كتابات

ضرورة استعادة الوعي بما يمثله مشروع الحوثي من خراب لليمن واليمنيين

ضرورة استعادة الوعي بما يمثله مشروع الحوثي من خراب لليمن واليمنيين - د.ياسين سعيد نعمان
ضرورة استعادة الوعي بما يمثله مشروع الحوثي من خراب لليمن واليمنيين - د.ياسين سعيد نعمان
منصة انزياحات

 

سياسي ودبلوماسي يمني

(١)

تسلط الحوثي .. المعنى الحقيقي للضياع

 

 

شهد اليمن في تاريخه الحديث محطات صراع مع الاستبداد بألوانه وأشكاله المختلفة . وكان استبداد نظام العصبية العنصري أكثرها دموية وتخلفاً .

 

وفي كل محطات الصراع تلك ، كان الإنسان اليمني وما يتعرض له من اضطهاد وقمع ، يتفوق بنضاله من أجل إبقاء اليمن حاضناً للمشروع الوطني الحامل لهويته وشخصيته ، والحامي لكرامته .

 

وفي حين آوى اليمن الأعراق الأخرى التي قدمت إليه ، ووهبها الأمن والأمان ، ووفر لها سبل العيش والراحة ، فقد سجن اليمني واضطهد وأعدم وشرد وتغرب . لكن المشروع الحامل لهويته وكرامته ظل يرتحل معه في سجنه وفي غربته ؛ ينمو ويتصلب بالاضطهاد والظلم والجوع والإهمال الذي تعرض له جيلاً بعد جيل .

 

ويوم جاء الحوثي من أنبوب مهمل وهامشي من أنابيب ذلك الاستبداد العنصري، ومن شريان متقيح من شرايين الفساد ، كان يعتقد أنه قادر على كسر هذا اليمني الذي تصلب داخل هويته بكل ما عاناه من ظلم وعذاب وتشرد وغربة . وبدون حياء أو خجل راح يجمع أشتات عصبته من الحارات والمتاجر والمؤسسات والقرى النائية ليجرف كل ما كان قد بذر من فيها من “يمن” ، ويشحنها عوضاً عن ذلك بعنصرية البيعة والولاء لعصبة مجهولة الهوية ، رفضت خيار المواطنة ، وتمسكت بخيار العصبية المستولدة من رحم تاريخ مشبوه كتب بدماء اليمنيين وعرقهم ومعاناتهم . وراح يسلحها بدعم إيراني وجد فيه حليفاً أقل كلفة وأشد طاعة من غيره ، ويطلقها كمراجل تفور حقداً لتحرق الأخضر واليابس ، وتدمر هذا البلد في عمل لا يقدم عليه إلا من كان مسكوناً بركام من الاضطراب النفسي الناشئ عن معاناة من النقص داخل منظومة عائلات العصبية ذاتها ، والتي لا تراه سوى منتجاً هامشياً لا يرقى إلى مستوى أن يقودها أو يعبر عنها .

 

كان شعوره بأنه يتشكل خارج المراكز “الرئيسية” في العصبية باعثاً لجعله يحتشد بالحقد كتعويض عن هذا النقص ، وانعكس ذلك في التمسك ببناء منهج خاص لا يمكن تعريفه إلا بأنه عشوائي مضطرب ، يجسد احتقاناً ضد الثقافة السياسية التي أخذت تنشئ قواعد عامة للمواطنة والقوانين المنظمة لذلك .

 

وأصبح السؤال عن اسباب هذا الموقف المعادي من “المواطنة” سؤالاً مبتذلاً ، ذلك أن الحوثي هو أحد مخرجات الثقافة العنصرية الرافضة للمواطنة والمتمسكة بالتميز .

 

أخذ هذا المنهج المضطرب يعيد بناء الشخصية الملتحقة به بناء استعلائياً شاذاً . ولن يكون اعدام تسعة مواطنين يمنيين أبرياء بتلك الوحشية سوى إحدى تجليات هذا السلوك الذي يدمر اليمن ويقذف به إلى الضياع.

