كتابات

ديك الجن اليماني

حتى لو استمرت الوحدة أو عاد التشطير

 

هنالك قطاع جنوبي واسع مع الوحدة .. وهؤلاء يرون أن القضية الجنوبية سببها اداءات سلطوية اقصائية واستحواذية و فاسدة. بمعنى أن المشكلة ليست في الوحدة ذاتها، وإنما في الممارسات القذرة التي تمت باسم الوحدة منذ ماقبل حرب 94 وصولا إلى حرب2015 المستمرة.
وتحديدا: تكمن المشكلة في كيفية الحكم..أي في عدم وجود الإدارة المعتبرة للوحدة، كما في التغييب الممنهج للآليات العادلة التي تنال رضا جميع اليمنيين شمالا وجنوبا.
لذلك حتى لو استمرت الوحدة، أو عاد التشطير، ستبقى المشكلة قائمة في عدم تحقق وإنجاز دولة المواطنة والديمقراطية والتمدن .
أما الوعي الاستغلالي للسلطة واحتكارها، فهو الآفة التاريخية التي كانت ومازالت تتجلى في الشمال وفي الجنوب على حد سواء..والحال ان الشمولية بمبررات ايديولوجية، أو حتى بمبررات قبلية أو مناطقية أو مذهبية، هي العدو الحقيقي لدولة الشعب المفقودة والمنشودة .
وبالتأكيد : سنستمر نقول في وجه كل المزايدين والمخادعين والاوغاد والاغبياء؛ بأن الموضوعية تقتضي رفض المزاج السلطوي الذي افسد وخرب الوحدة، وليس الوحدة التي حاول سرقتها واحتكارها ذلك المزاج المأزوم و الارعن .
بالتالي لابد من رفض الميليشيات والإرهاب اللذين ضد الجميع بدون إستثناء شمالا وجنوبا؛ لا رفض كل شيء على نحو عبثي، ثم التواطئ مع الميليشيات والارهاب بالنهاية.!
كذلك مثلما رفضنا ممارسة الطغيان باسم الوحدة، سنظل نرفض ممارسة الطغيان باسم رفض الوحدة أيضا ، إضافة إلى رفضنا عدم اعتماد معايير ناضجة لحق تقرير المصير حال لم يتوصل الجميع لحلول ذات إجماع بشأن القضية الجنوبية على وجه الخصوص .
وأما الذين كانوا ومازالوا يرفضون تصويب وتصحيح آثار المسارات التسلطية الحاكمة لليمن الجمهوري بشطريه، كما لليمن الموحد بالمحصلة ؛ فهم أولئك الذين- في الشمال وفي الجنوب للأسف-يستمرون كل يوم أكثر في تدمير الحقوق والواجبات المتساوية؛ مكرسين تمزيق النسيج الوطني برمته، لأن غايتهم العليا -بحسب معطيات الواقع- تتمثل في استعادة مزاج السلطنات جنوبا و الإمامة شمالا، ومن ثم إرجاع الشمال والجنوب معا إلى ماقبل سبتمبر 62 ونوفمبر 67..وليس إلى ماقبل مايو 90 فقط .
أما الثابت في هذا كله، فهو ان ذات عصابات القوى المهيمنة شمالا وجنوبا، تارة بمنهجها العسكري والمستغل للدين؛ وتارة بمزاجها البدوي و القبلي، كانت ومازالت تتربص بالدولة وبالمواطنة وكذا قيمتي الجمهورية والوحدة، بغض النظر عن استمرارها كجلاد أو كضحية في السياق، أو حتى تحولها من ضحية إلى جلاد، والعكس.!

