الجعدني..قضية إنسانية بامتياز، لا تقبل المساومة أو التجاهل
نزيه مبارك الجعدني
ما حدث للمقدّم علي عشّال الجعدني لا يمكن إلا أن يولد فينا مشاعر الغضب العارم والحزن العميق. في زمن يشهد فيه العالم نضالا من أجل العدالة وحقوق الإنسان، نجد أنفسنا نواجه واقعة من أبشع الجرائم، وهي الإخفاء القسري. إنها ليست مجرد حادثة فردية أو حالة اختطاف عابرة، بل هي مأساة إنسانية تعكس استهانةًط بحياة الإنسان وكرامته.
الفقد الكبير ومعاناة الأسرة
إن اختفاء المقدم علي عشّال لا يمثل فقدان فرد واحد فقط، بل هو فقدان لأب، لابن، لأخ، ولصديق. هو شخصية لها دورها في المجتمع، وله تأثيره على أسرته وأقاربه ومجتمعه المحلي. تخيل أن تعيش يوماً بيوم دون أن تعرف ما إذا كان الشخص الذي تحبه ما زال على قيد الحياة، أين هو؟ هل يتعرض للتعذيب؟ هل يُعامل بكرامة؟ أم أن حياته انتهت في مكان ما مظلم، دون أن يعرف أحد شيئًا عن مصيره؟
الفقد الذي تعرضت له عائلة المقدم عشّال علي عشال الجعدني هو فقد فادح. كل يوم يمر عليهم هو يوم جديد من المعاناة، انتظار لا ينتهي، أسئلة لا تجد إجابات. تخيل العيش في حالة من الشك الدائم، بين الأمل والخوف، بين الرجاء واليأس. العائلة تعيش في مأساة متواصلة، وكل لحظة تمر عليهم دون معرفة مصيره تزيد من عذابهم.
الإخفاء القسري
الإخفاء القسري جريمة ضد الإنسانية. إنه ليس فقط اعتداء على الضحية المباشرة، بل هو اعتداء على الأسرة والمجتمع بأسره. هذه الجريمة تقطع الصلة بين الإنسان والعالم، تجعل الضحية في حالة من العزلة الكاملة، حيث لا يعرف أحد مصيره. ويزيد من فداحة الأمر أن الإخفاء القسري يُرتكب بيد السلطات أو الجهات التي يُفترض بها حماية حقوق الإنسان والحفاظ على سلامته.
لقد أصبح المقدم علي عشّال رمزا للعديد من المختطفين والمخفيين قسريا في اليمن، حيث يُحتجزون في سجون سرية، بلا محاكمات أو توجيه تهم، وفي ظروف لا تُعرف عنها شيئا. هؤلاء الأشخاص يعيشون في ظروف غامضة وقاسية، محرمون من حقوقهم الأساسية مثل الاتصال بأسرهم أو الحصول على محام أو حتى التمتع بحقوقهم الإنسانية الأساسية.
عذابات الإخفاء القسري
إن عذابات الإخفاء القسري ليست فقط جسدية، بل نفسية وعاطفية كذلك. المختطف يُحرم من هويته، من حياته، من حقه في الوجود. يعيش في حالة من الرعب المستمر، لا يعرف ماذا سيحدث له في اللحظة التالية. هل سيتم تعذيبه؟ هل سيتم قتله؟ هل ستُفرج عنه؟ هذه الأسئلة تدور في ذهنه كل لحظة، دون أي إجابة أو أمل.
الإخفاء القسري لا يعذب الضحية فقط، بل يعذب أسرته أيضا. العائلة تعيش في حالة من القلق المستمر، بين الأمل والخوف. كل يوم يتساءلون: هل هو بخير؟ هل سيعود إلينا؟ هل ما زال حيا؟ هذه الأسئلة لا تفارق أذهانهم، وتعذبهم كل لحظة.
المسؤولية الأخلاقية والإنسانية
ما حدث للمقدّم عشّال ليس حادثة معزولة، بل هو جزء من نمط مستمر من الانتهاكات التي تُرتكب بحق اليمنيين. هذه الممارسات لا تقتصر على فئة معينة، بل تطال الجميع، وتستهدف تقويض أُسس العدالة والحرية التي يُفترض أن يحميها المجتمع.
الصمت على هذه الجرائم ليس مجرد تواطؤ، بل هو مشاركة في هذه الجرائم. عندما نصمت، نسمح لهذه الانتهاكات أن تستمر، نسمح للظالمين بأن يفلتوا من العقاب. علينا أن نتحدث، أن نطالب بالعدالة، أن نطالب بالكشف عن مصير المقدم عشّال وكل المخفيين قسريا.
كذلك يجب أن نحمّل الجهات المسؤولة، سواء كانت أجهزة الأمن أو المجلس الانتقالي، المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم. يجب عليهم أن يتحملوا مسؤولياتهم، وأن يكشفوا عن مصير المقدم عشّال وكل المختطفين والمخفيين في سجونهم. إن استمرار هذه الجرائم لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى والتجاوزات الأمنية، وسيزيد من معاناة الشعب اليمني.
دعوة للعمل والتحرك
يجب على المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي والإعلام المستقل الحر أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه ما يحدث في اليمن. الإخفاء القسري جريمة لا يمكن السكوت عنها. يجب أن يتم التحقيق في هذه الجرائم، ويجب محاسبة المسؤولين عنها. كما يجب على السلطات أن تُغلق السجون السرية، وتتيح للمنظمات الحقوقية وأهالي المخفيين معرفة مصير ذويهم.
إن المجتمع الدولي لديه مسؤولية كبيرة تجاه اليمن، ويجب ألا يقف مكتوف الأيدي أمام هذه الانتهاكات. يجب أن يتم ممارسة الضغوط على الجهات المتورطة للكشف عن مصير المخفيين قسريا، ويجب محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
وفي هذا السياق، يجب على الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية العالمية أن تقوم بدورها في كشف الحقائق والمطالبة بإنهاء هذه الانتهاكات. هذه قضية إنسانية بامتياز، لا تقبل المساومة أو التجاهل.
إن الفقد الذي تعرض له المقدم علي عشّال وأسرته هو جزء من مأساة أكبر يعاني منها آلاف اليمنيين. إننا نقف اليوم متضامنين مع عائلة عشّال وكل العائلات التي فقدت أبناءها في ظل هذه الظروف القاسية. إن هذه الجرائم لن تُنسى، وسنظل نطالب بالعدالة حتى يتم الكشف عن مصير كل المخفيين قسريًا.
الغضب الذي نشعر به اليوم ليس مجرد غضب عابر، بل هو غضب يتولد من الإحساس العميق بالظلم والإهانة التي تعرض لها المقدم عشّال وكل المختطفين. سنواصل الضغط، وسنواصل الحديث، ولن نصمت حتى يتم تحقيق العدالة. هذه المعركة ليست فقط معركة عائلة عشّال، بل هي معركة كل اليمنيين الذين يؤمنون بالعدالة والكرامة الإنسانية.