كتابات

السلامي من الشعر إلى الرواية: توسع في أفق رؤيته للعالم

غلاف رواية أجواء مباحة مغامرة جديدة للسلامي كروائي تصدر قريبا
منصة انزياحات

أحمد السلامي، الشاعر والناشط الثقافي اليمني المعروف، يطل على جمهوره هذه المرة من نافذة الرواية بعد خمس مجموعات شعرية حظيت باهتمام واسع.

 

الرواية التي أعلن عن قرب صدورها تحت عنوان “أجواء مُباحة” تطرح تساؤلات عميقة حول مفاجآته القادمة. لكن ماذا يعني أن يخوض السلامي مجال الرواية؟

معلوم أن السلامي يفضل المغامرة والتجريب في أعماله، سواء في الشعر أو النقد. في أحد أحاديثه، عبّر عن أن الكتابة هي وسيلة لرؤية العالم من منظور مختلف، وهي محاولة لفهم الكون من خلال تجربة إبداعية خالصة. ولذلك، يمكن القول إن دخول السلامي إلى عالم الرواية ليس مجرد انتقال من نوع أدبي إلى آخر، بل هو توسع في أفق رؤيته للعالم.

الرواية قد تكون فرصة للسلامي لتجاوز الحدود التقليدية للشعر، حيث أن الشعر برأيه ليس محدودا بالكلمات أو الأسلوب، بل هو حالة فلسفية ووجودية، ورؤية جديدة تعكس تفاصيل الحياة واليوميات. هذا ما يجعلنا نتوقع أن الرواية لن تكون مجرد قصة خطية، بل قد تحمل جوانب سردية تعتمد على البناء الشعري الذي يتقنه السلامي. قد نرى في “أجواء مُباحة” مزجًا بين السرد والشعر، حيث يحتفظ السرد بجمالية الشعر من حيث التلاعب باللغة والتفاصيل، لكنها تفاصيل محملة بحركة درامية تغوص في أعماق الشخصيات والمكان.

التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها اليمن في العقد الأخير، ولا سيما تأثير الطائرات المسيَّرة والغارات الجوية على المدنيين كما جاء في الملخص المنشور، -نشره مع الإعلان عن الرواية في موقعه الشخصي -ستكون بلا شك نقطة محورية في الرواية. السلامي، الذي ينحدر من خلفية ثقافية غنية بالتجارب النقدية والشعرية، يعرف كيف يخلق توازنًا بين طرح القضايا الكبرى مثل العنف والفقد والخيانات والصراعات، وبين بناء عوالم داخلية لشخصياته تبحث عن الذات في عالم يمزقه العنف.

أحمد السلامي.. تحولات الشاعر إلى الرواية

السؤال الأعمق هنا: هل يمكن للسلامي أن يعيد ابتكار نفسه كروائي بنفس القوة التي كان يبتكر بها كشاعر؟ إذا كانت قصيدة النثر في رأيه تحوي سردا شعريا عميقا، فإن الرواية قد تكون بمثابة “قصيدة كبرى” حيث تتلاقى التفاصيل الشعرية مع النسيج السردي في عالم أوسع. السلامي لا يخاف من التجريب، وهذا ما يجعله قادرا على الانتقال بسلاسة من قصيدة التفعيلة والنثر إلى الرواية، دون أن يفقد بصمته الخاصة.

إن الرواية قد تكون فرصة للسلامي لطرح أسئلة عن الهوية والبحث عن الذات في سياق يتداخل فيه التاريخ الشخصي بالتاريخ الجمعي. الصراع بين صنعاء كمدينة تحمل تراثا ثريا لكن مشبعا بالتناقضات، وبين قرية “صدر الجبل” التي تمثل الجذور والعلاقات القبلية، يمكن أن يعكسه السلامي بطريقة تجمع بين السرد الواقعي والرمزية الشعرية. تلك الرمزية التي تعود إلى قدرته على التعامل مع المكان كحاوية للزمن والتاريخ، وهو ما أبرزه في أشعاره السابقة.

من خلال استكشاف العلاقات السياسية والقبلية واليوميات في صنعاء وغيرها من الأماكن، قد نرى كيف يعالج السلامي موضوعات معقدة مثل العنف والفقد، ليس فقط كأحداث سياسية، بل كحالات إنسانية تُصاغ بأسلوب شعري محكم. هذا النهج السردي الشعري قد يمنح القارئ فرصة لاستيعاب الرواية بشكل أعمق، حيث لا يقتصر الأمر على سرد قصة تقليدية، بل هو استكشاف فلسفي للعالم من منظور إنساني.

عموما، إذا كانت الرواية الأولى لأي كاتب هي فرصة للتجديد والابتكار، فإن أحمد السلامي على وجه الخصوص قد يقدم تجربة تتجاوز حدود الرواية التقليدية ، تتجاوزها جدا جدا.