كتابات

درويش والمقالح..الشعر كذاكرة عربية

درويش والمقالح
درويش والمقالح (أرشيف)

الصورة التي تجمع بين محمود درويش، شاعر فلسطين الأكبر، وعبد العزيز المقالح، شاعر اليمن الكبير، هي أكثر من مجرد لحظة زمنية ملتقطة، إنها تمثل رمزية عميقة تترجم هموم الشعراء العظام بقضايا الأمة العربية، الشعر، والمقاومة.

درويش والمقالح
درويش والمقالح (أرشيف)

التقاء الرؤيتين: الشعر كنافذة للتحرر

كلا الشاعرين خرج من رحم المعاناة، محمود درويش من فلسطين المحتلة وعبد العزيز المقالح من اليمن الذي عانى من الفقر والصراعات السياسية والاجتماعية. كلاهما استخدم الشعر كوسيلة للتعبير عن الهوية الوطنية والألم الشخصي والوجع العربي الأوسع. الصورة تحكي عن التقاء رؤيتين للشعر: رؤية درويش التي تمجد الكلمة كرمز للمقاومة والتحرر، ورؤية المقالح التي تعيد صياغة الشعر ليكون مرآة للقضايا الإنسانية والاجتماعية في اليمن.

الشعر والقضية الفلسطينية

كان محمود درويش رمزا للمقاومة الفلسطينية. في قصائده، امتزجت الوطنية بالشعر ليصبح صوته صوت الأرض الفلسطينية نفسها. يقول درويش: “فلسطين ليست مجرد قضية، بل هي هوية ووجود”. هذا الالتزام العميق بقضية شعبه جعل من شعره أغنية لا تموت، ترمز إلى الصمود والمقاومة في وجه الظلم.

الصورة هنا تتحدث بصمت عن الدور الذي لعبه الشعر في تشكيل وعي الشعوب تجاه فلسطين، وعن كيفية توظيف محمود درويش للغة لتمرير رسائل العدل والكرامة.

الشعر والقضايا اليمنية

في الجانب الآخر من الصورة، يقف عبد العزيز المقالح، شاعرٌ كان يعيش هموم اليمن وصراعاته الداخلية والخارجية. مقالِح الشعر اليمني لم يكن متفرجًا على الأحداث، بل كان مشاركًا في تشكيل الوعي الوطني حول أهمية الوحدة والاستقلال. كتب عن الريف، عن البسطاء، وعن الوجع الإنساني العميق. في قصيدته الشهيرة “أغنية للبسطاء” يقول المقالح: “هم أبناء الأرض، والحق لا يُنسى”، معبرًا عن روح المقاومة والتشبث بالأمل رغم الصعاب.

من خلال هذه الصورة، يمكننا أن نرى تقاطع هموم درويش والمقالح، ليس فقط من منظور سياسي، بل أيضًا من خلال اشتراكهما في إيمان عميق بدور الشعر كقوة محركة للتغيير والتحرر.

الشعر كذاكرة عربية

اللقاء بين درويش والمقالح يحمل في طياته بعدًا تاريخيًا وثقافيًا يتجاوز حدود البلدين ليشمل الأمة العربية برمتها. الشعر كان دائمًا الذاكرة الحية للعرب، وكانت قضايا مثل فلسطين واليمن مركزية في تشكيل هذه الذاكرة. إذا كان درويش قد كتب عن الجرح الفلسطيني، فإن المقالح قد كتب عن جراح اليمن، وكلاهما كان شاهدًا على المأساة العربية الأكبر: ضياع الأرض والانقسام.

الصورة تعبر عن تقارب الشاعرَين في قضاياهما وشغفهما بفكرة التحرر، ليس فقط من الاستعمار أو الاحتلال، بل أيضًا من الظلم الاجتماعي والإنساني. إنها صورة توثق مرحلة من التاريخ العربي كانت القضايا الكبرى مثل فلسطين واليمن تُشكّل العمود الفقري للفكر والشعر.

الشعر كصوت المقهورين

كلا الشاعرين أبدعا في استنباط صوت المقهورين والمعذبين. درويش من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، والمقالح من القرى والمناطق النائية في اليمن. وفي الوقت نفسه، كلاهما عاش في منافٍ داخلية وخارجية. مقالِح اليمن لم يكن يعيش في عزلته، بل كان دائمًا يكتب عن ألمه وألم شعبه، تمامًا كما فعل درويش الذي كتب عن الشتات الفلسطيني.

الصورة تعكس نوعا من الاتحاد الروحي بينهما، كما لو أن أوجاع اليمن وأوجاع فلسطين قد التقتا في هذه اللحظة الزمنية، في هذه الصورة التي لا تنقل فقط وجهي الشاعرين، بل أيضًا همومهما المشتركة.

الراحلين وقضايا العروبة

رحيل درويش في عام 2008 ورحيل المقالح في 2022 يتركان فراغا كبيرا في المشهد الثقافي العربي، فراغًا لا يمكن ملؤه بسهولة. كلاهما حمل راية القضايا العربية، وحاول، من خلال كلماتهما، أن يعيدا تشكيل الوعي العربي ليكون أكثر حساسية تجاه هموم الأمة وتطلعاتها.

اليوم، مع استمرار قضايا العروبة في التأزم، يبقى شعر درويش والمقالح ذاكرة حيّة تذكرنا بضرورة الاستمرار في النضال من أجل العدالة والكرامة. قضايا مثل فلسطين واليمن لم تعد فقط همومًا وطنية، بل أصبحت قضايا إنسانية تمس كل عربي وكل إنسان يؤمن بالحرية.

الصورة التي تجمع بين محمود درويش وعبد العزيز المقالح ليست فقط شهادة على علاقتهما الشخصية، بل هي أيضًا تجسيد للعلاقة الأعمق بين الشعر والقضايا العربية. كلا الشاعرين كانا جزءًا من حركة شعرية أدبية تسعى لتحرير الإنسان من قيود الظلم والقهر. في النهاية، تظل كلماتهم وصورهم تعبيرًا عن حلم لم يتحقق بعد، ولكن ما زال ينبض في قصائدهم وفي قلوب محبيهم.