 

إن هذه الظاهرة ، التي أخذت تتجلى في صور مختلفة من هذا السلوك الدموي الشاذ ، تضع اليمن على خارطة مختلفة من الصراع ، فنحن أمام جماعة قررت أن تبقي اليمن في حالة حرب دائم ، ذلك لأن بقاءها مرتبط باستمرار الحرب ، وهي على هذا الطريق لا تتردد في أن تطلق الصواريخ الباليستية على التجمعات المدنية ، وتمارس القتل الجماعي ، ولا يعنيها شيء أن يدمر اليمن وأن يفتك الجوع والمرض والتشرد بأبنائه .

 

استمرار الحرب على هذا النحو يؤدي إلى تفكيك بنى المجتمع تفكيكاً يمكنها من إعادة هيكلة مؤسساته الاجتماعية والسياسية والثقافية على النحو الذي تتآكل معه الروابط الوطنية ، وإخماد كل دينامياته الداخلية ، وسجنه من ثم داخل منظومة القمع والاستبداد طوعاً وكرهاً .

 

والمتتبع لهذا النمط من الجماعات العنصرية التي تستدعي عصبتها العنصرية لتبرهن تفوقها العرقي المزعوم ، يجد أنها ستواصل الحرب بأي ثمن ، وتحت أي عنوان ، وإغراق المجتمع بالصراع تحت ذرائع ورايات مختلفة لأن ذلك هو الضامن الوحيد لتمكنها من استئصال ” الوطن” من الوعي المجتمعي لتزرع محله العصبية ، والطائفية ، والولاءات التي يسهل تعبئتها لاغراق اليمن في سديم الاحباط والتخلف .

 

اليمن اليوم أمام حقيقة من حقائق الحياة وهي ضرورة استعادة الوعي بما يمثله مشروع الحوثي من خراب لليمن واليمنيين ، والتوقف أمام كل الخلافات بمسئولية قبل أن تعيد هذه الخلافات المرحلة ترتيب الاولويات من منظور تختفي معه هذه الحقيقة ويسقط اليمن في الضياع .

 

وفي ظل تسلط الحوثي سيعرف اليمنيون معنى الضياع .

……

(٢)

الرسالة الوحيدة التي سيفهمها الحوثي جيداً

 

لو أن الحوثيين يفهمون الرسائل التي توجه إليهم من قبل اليمنيين والعرب والعالم لما كانوا أغرقوا اليمن في هذه المأساة الطاحنة .

 

كل الرسائل التي وجهت إليهم بدءاً من دعوتهم إلى الحوار الوطني ، باعتبارهم مكون مجتمعي و”سياسي” للاشتراك في صياغة عقد اجتماعي لدولة وطنية ديمقراطية بنظام يقوم على المواطنة التي يتساوى فيه الجميع أمام القانون ، مروراً بدعوتهم إلى وقف الحرب والعودة إلى العملية السياسية السلمية ، وانتهاء بتقديم المبادرات لانهاء الحرب ، كل هذه الرسائل تكرس لديهم جمود الموقف الرافض للسلام ، والتمسك بما يعتبرونه حقاً في حكم اليمن لا ينازعهم فيه أحد ، وإذا كان لا بد من تنازل من نوع ما فليكن محسوباً بميزان لا يغير شيئاً من معادلة يكونون فيها أصحاب القرار . وانسجاماً مع ذلك لا يرى الحوثيون أن السلام العادل يصب في مصلحتهم بعد كل هذه الجرائم التي ارتكبوها بحق اليمن واليمنيين ، ولذلك فإنه لا بد من انهاك اليمن ليصبح السلام المقبول بالنسبة لهم مجرد عنوان للاستسلام ، وهي الحالة التي يعتقدون انهم يستطيعون فيها إعداد الاتفاق من طرف واحد.

 

هذا ما يعمل من أجله الحوثيون وهم يغرقون هذا البلد في هذه الحرب ، ويصنعون مأساتها على هذ النحو الذي تتجلى فيه عدم المبالاة بآلام ومعاناة اليمنيين ، وهو أمر لا يمكن معه قراءة أي رسائل جديدة من قبلهم إلا على النحو الذي تعودوا عليه بفهم محتوى الرسائل على أنها صادرة عن ضعف واسترضاء ، مما يدفعهم عنوة إلى التمسك بخيار الحرب.