لكن باختصار شديد : ستبقى حاجتنا ماسة للنجاة من التأثير السلبي لهذه القوى ومصالحها الأنانية والاجرامية والشريرة والنهمة، متجهين نحو الدفع الإيجابي لحل القضايا الوطنية العالقة والمتأججة سواء في الجنوب وفي الشمال، كما في الغرب وفي الشرق وفي الوسط أيضا؛ لكن بمفهوم الدولة التي يجب استعادة رمزيتها الكيانية كمؤسسة وطنية، وبالتالي وفق المصلحة الوطنية لليمن ولليمنيين دون أية تمييز ، بدلا من كل التماهي الأهوج مع قيم تلك القوى وهي تستمر بكامل اندفاعها المعتوه في تدبير وهندسة التشظي والانتقام والملشنة، وكذا تكريس العنف و الكراهية والاحترابات المناطقية والمذهبية اللعينة؛ وصولا الى تغلغلنا بالمقابل في مرحلة مابعد الضياع، والتي تلوح الآن في الأفق .
***

(2)
تسبقك الحرب إلى كل شيء!

“لا أبرياء في الحرب”!

العبارة من كتاب: أنا الضحية والجلاد أنا.. وهو سيرة منقولة وموثقة لجوزيف سعادة، أحد أبرز القتلة المشاركين في مأساة الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت لأكثر من 15 عاماً بمشاركة كل الطوائف والإثنيات بالإضافة إلى العنصر الفلسطيني والسوري والإسرائيلي، والكتاب عبارة عن اعترافات صادمة وفظيعة حكاها سعادة لكاتبين فرنسيين كنوع من البوح لا الندم كما يؤكد.
فلقد تحول الى قاتل بسبب مقتل ولده، ثم بعد انفراط العنف ليشمل المجتمع كله -ولم يربح أحد بل خسر لبنان- شارك سعادة وقاد مجازر جماعية بالذات على الفلسطينيين، فيما أقر ذاتياً بقتل 75 وأشرف وشجع على قتل المئات كسفاح تابع لحزب الكتائب، مدفوعاً بغريزة الانتقام المتصاعد على طريقة الثأر الجماعي، ومعتبراً أن جميع المسلمين بلا استثناء مسؤولون عن مقتل ولده حتى لو كانوا أبرياء!.
ولم تتوقف الحرب إلا بعد إجراءات ومباحثات شديدة التعقيد أفضت الى اتفاق الطائف وقانون العفو عن كل الجرائم التي حصلت، بينما قدر عدد ضحايا الحرب الأهلية اللبنانية بأكثر من 150 ألف قتيل و300 ألف جريح ومعوق و17 ألف مفقود فضلاً عن هجرة أكثر من مليون نسمة.
فحسب منطق سعادة الطائفي المعتوه: لا أبرياء في الحرب!.

***

تفقد أبسط شروطك الانسانية حين تحيطك الحرب وتداعياتها من كل جانب، تسبقك الحرب الى كل شيء وتكتشف انها مؤامرة شاملة ضد مسراتك الصغيرة.. المسرات الصغيرة والبسيطة والطبيعية جداً.

***

صارت الحرب مشاعة مثل تحية السلام.. وبدلاً من عبارة (السلام عليكم) المجانية والسمجة والمستفزة التي تسمعها دائماً، ليس غريباً ان تسمع عبارة (الحرب عليكم) كعبارة واقعية لا تمجد الخداع والكذب على الأقل كلما وقعت عيناك على صور الشهداء.

صور الشهداء التي تتكاثر وتحتشد بمثابرة وإصرار في كل مكان حولك، صور الشهداء التي لا تجعلك تتألم وتخاف من الحرب فقط، وانما من السلام أيضاً، كما لا تجعلك تفرق بين الرحمة والقسوة والفضيلة والخطيئة وأخلاق البشر وفظاعاتهم، بينما يصعب عليك مغادرة المقابر التي اكتظت في روحك، لأنها ورطتك الوجودية الواسعة في هذا العالم الذي يضيق.

***

مستعدون دائماً للتضحية بمآسي وأحلام الآخرين فقط: تجار وفقهاء وعسكر الأنظمة والثورات والاحتجاجات والانقلابات والمقاومات.. أبطال سوريالية عبثية الوقائع المتوالية للجريمة واللا عقاب.
***
(3)
من اجل نجاة النسيج المجتمعي ..تحفيز الارادة الوطنية

