دخل يعلق علي مرة تلو الأخرى ويقول لي اني مطبل.
فحصت صفحته لشهور فلم اجده مرة واحدة قد كتب منشورا واحدا يعبر عن موقف من هذه الحرب التي دشنها الحوثي ووجه جحيمها على روسي اليمنيين.
يشارك منشورات غيره تلك التي تطعن في الشرعية وتتهمها بالعمالة الخارجية والخذلان في مواجهة الحوثي في وقت واحد.
كيف لا ادري؟
لست اجهل فساد الشرعية وسوء ادارتها وارتهانها لقوى الاقليم واستئناسها البقاء في الخارج او انقساماتها وإضعافها لمؤسسات الدولة بالمحاصصة والفساد.
اعرف تفاصيل اكثر مما هو متداول واغض الطرف عن الإشاعات والأكاذيب والقوالب الجاهزة.
لكني ادرك ان جراح اليمن لا تختزل في مساوىء الشرعية.
اصبحنا نشعر بحصار مضاعف.
حصار من الحوثة والمتحوثين الذين تعففنا عن الرد عليهم وعلى تصريحاتهم او لمزهم بالعمالة والخيانة وشتائم مقذعة من كل صنف ونوع تندرج في آلياتهم وحربهم على كل اليمنيين والاغتيال المعنوي لكل من يقول كلمة تدينهم ويكشف جرائمهم وألاعيبهم في سلب الشعب حاضره ومستقبله.
وحصار ممن تعتقد انهم معك وفي صفك ويناصر قضيتك ويقدر تضحيات الناس وصبر العائلات لكن حرابهم لا تنطلق إلا نحو صف الشرعية كدليل نقاء ونزاهة وطهورية.
هؤلاء صنف يخلط بين الأدوار والمواقف والمقالات تستوي عنده البروباغاندا بالنقد ، النضال بالهدم ، يستسهل تخوين الناس والطعن في مواقفهم .
يخلط الشخصي بالمؤسسي وتتضافر مواقفه الغاضبة العدمية والذاتية بهموم الشأن والقضايا الموضوعية ومكافحة الفساد وتعضيد الامن والقضاء وتحسين الخدمات.
يتخذ من السخرية والتجريح والإشاعات سبيلا لإظهار سلامة طويته وثباته في خط النضال.
يحتكر الوطنية ، والحقيقة والمعلومة ، يستغبي الآخرين ويسفههم. لا يعجبه شي . تراه كالنبي المخذول من اهله كارها ومحقرا لهم.
مع هذا الصنف من المناضلين لا ندري كيف يمكن الدفاع عم نؤمن به وكيف نشد من ازر شرعية نراها آخر عرى نظامنا الجمهوري وحلمنا بيمن موحد ومتسامح وديمقراطي. نحسبها بذرة ليمن نحلم به ولبنة كسيرة يمكن البناء عليها لمواجهة تشظي وكهنوت وعبودية وانتهاك لهويتنا وانتماءاتنا .
كلما قلنا كلمة تجمع الناس وتعيد توجيه بوصلة جهودهم ونضالهم او فمهنا الأمور بمقياس آخر غير النزق الاني والغضب والعاطفة أوقعوا على ظهورنا سياط الترهيب بتهمة التطبيل.
لم يعد من الممكن الإشارة إلى عمل في الاتجاه الصحيح تعمله الحكومة او تصحيح خبر كاذب او ايضاح ملابسات قضية . لا مجال لفصل الشخصي عن العام.
فتهمة التطبيل ابشع من تهمة التحوث وتليين الميليشيات الطائفية وتسويقها.
لا مجال معهم لتباين الاراء او اختلاف المواقف والقراءات. الحياة عندهم بيع وشراء وعلى هذا يقيسون المواقف والأفكار.
يريدون معركة تفصّل على مقاس رغباتهم لا على الحقيقة والواقع. يبحثون عن ميدان ليس فيه اي طرف غيرهم . انهم لا يعيشون بيننا ولا يريدون مواجهة الواقع ومعادلات القوة وتراكمات التاريخ وإكراهات الجغرافيا.
يدعون انهم يريدون بناء يمن متخفف من الأحقاد ويمن خال من المفسدين. والحقيقة انهم لا يصلحون إلا للهدم واشاعة الشك. تضرب فؤوسهم في رووس الناس على إيقاع يتناغم -يا للمفارقة – مع فؤوس الحوثيين.
قصف الحوثي منشآت صافر فلم ياخد الأمر حيزا في انشغالاتهم بينما اشتعلت صفحاتهم خلافا واختلافا لزيارة الرئيس العليمي إلى تعز.
الحقيقة انهم اقل الناس حصانة من دعاية الحوثي واقل حساسية لما هو اني وما هو بعيد. يستعجلون الانتصار لذواتهم ويشبعون غرور النقاء والطهورية لديهم.
والأغرب، وأكثرهم من تعز ، لديهم هامش تسامح يضيق كل الضيق كلما تعلق الأمر بتعز وموقعها السياسي ومكانتها ومصالحها.
التواضع المفرط والذي في غير محله رذيلة لا تختلف عن الغرور.
ومثلهما الطهورية الكاذبة وادعاء النضال القائم على عدمية.
في وضع كاليمن ليس لديك من خيار امام انقلاب الحوثي إلا الوقوف في صف الشرعية، وهذا الوقوف تعني رفض الفساد والمحاصصة والانقسام لكنه لا يعني الهدم لان الخيار الاخر مع معلوم شكله ومحتواه. .
وهذه معركة طويلة معقدة لا يكفي ان تتعامل معها بصلف ونزق وتحاول تبرير نزاهتك باتخاذ مسافة غير ذات قيمة من الشرعية ومؤسساتها.
مكافحة الفساد وتحسين الاداء قد يبدأ على صفحات الفيس وتويتر لكنه لا ينتهي هناك انما يتحول إلى حراك اجتماعي ونموذج نزاهة وحسن تعامل وقدرة على التفاوض وقبل هذا تخلق بخلق جامع.
هناك تصور مشوه لدور ومكانة ووظيفة المثقف والصحفي والكاتب.
هناك خلط بين المصالح العليا للبلاد وبين الصراعات السياسية والمماحكات
صحيح ان البنية السياسية في اليمن وبلدان عربية كثيرة لم تترك للمثقف مساحة من الاستقلال الوظيفي والمعيشي تجعله في غنى عن الكراهية أو التزلف.
لكن تحديات اللحظة اليمنية اكبر من اختزالها في عزلة وغضب. تتطلب اشتباك حقيقي مع الواقع ومع الحقيقة ومع الممكن. تتطلب صدق ونزاهة ضمير. والا فالفرق بين المتزلف والغاضب هو فارق توقيت فرصة لا أصالة ذهنية.
من حساب الكاتب على منصة “إكس“