كتابات

المرشدي ..ثقافة وطرافة !!

وزير ثقافة يمني أسبق 

—–

كانت لي معه صحبة جميلة لا تمل ، مليئة بالمودة والاحترام، واحاديث في العام والمهنة.. زمالة ستة أعوام في مجلس النواب ، عذب اللسان ، صاحب رأي ومنطق وطرافة.

 

النغم وعشق العزف على الوتر كانت بوابته ، التي ادلف منها لميدان الثقافة .. كان له في السياسة والتاريخ والنقش والاثر كما كان له في الفن والشعر والادب.

 

للرجل حضور وحظوة وشهرة في المنطقة كلها كما هو في اليمن ..

ترافقنا ذات ربيع في رحلة أثرية إلى ذمار واب، وتعز، والضالع، وعدن، ولم نكن نمر في شارع، او ندخل مدينة، أو نقف على موقع، أو نصلي في مسجد الا وارى الناس يقبلون على (المرشدي) بشكل لافت.. يتهافتون لتحيته والسلام عليه.

 

دخلنا لصلاة الظهر في جامع المدرسة الشمسية بذمار .. هناك تحلق عليه المكفوفون بالذات وابدوا ابتهاجا وسعادة غامرة بوجود المرشدي .. تبادلوا معه الحديث والنكتة بألفة غريبة، وكانه صديق قديم قريب مؤنس .. ضمن الطرائف اللطيفة التي قالها احدهم:

يا استاذ محمد اليوم المسجد عيطنن

عندما يكمل الامام قراءة الفاتحة

وقد الجدران بترن باصوات المصلين وهم يرددوا :

“انا الشعب زلزلة عاتية ..

انا الشعب”

بدل (آااامين) ..

اضحكتنا النكتة كثيرا .. ولعل فيها تاصيل جديد – قديم لجدلية الصراع بين (آمين) و(الزلزلة) .. تأخرت الصلاة قليلا ، لكننا صلينا بخشوع .

 

كان (المرشدي) يمتلك سحرا وجاذبية بين الخاصة والعامة .. سأله أحد زملاء الرحلة في لجنة الاعلام والثقافة بالمجلس ويدعى هيثم طاهر من أبناء ردفان عن سر شعبيته ، فقال مازحا “طاعة الوالدين وقومة فجر يا عزي”..

في ذمار زرنا مكتبة المخطوطات .. واثار السبئيين والحميريين في بينون (الحدا)، والنخلة الحمراء ، وعنس.. واختتمناها بغداء ومقيل جميل مع المحافظ الصديق الرائع محمد حاجب .

 

كنا أيضا في جبلة اب عاصمة الالق والنهضة في زمن اروى بنت احمد ، وحصن حب (بعدان) ، واب المدينة القديمة .. حاضرة حمير (ذي ريدان) ، وموطن الجمال والهواء النقي، ثم لطف

عبد القادر هلال (المحافظ) الذي بالغ في الاهتمام بالاستاذ (المرشدي) لدرجة انه تمكن من اخرجه عن صمته فاطربنا بنوادر من فنه وابداعه ..

سالته عن سر بهجته في ذلك المساء فقال :

مش بيقول المثل الصنعاني وجه يخرج الدهنه ووجه يخرج اللبن؟!

قلت مبتسما: ايوه.. هو مثل يقوله الجميع.

قال: وهذا الوجه خرج الدهنة وخرج اللبن.

كان يتعاطى مع اللهجة الصنعانية ، ويحاول تقليدها ، فيروي بعض النكات الخفيفية باللهجة الصنعانية؛ وتصوروا جمال لهجة المرشدي بالصنعاني..

ونحن في طريق عودتنا إلى تعز من منطقة النشمة بعد زيارة حصن (القدم) بالسواء حيث بقايا اثار قديمة ، كان احد الزملاء “يحاسب” لرجوع سيارتنا إلى الخلف ، فارتطمت مؤخرتها بصخرة لم نتعثر بسببها..

ضحك (المرشدي) ضحكة طويلة .. ثم

روى نكتة عن جاره الصنعاني في عدن ، الذي نزل من شقته لمساعدة صاحبه في اخراج سيارته من الموقف وهو يقول:

يا الله ارجع ..

شويه شويه .. دلا دلا

أيوه .. قليل قدام،

شويه ورى

زد قليل ..

وووب صطدمت..

وما اكثر الصطدمات التي طرحتنا ارضا..!!،

ضحكنا كثيرا بصحبة الرجل ، فهو مثقف به ذوق وجمال، خفيف الظل، صاحب قلب طيب وروح مرحة.

 

رحم الله (المرشدي) كان له رأي في مكان الاثر وحدثه وزمانه وشخوصه.. وكانت له خصوصية في حديثه ومجالسه .. كما كانت له خصوصية فيما كتب وغنى.