شخصيا لاتعنيني قضايا مايسمى بالروافض والنواصب
غير انني اشعر بالاسى جراء ما يخلفه تفاقم تخلف هذا الصراع المتأصل بين السنة والشيعة داخل المجتمع الواحد خصوصا حين يكون مؤججا بعوامل خارجية خطيرة ..لذلك بقدر المستطاع احاول فضح منطلقات الكراهية التي تنطلق منها وتبيان اثرها على الذات الوطنية مع احترامي لمنتميها بالطبع
لكن بمقابل ذلك فإنني احترم اكثر كل من ينتمي لادانة هذا الوعي العقدي المغشوش غير السوي بالجوهر الديني
فيما الجوهر الديني كما افهم يدعو للتعايش والتسامح والانفتاح كما لايفترض به تخريب المجتمعات والاوطان واعاقتها عن التقدم مهما كانت الاسباب لان هذا هو مايضرب الفكرة الوطنية تماما ويجعل الولاءات لامراء الطوائف بدلا عن الدولة بل ان الاخطر هو خوض هؤلاء الامراء حروبا وطنية طائفية بالوكالة عن الدول الراعية لحلفائها المذهبيين للاسف

من هنا فإن مايعنيني بالذات هو وجود عقد اجتماعي بين ابناء الوطن الواحد ينظم حرية وحقوق اختيارهم كمواطنين في مسألة الاعتقاد ..يعنيني ان يكونوا سلميين فلا يجبروا المختلف عنهم بالقوة او بالاكراه لاتباعهم .. ومهما كان وعيي تجاه ذلك الارث بأنه متخلف إلا ان قضايا كهذه هي قضايا صراع افكار اولا واخيرا بمعنى ان هنالك من سيكون مع او ضد او من سيتحيز لطرف على آخر عقديا او سياسيا حتى دون وعي مثلا خصوصا في مجتمعات التخلف كبلادنا في ظل الفساد الكبير الذي اصيبته به ذمم الضمير الوطني ..غير ان هنالك من سيحترم لاشك اختيار الضدين بوعي تام في طور السلمية واللاعنف اساسا .. والمعنى ان كل فكرة مهما بلغت من التدليس او المغالطة في ادعاء حقيقة الوعي الديني سيبقى الزمن كفيلا بغربلتها وكشف جوهرها

المهم : انبثاق دولة تصون هذا الاختلاف تحت سقفها وتمنع خطابات الكراهية والكراهية المضادة كما تجرم فتاوى اهدار الدم باسم الاختيار المذهبي ..دولة تجعل الفرد يفهم ان اختياره مسالة شخصية خاصة به مهما كان هذا الاختيار وان نجاة النسيج المجتمعي هو غايتنا جميعا بدون استثناء( غاية ان نعيش كيمنيين وان نحترم الجمهورية والديمقراطية في البعد السياسي) فيما على البعد العقدي ان يعزز من قيمة السلام بين ابناء الوطن الواحد .. نعم .. هذا مايجب ان نفهمه ونسعى من اجله حيث لابديل للتعايش الوطني غيره بلا اضطهادات عقدية ولا اجبارات ولا تعسفات ولا استقواءات من اية نوع .. لكن ايضا بلا خطابات احقاد او تحريضات من شأنها ان تنمي مشاعر التطرف الانحطاطي البغيض الذي لايمكن ان نستمر ندفع فاتورته الهبائية جيلا بعد آخر

وبما اننا نريد لنا جميعا مواطنة متساوية وقوانين يخضع لها الجميع نابعة من دستور ضابط للحقوق وللحريات وللكرامات وللعدالات مانعا بالتالي للاصطدامات البدائية ومسبباتها فإن الاهم من هذا كله : وضع ميثاق شرف وطني بين القوى الدينية والسياسية على تجريم البعد المذهبي في العمل السياسي والعمل العام إضافة الى انجاز خطط استراتيجية حقيقية لتعليم رسمي تنويري جديد ( آخذين بالاعتبار اهمية الدرء الحاسم لخطورة التعليم الديني في تغذيته للتطرف من قبل كل الاطراف للاسف)كما لنزع السلاح من القبائل واغلاق اسواقه مع وضع حد جاد لتدخل السعودية في دعوماتها لمحاربة من تسميهم بالروافض فهذا من اهم الاسباب التي تؤجج الكارثة وبمقابل هذا ايضا وضع حد لتدخل ايران الذي جاء كردة فعل ضد مايسمى النواصب ..وهكذا .. في حين ان الامر هنا بالذات يجب ان يلتف معه جميع الشرفاء في البلد بدون تلكؤ يذكر لانه يرتبط بالسيادة الوطنية اصلا ويكفي تجريفا ومحقا لها .. وعلينا ان ننتبه كم تأخرنا كثيرا عن عديد دول نحن افضل منها لو اخلصنا النية محفزين ارادتنا الوطنية على البناء وعلى الانجاز وعلى التقدم
(4)