 

والحقيقة الأخرى التي تفسر هذه القراءات الخاطئة من قبلهم لكل الرسائل التي تحمل دعوات للسلام هي أن القرار النهائي ليس بأيديهم ، لكنه بيد إيران التي جعلت من المأساة اليمنية حلقة في سلسلة مغامراتها بتقويض أمن المنطقة لتمرير مشاريعها الخاصة ، ولذلك فإن جل ما يمكن ان توصي به في أي مباحثات معها هو ” طمئنوا الجماعة في صنعاء بخطاب يساعدنا على جرهم إلى مائدة التفاهم ” ، حتى لا تبدو وكأنها قد عقدت صلحاً بعيداً عنهم.

 

غير أن خطاب الطمأنة الذي يصدر هنا أو هناك والذي يبدو أنه استجابة لتلمس طرق شتى لإنهاء الحرب لا يمكن أن يؤدي وظيفته إلا في إطار أشمل من تفاهمات يكون مشروع الحوثي قد كسر في أهم مفاصله .

ادعموا صمود مارب فقط وستكون هي الرسالة الأقوى والتي سيفهمها الحوثي جيداً .

 

 

(٣)

 

الطغيان الكهنوتي الأحمق

 

لم يكن للقوى السياسية اليمنية أي موقف معارض أو سلبي من إشراك الحوثيين في العملية السياسية من فترة مبكرة ، بل إن القوى السياسية هي التي ظلت تطلب من الحوثيين أن يكونوا مكوناً سياسياً وجزءاً من عملية سياسية شاملة .

 

الحوثيون هم الذين ظلوا يمانعون ويماطلون بأردية كانت تخفي حقيقة موقفهم الممانع من التحول من جماعة كهنوتية , تشكلت بدوافع ثأرية لما اعتبرته حقها السلالي في الحكم ، الى العمل السياسي . ويوم قبلت المشاركة في الحوار السياسي لم يكن ذلك إيذاناً بإنتقال سياسي حقيقي بقد ما كان محطة تستكمل فيها الإعداد لاطلاق مشروعها اللئيم الذي أغرقت بسببه اليمن في هذه المأساة . وهو ما أثبتته وقائع الحياة بعد ذلك بالملموس.

 

أن تتحول هذه الجماعة إلى العمل السياسي ، مسألة تتناقض موضوعياً مع طبيعتها ومع بنيتها الاجتماعية والفكرية التي ترفض شراكة الآخر في العمل السياسي . لماذا؟ لأن العمل السياسي ينتج في الواقع شرعية الحكم الذي يرتضيه الناس ، وهم لا يرون أن أحداً سواهم جدير بالحكم من منظور متجذر في بنية فكرية كهنوتية تجرم كل من يتنازل عن هذا الفهم . جماعة الحوثي تعتبر نفسها سدنة هذا الفهم(الحق) الذي يرون أن دونه تدمير اليمن بأكمله.

 

ترى ما الذي يجعل الحوثيين اليوم يفكرون بالتحول الى العمل السياسي ، الذي يوفر شروط المواطنة التي تؤسس لدولة يمنية يتساوى فيها اليمنيون بنظام يحقق الحياة الكريمة لكل اليمنيين ، ويتم تسوية الخلافات فية بأدوات سياسية وقانونية؟

 

لا يبدو في الأفق أن مثل هذا التحول قد استكمل شروط تحققه في أرض الواقع ، فالذين رفضوا العمل السياسي بالامس لم تكن دوافعهم سياسية من ذلك النوع الذي يمكن أن يحمل بأدوات سياسية ، كانت دوافعهم تستمد من طغيان كهنوتي أحمق كان ولا يزال القوة التي تحركهم بعيداً عن كل الدعوات للعودة الى العمل السياسي .

 

هذا الطغيان الأحمق هو بيت القصيد في معادلة التسوية الوطنية التي سيستهدفها العمل السياسي الوطني، ولا بدمن كسر هذا الطغيان بموقف وطني شامل يتم من خلاله استعادة الوعي بالوطن والمواطنة ، حينها فقط سيتم تمهيد الطريق الى استعادة المضمون الوطني الحقيقي للعمل السياسي بكل مكوناته بما في ذلك الحوثيين.

* من حائط الكاتب على فيسبوك