتنا لا نملك إلا أن ندين أنفسنا ونحن نرى واقع المرأة وهي تسير في طريق بائس الذي أضحى قدرها لنجد قلوبنا وعقولنا معها نجيز ما تفعله كضحية وإن بدأت جلادة لذاتها.

لم تقتصر الرواية في معالجتها لأوضاع المرأة على الجوانب الاجتماعية بل تفرعت إلى الجانب التعليمي للمرأة حياتها في السجون.. التشرد من مدينة إلى أخرى هربا من خطر القتل.. إلى جانب مهم .. وهو قضية الحرية . وهذه القضية تناولتها الكاتبة بشكل مباشر وغير مباشر بطول صفحات الرواية التي تتجاوز الاربعمائة صفحة.. وقد يصطدم القارئ العادي حين يقرأ عن مجموعة فتيات يسكن في شقة بإحدى ضواحي المدينة ويمارسن حياتهن بحرية مطلقة .. فتلك موظفة وأخرى طالبة جامعية وثالثة تمتهن الدعارة ورابعة… وهكذا يجد القارئ نفسه أمام وضع جديد تعيشه المرأة رغم قبضة الرجل الحديدية ومراقبته وتداخله في كل ما لا يعنيه.

وكأن صوت نبيلة يقول العبارة الشهيرة لأحد العلماء وهو على منصة الإعدام (ومع ذلك فإنها تدور).

شعور القارئ وهو يمخر عباب الكلمات يشعر بأن نبيلة قد تخلصت من عقد الرقيب الخارجي وكذلك الداخلي.. وكتبت روايتها متصالحة مع نفسها ومع قناعاتها.. ولذلك جاءت على جميع الممنوعات من عادات وتقاليد وسياسة بكل تجرد.. كما هو الجنس الذي لم يكن مبتذلا .. أو فجا بل ضمن سياق الأحداث وتنامي وعي وظروف الشخصيات.. إضافة إلى بروز الثراء اللغوي لدى الكاتبة فحينها استخدمت المرادفات لمئات الكلمات في مواضع كثيرة مع عدم التكرار للملفوظ من مسميات وأفعال.. وكذلك غزارة ثقافتها.. إذ أن القارئ يحلق في فضاء أسطر الرواية بروعة تنوع معارف الكاتبة التي استطاعت أن تكتب روايتها بصدق فني وموضوعي متميز.

وقد أجادت الكاتبة في حبكة روايتها وذلك الأسلوب في تقديم وتأخير الأحداث .. لتجعلنا نشاركها في بناء لوحتها الجدارية بقطع الفسيفساء ونستمتع بكل جملة وكل فقرة وفصل.. وهنا حولت القارئ إلى شريك ومبدع.

وكم هي الأعمال الناضجة ثمرة يتمنى المرء أن يتذوقها القراء وأن توزع في مختلف مدن الجمهورية.. وأن نرى مشروعا لوزارة الثقافة يعمل على الترويج والتوزيع لمثل هذا العمل الروائي المتفرد.

وكم أتوقع لزوج حذاء أن يشارك في جوائز أدبية وأراهن على فوزه.. فمثل هذه الرواية لا بد وأن تمنحنا القدرة على المنافسة وأن تعلن اليمن موطنا من مواطن الرواية كما كان موطنا للشعر.. حين كان هناك شعراء وليس ناظمون.

لقد أبدعت الأستاذة نبيلة الزبير.. وهنا نعرف سبب تباعد إصداراتها .. فهاهي سنوات طوال تفصل بين روايتيها الأولى والثانية.. وهاهي تخرج لنا بعد طول انتظار بعمل يستحق القراءة .. بل أن من لم يقرأه من النقاد والكتاب والمهتمين أعتبره هو الخاسر فهذه الرواية من أهم الروايات اليمنية .. وهنا أنا لا أبخس بقية الكتاب والكاتبات وأنا بينهم حقهم ولكن كلمة الحق يجب أن تقال.

هي كلمة تقدير.. وتحية لكاتبة مبدعة ولذلك نقول شكرا أيها الشاعرة الرائعة والمبدعة الإنسانة.. وننتظر أعمالك ونقول من الق إلى ألق وأنت دوما في صحة وسعادة.