قبيلة وسلالة ضد الإسلام

القرشيون برروا استبدادهم بشكل وقح طوال التاريخ ، كانوا يعملون على تنمية العنصرية بستار الإسلام ، مازالوا يتوهمون أن الدين هو قريش واستبدادها، إنهم يناوئون التحضر، إنهم يتخندقون وراء نعرتهم الجاهلية، إنهم يدعون المظلومية الكبرى ليصبحوا ظلمة شرعيين، إن عدوانهم خطير على الإنسانية، وعصابهم الجمعي له آثاره الوخيمة في كل المجتمعات التي احتضنتهم.

ولقد تمادوا في جعل استبدادهم كجزء من الدين، كما سيستمرون بهذا الوعي المأزوم الرث كمفسدة عليا . ثم إن “المقصود من التمييز بين السياسة والدين أن تقوم الأعمال السياسية باعتبارها أعمال بشر ليسوا مقدسين ولا معصومين، وأن الحكام مختارون من الشعب وليسوا معينين من الله”. بالتالي يبقى من المهين اليوم استمرار الزعم بوجود صك سماوي لتوارث الشعوب والبلدان كما يتم توارث الإبل والدواب المملوكة.

بمعنى آخر فإن جماعات الإسلام السياسي بشقيها السني والشيعي أكثر من يحتقر المدنية والمواطنة.. ولذلك لا تتعامل مع المواطن كمواطن حال إدارتها للدولة، وإنما ككائن مميز باعتباره منتمٍ للجماعة يستحق حقوقه وحرياته وامتيازاته التي تكون فوق القانون غالباً، مالم فهو مجرد كائن غير مميز كونه لم يتعمد بقداس الجماعة ولا يستحق أدنى تعامل كمواطن.. ميكانزم التفكير لدى هذه الجماعات هو أكبر عائق كان وسيظل أمام نهضة المشروع الوطني المأمول.

والحال أن حلم الخلافة السنية لا يختلف عن حلم الإمامة الشيعية وحصر الخلافة في قريش لا يختلف عن حصرها في آل البيت وتقديس القبيلة مثل تقديس السلالة.

لكن صراعات قريش السياسية البائدة يجب أن لا تعنينا اليوم، ومع ذلك تصر على الإستمرار بإلحاح غبي لتفسد علينا الحاضر والمستقبل معا .

والواضح أن أشد مايحتاجه دين عظيم كالإسلام اليوم هو تحريره من كهنوت قريش وكهنوت آل البيت من سلطات الإستبداد والتخلف المتوارثة المتمثلة في صكوك السنة وصكوك الشيعة ومن طامة الفقهاء الذين احتكروا التفسير واستسهلوا الفتاوى الطغيانية والتكفيرية متجاوزين مضامين القرآن في الحرية والتسامح والعدالة وعدم استعباد البشر للبشر.
وأما بالبلدي الفصيح نقول إن “اللي فعلوه الاماميين في اليمنيين ماعملهوش كفار قريش بالرسول محمد “.

وفي الحقيقة: اليمنيون أضافوا للإسلام ..لكن الإسلام لم يضف لهم شيئا ..كنا أصحاب حضارة وعمارة وحرب كما مررنا بكل أطوار التطور الديني ولم نكن أهل حرب فقط .
وبدون اليمنيين لم يكن الإسلام ليتعدى قريش.. نحن من نشره شرقاً وغرباً ونحن من سيعيد الإعتبار له متحررين من إرث قريش السني والشيعي الإستغلالي له. ثم إن الإسلام هو الحرية والسلام والعقل والتعايش والتوحيد الحر النقي.

