أكثر الأفتراءات المستفزة و يجب أن يتم الرد عليها في حينها و الجام من يحاول سوقها مهما كانت درجته و مركزه.. هي محاولة تزييف الحقائق التاريخية لإرهصات الأولى للثورة و طي تلك الإرهصات في جُب النسيان.. من تلك الأحاديث هي القول أنَّ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر كانت مجرد إنقلاب قام به مجموعة من الضباط الأحرار على الهالك أحمد يحيى حميد الدين محاولة إغفال بتعمُّد أو عن جهل مركَّب أنَّ الثورة السبتمبرية لم تقم إلاَّ بعد نضالات متراكمة و متدرجة كما يقول الأستاذ د. عبدالعزيز المقالح و هو عنوان لكتابٍ له ” من الأنين إلى الثورة” و بينهما الإنتفاضات المتواترة منذُ 1919م_ و حتى قيام الثورة 1962م.. بما معنى أنَّ الثورة لم تكن محض الصدفة بين عشيةٍ و ضحاها، بل أنَّه ثورة 17 فبراير 1948 كانت أولى الثورات في المحيط و الخليج ضد الإستبداد الإمامي الكهنوتي والتي فيها كانت طلقة القَيَلْ اليماني الشهاب علي بن ناصر القردعي ذروة الغضب الشعبي لليمنيين و تحطيم الخرافات التي جعلت من الإمام يحيى أسطورةً لا تنال منها الرصاص الحي و معها أنَّ يد الشعب و من يمثلها هي العليا و الأقوى في نهاية المطاف.
صحيح أنَّهُ تم و ئد الثورة[ثورة الدستور] ولكنها كانت فكرة التغيير بالقوة التي تُحقُِ الحق و تحميه و تلوي يد الظلمة و المجرمين التي تطال من حرية و كرامة و هوية شعب و تصادر اللقمة من افواههم.. ولم تكن إلاَّ الشرارة التي أنطلقت من طلقة القردعي ورفاقه لتمزق وجه الإمامة وماضيها و تتصل بها الإنتفاضات تمخضت عنها الثورة السبتمبرية الأُم.. و تباركت بها اليمن أرضاً وإنساناً، و أنبعثت عن هوية شعب من تحت الرماد.. ٱنتصاراً لذاته المتخمة بالحرية و الكرامة، و قيم المساواة و العدالة و الشورى.. ولئن الثورة تغيير لمجرى التاريخ و تخلق عهداً جديداً سيما سبتمبر المجيد، فقد أخرجت اليمنيين من ظلام السلالة القائمة على : [تكريس العبودية، و الإمامة، التمزق الوطني، و اضفاء الهويات الفرعية القاتلة] و التي فيه تسلخ مجتمعاً من مكنوناته الثقافية من فنون و غناء و تراث مادي ولا مادي، قطع الثوار على أنفسهم عهداً في الانتصار لذاتهم و التعريض و التعريف بهويتهم و التفاخر بإرثهم الحضاري.. ولم تكن الثورة إلاَّ إنبـعاث من رحم البؤس والظلام، فتزامنت مع أنجب و ألمع نخبة اليمن على الإطلاق و في كل المجالات السياسية، العسكرية، الاجتماعية، الثقافية، والفكرية، والتي تكفلَّت بهزيمة الإمام و الإمامة ككل، و استدعاء كل ما يمت للأرض بصلة يقول مفكر الثورة الشهيد محمد محمود الزبيري :
أرضنا حِميرية الأصل لا زيديةٌ ولا شافعية.
إستعادة الشخصية اليمنية الممسوخة و المتخندقة وراء التقسيمات التي جاءت بها السلالة بين زيود و شوافع وكلا المصطلحات ليست تمذهب ديني و انما تقسيم مناطقي و تعصب مفرط لها، ولا تمت بصلة لليمن لا من قريب أو بعيد، و بث روح الحياة و الأمل و التفاخر برموزهم و دولهم من سبأ و معين و قتبان و حضرموت و أوسان.. وحِمَيرَ.. كانت من أهم ما تبناه الثوار و مفكريهم في سبيل إرساء دعائم الهوية الوطنية الجامعة..
إنطلاقة الثورة السبتمبرية ليس لهزيمة الإمامة فحسب، بل لمحاربة كل تلك الأفكار الظلامية و الدوس عليها، و الحفاظ على كل تلك النضالات و و ئد الإمامة و ركلها إلى الجحيم.. و رفع الظلم والضيم والقهر و الأغلال التي وضعهتا و بها جثمت على أنفاس شعب عشق الحرية و أمهرها ثمناً باهِضاً من الدماء الطاهرة، و قوافل من الشهداء الأبرار.. الطريق إلى الحرية لم يكن مفروشاً بالورود و لكنه لم يكن مستحيلاً أمام إرادة نخبة كانت صوت الشعب و همته في إنسلاخ فجر عهداً جديداً مشرقاً و طريق الخلاص إلى أن إنهاء العبودية و معها التمزق الوطني، و العنصرية و الهويات الفرعية الدخيلة.. اليوم شعبنا كفيلٌ بتخلُّق نخبة على غرار رواد الحركة الوطنية في هزيمة مخلفات الإمامة.. و في حراك الأقيال الشعبي نعلُّق آمالنا.. لهزيمة النسخة الأخيرة للإحتلال السلالي.
سبتمبر ميلاد وطن .