خرجت اللجنة الأمنية التابعة للحوثيين قبل أيام ببيان مطوّل عن القبض على شبكة تجسّس أميركية وإسرائيلية في آن، مفندةً أدوار أعضاء الخلية. يخبرنا البيان كيف “استغلّ عناصر شبكة التجسّس الأميركية الإسرائيلية والضباط الأميركيون، صفاتهم الوظيفية في السفارة الأميركية لتنفيذ الأنشطة التجسّسية والتخريبية…”، وكيف أنه “بعد خروج السفارة الأميركية من صنعاء مطلع العام 2015، استمرّ عناصر الشبكة التجسّسية بتنفيذ ذات الأجندة التخريبية تحت غطاء منظّمات دولية وأممية، رافعين شعارات العمل الإنساني للتستّر على حقيقة أنشطتهم التجسّسية والتخريبية”. وعدّد البيان الذي نشرته الجماعة قائمة لا تنتهي من الأعمال التخريبية التي تشمل جميع نواحي حياة اليمنيين، من قطاعات اقتصادية وزراعية وصحية، ناهيك بالشقّين، العسكري والسياسي، حتى يتخيّل من يقرأ البيان أن أميركا وإسرائيل معاً وضعتا برنامجاً تجسّسياً مفصلياً لم يوفر أي قطاع، ولو هامشياً، في اليمن لضربه، وأن كل مآسي هذه البلاد من فعلهما.
أكثر ما يثير السخرية أن أحد “المتورّطين” المزعومين والمتهم بالتجسّس أكثر من 34 عاماً متهم بالإضرار بقطاع الفاكهة. ولا يتوقّف الأمر عند هذه النقطة، تبدو طريقة تجنيده التي رواها، كما آخرون ممن بُثّت لهم “اعترافات” مصوّرة، مليئة بالثغرات.
ورغم أنه لا يُستبعد في أي بلاد وجود شبكات تجسّس في أوقات السلم كما في أوقات الحرب، ولن يكون اليمن استثناء، إلا أن رواية الجماعة بشأن هذه الخلية تبدو كسيناريو مكتوب بشكل رديء. تفتقر أي اتهامات توجّهها لأي طرف إلى المصداقية تماماً مثلما تفتقر إجراءاتُها إلى معايير قانونية وكذلك محاكماتها. ولا يمكن لوم اليمنيين على عدم ثقتهم بهذه الجماعة، بعد كل ممارستها بحقهم.
تعمّدت الجماعة، منذ انقلابها قبل نحو عقد، ترويع المعارضين لها، سواء أتعلق ذلك بالاعتقال، أو الاختطاف، أو الوضع قيد الإقامة الجبرية، أو النفي، وحتى التصفية. وهي تبحث دائماً عن عدو خارجي، غالباً سعودي ـ أميركي ـ إسرائيلي، وآخر داخلي، مرّة يتخذ هيئة الشرعية ومرّة يتجسد بشيخ قبلي أو قاضٍ معارض أو حتى عارضة أزياء. تبدو الجماعة كأنها لا تستطيع العيش من دون أعداء أو مؤامراتٍ تُحاك ضدها ليلَ نهارٍ، خصوصاً عندما تجد نفسَها تحت ضغط سياسي أو عسكري. تحرص دائماً على تقديم نفسها بصورة الضحية التي تواجه مؤامرة كبرى، وبالتالي، استحضار تهمة التجسّس والخلايا مشهد اعتاده اليمنيون بين حين وآخر. ولذلك غالباً ما يسخرون منه. لكن من يدفع ثمن هذه الممارسات أولئك الذين تغيّبهم في السجون سنوات قبل “محاكمتهم”. أمعنت الجماعة في توظيف هذا السلوك للبطش وتصفية الحسابات، متّخذة هذه المرّة من العاملين في منظّمات المجتمع المدني، أو حتى وكالات الأمم المتحدة، هدفاً لها.
لا يمكن فصل هذه الحملة الجديدة التي تقوم بها الجماعة عن تطوّرات عدّة، يرتبط بعضها، بحسب قراءات يمنية، بإصرار الحكومة اليمينة على نقل المنظّمات الإغاثية مكاتبها من صنعاء إلى عدن. ولكن أيضاً لا يجب إغفال رغبة الجماعة في التنصّل مجدّداً من دورها في الأزمات التي يغرق فيها اليمنيون، خصوصاً على صعيد انقطاع الرواتب وتفاقم المعاناة الإنسانية. ترفض الجماعة أن تتحمّل مسؤوليتها بوصفها سلطة أمر واقع تتحكّم في الجزء الأكبر من الشمال، وتصل إليها مداخيل بملايين الدولارات شهرياً، كفيلة بأن تؤمّن من خلالها الرواتب منذ سنوات، لكنها ترفض ذلك. وكلما وجدت نفسها أمام تزايد الاحتقان الشعبي في مناطقها واحتمال انفجاره ابتدعَت حدثاً جديداً، ليس فقط لإلهاء الناس، بل لترهيبهم أيضا، فحتى من كانوا، إلى وقت قريب، يدافعون عن سياساتها ويصوّرونها حركة تحرّرية ثورية يجب دعمها قبل أن ينتقلوا إلى انتقادها بفعل ممارساتها على الأرض لم يسلموا منها. ولا يمكن تصوّر أي تحسّن في الأوضاع في غياب مؤشّرات عودة مفاوضات الحل السياسي، بانتظار تطوّرات المنطقة.
* نقلا عن العربى الجديد