بل ليس غريبا ، أن يلتقي التطرف المذهبي القرشي، بشقيه الشيعي والسني، عند نقطة واحدة اليوم: رفض أحقية الشعوب في حكم نفسها ، من خلال رفض مطالب عدم إستغلال الدين سياسياً.. فمثلاً كائنات الولاية المحصورة فقهياً في سلالة فاطمة بنت محمد (ص)، مثل كائنات الخلافة المحصورة فقهياً في قريش قبيلة النبي محمد (ص): لا يطيقون اعتزاز اليمنيين، برموز حضاراتهم وتاريخهم ماقبل الإسلام، كما لايطيقون مطالب الديمقراطية والمدنية اليوم بالمحصلة.. مع أن ذلك الوعي السياسي والفكري والنفسي المحصور والمغلق، كان قد وضعه مزاج الفقهاء في كل مذهب، وهو المزاج الذي حصر الماضي والحاضر والمستقبل فيه فقط، بل وتحول لسلطة ترهيبية، ترى مادونها جاهلية وكفراً وشراً مستطيراً.

نحن أمام خديعة كهنوتية كبرى يجب تحرير الدين الإسلامي العظيم منها وهي المدخل الحقيقي للإصلاحات الدينية المطلوبة لنتطور.
وفي حال انحيازكم لعملية تصحيح الوعي الخاطئ وإجراء المراجعات والإصلاحات على مستوى الوعي حتماً ستنتصرون للمواطنة وللحقوق وللحريات وللواجبات المتساوية في إطار التعدد والتنوع والتعايش والتسامح.
وتاريخياً: أسوأ من أساء للإسلام هم كائنات قريش الذين ربطوا الدين بوعيهم التسلطي الاستغلالي، بعدما حولوا الإسلام العظيم إلى أداة حكم مخترعين نظرية الحق الإلهي في اصطفائهم وتسيدهم كما يزعمون متناسين أنه دين الله الذي للعالمين جميعاً وأنهم مجرد بشر كالآخرين. فيما القرآن نفسه يفضح احتيالهم اللاعقلاني بوضوح.. ثم رغم كل الصراعات الدموية على السلطة وبثهم الشقاق الطائفي في المجتمعات واعاقتهم للديمقراطية وللتحديث وللمواطنة ولتحقق الدولة المدنية استمروا – عبر شتى الذرائع وبمنتهى الاستخفافات التي صمموها فقهياً لخدمتهم – في ممارسة أوهامهم التمييزية على كافة المسلمين مع أن هؤلاء آمنوا بالإسلام كدين للمساواة وللحرية بلا استبداد وبلا كهنوت.
باختصار شديد: ليس معقولاً أن الجريمة التي ارتكبتها قريش ضد قريش في كربلاء تستمر الشعوب هي من تدفع ثمنها بالانشقاق وبالتعصب..خصوصا بعد كل هذه القرون !.

ولتتخيلوا معي لو أن حديث الغدير -بحسب المفهوم الشيعي المتطرف- قد جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بداية دعوته للإسلام وليس قبل وفاته! ..ثم بحسب المفهوم السني المتطرف أيضاً تخيلوا لو أنه قال أوصيكم ان تكون الخلافة بعد موتي في قريش!..وفقاً لذلك تخيلوا كيف كان سيتعامل مجتمع مكة والمدينة مع الأمر بداية الدعوة ! .

بالتأكيد آمن الأنصار والمهاجرون حينها بمحمد كرسول لا كصاحب سلطة تورث قبلياً أو سلالياً حتى نهاية العالم.!
ولئن افترضنا أن ذلك كان مشروع محمد فالأرجح أن قريش ستبرر رفضها للنزعة الهاشمية بمبررات شتى كما أن العرب لن يستسيغوا عصبية قريش المحمولة على دين سيكون متناقضا مع مضمونه آنذاك !
ثم أليس الرسول نفسه هو من رفض عرض قريش المغري بعدما أرادت أن تمنحه قيادتها على أن يكف عن التبشير بالاسلام.!
أليست المساواة والشورى والعدل أساسيات الاسلام.
لكن للأسف ثمة مفاهيم تم فرضها على الإسلام من بعد موت الرسول وهي التي شقت الاسلام من الداخل كما أرادت تحويله من مشروع رحمة توحيدية عالمية إلى مشروع هيمنة قبلية و سلالية .!
إن أزلام السلالية والقبلية بإسم الإسلام اليوم، يقفون على أرضية واحدة مع الذين كانوا رفضوا جعل الآلهة إلها واحداً قبل الإسلام !.والمؤسف استمرار هذا المرض العصبوي المخالف لجوهر الاسلام .
“وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى”.

قالوا له: “جمعنا لك من أموالنا، حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفًا سوَّدناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كان الذي يأتيك رئيًا من الجن لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُداوى”.‏
ليكون رده العذب والنابه : “ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليَّ كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحتُ لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم من الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله، حتى يحكم الله بيني وبينكم”.

أعني أن الرسول محمد نجح في إكمال مساره بالشورى لا بالعصبية، وبإيجابية الإنتماء الإنساني العابر لسلبيات روابط القربى ..بمعنى آخر مافيش في الإسلام الإلهي -دعوكم من الفقهيات المتطرفة سنياً وشيعياً باسم الإسلام- حاجة إسمها ولاية أو وصاية أو قرناء قرآن أو أعلام هدى أو أصحاب لحوم مسمومة..كذلك كان الإنتماء الإختياري الحر للإسلام قائماً على أساس المساواة في الإنتماء، وتحديداً جاء الإسلام ضد الهيمنة العشائرية مابالكم بهيمنة مفاهيم التوريث على أساس الأنساب. !
وأما من يزعم الولاية والخلافة وفق مقاييس بشر في زمنهم ذاك مع الفارق الشاسع بين الماضي والآن نذكرهم فقط أن كتاب الله المحفوظ في هذا السياق أبداً مادعى لتمييز بين عرب وعجم أو بين قرشية وهاشمية ويمانية وشامية واموية وعباسية وعثمانية إلخ.
لذلك كله نخلص بأن هناك مسلماً صينياً..مسلماً هندياً..مسلما أمريكيا..مسلما روسيا..مسلما استراليا..مسلما انجليزيا..مسلما هولنديا..مسلما يابانيا..مسلما اثيوبيا..مسلما إندونيسيا..مسلما تركيا..مسلما كرديا..إلخ إلخ إلخ إلخ مايعني ام هذا الدين سيكبر رغم تشويهكم له بفقه التطرف والطغيان ..سيكبر عبر المعرفة والوعي ولايحتاج لتفجيراتكم وترهاتكم..سيكبر وستنتشر العربية عبره رغما عن أنف الأديان المغلقة والحصرية والشركية!
سيكبر هذا التجلي التوحيدي بروحه الحنفية الأولى التي لم يصبها التشوه وتحترم العالمين ..سيكبر
“وانتو مكانكم صغار حانبين في قريش وأهل بيت!”
اخجلوا.
وبغض النظر عن لامعقولية ولامشروعية الإمتيازات السياسية التي يريدها من يرى انه من قريش البائدة كونها تحط من فكرة المساواة التي هي جوهر الدين، وبغض النظر عن الذرائع والاستنادات المنسوبة للرسول كمرويات شفهية يحاجج بها كل طرف مع أو ضد المسألة.

ولئن اعتبرنا أن من حق كل فريق أن يرى مايراه.
إلا أن المشكلة تكمن في تحول الأمر إلى مسألة عقدية سالت بسببها دماء غزيرة منذ قرون.. وبالذات على ضوء الخلاف السياسي على السلطة الذي بلغ ذروته بين علي بن ابي طالب و معاوية ابن أبي سفيان والتداعيات الكارثية القائمة إلى اليوم وقسمت المسلمين إلى فسطاطين رغماً عنهم.

فعلى الضفتين كان فقهاء السلطة-مع الأخذ بالإعتبار كل مافعلته لاحقاً تداعيات النزعات العربية والفارسية المتصادمة والمنقسمة بين التسنن والتشيع – يؤججون الصراع لتستمر الأمة الإسلامية منقسمة لكنها متوحدة في مستنقعات التناحر والعصبية وتجريف الشورى وتوريث الحكم كملك عضوض مرورا بالتكفير والتكفير المضاد ووصولاً إلى تطبيع الحالة الطائفية الفادحة وكأنها قدر لا فكاك منه .!

المهم ان كارثية جوهر هذا الصراع البدائي تكمن في تحويله إلى مؤسسة تريد امتيازاتها الموهومة والمتخيلة بما ينافي سوية الدين وعدالته ولاعنصريته.
فبسبب هؤلاء للأسف تحولت ولاية النبي من “فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر” إلى حالة إستغلال سياسي له واعتبار نبوته حالة سلطوية يمكن انتقالها بالإرث إلى سين وصاد قبلياً أو سلالياً وبالتالي إظهار الأمر كله كمشجب لتعليق نزعات سلطوية وتبريرها .
ذلك أن حكاية الأئمة من قريش التي ظهرت بعد وفاة النبي والتي ما أنزل بها القرآن أبداً، وكانت مجرد إجتهاد لا فرض هي السبب الأساس الذي أفضى إلى نتيجة الهاشمية السياسية وتداعياتها وتكثفها في البطنين إلخ.
والحال ان الإستبداد الديني شوه جوهر الدين..
وأما السؤال الجوهري:متى سنتخلص من عقدة تصنيم الأشخاص وتعصيمهم رغم انهم بشر ولديهم أخطاء ولا يعقل تقديسهم كانوا صحابة أم أئمة؟ .
لكن للأسف: يحدث هذا بينما الحقيقة أن العتب الإلهي طال حتى الأنبياء أنفسهم، بحسب القرآن ..
الأهم أن “ﺗِﻠْﻚَ ﺃُﻣَّﺔٌ ﻗَﺪْ ﺧَﻠَﺖْ ﻟَﻬَﺎ ﻣَﺎ ﻛَﺴَﺒَﺖْ ﻭَﻟَﻜُﻢْ ﻣَﺎ ﻛَﺴَﺒْﺘُﻢْ”.. فمتى نتجاوز الفرز المذهبي السيء الذي يثخننا بمحمولاته وتشوهاته ويعيقنا عن انجاز التسامح والتجاوز وتنزيه الدين عن خلافات البشر على قاعدة الإصلاحات التنويرية الضرورية في الوعي الإسلامي منعاً للاستغلال السياسي للدين .. ذلك الاستغلال الذي يفسد الدين والسياسة معا ويثبتنا بين كل الأمم في حالة مزرية من عدم المواطنة المتساوية والدولة العادلة والتنوير وإحلال السلام والتطور واللاعنف.؟!
( 5)

فساد المنظمات

عشرات الآف الدولارات واليوروهات تذهب لما يسمى منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان عبر مشاريع بتصورات وهمية أو بلا أثر حقيقي، إضافة إلى برامج تغري المانحين فقط ولا تنعكس على الناس كما ينبغي، حتى أن غالبية أصحاب تلك المنظمات في اليمن صاروا أثرياء ومراكز قوى داخلية سياسياً وثقافياً، بل ونافذين تجاه كل المهتمين الدوليين بتنمية بلدانهم الفقيرة أو دمقرطتها، فيما بصفاقة يزايدون علينا ونحن نعرف أن معظم أموال تلك المنح والدعومات التي يلاقونها تذهب إلى جيوبهم.

إنها منظمات شللية وبلا شفافية في الغالب، يستغل أصحابها إيماننا بأن لانهضة لأي مجتمع دون هذه المنظمات، معتقدين ببلاهة أن إدراكنا بأهميتها لتحولات المجتمع ناحية التمدن والحداثة سيجعلهم يتكرسون كعصابات لصوصية أنيقة محصنة من أي نقد ومقدسة في كثير أحيان، خصوصاً وأن من سينتقدها سيكون من جانب السلطة كما هي أعذارهم وذرائعهم الدعائية المكشوفة التي يداومون على بثها بصفتهم مناضلين مستهدفين ودعاة مدنية وحريات وحقوق داخل مجتمعاتهم المتخلفة والمستبدة ..إلخ.
لذلك نحتاج إلى تفعيل مراقبة أداءات مثل هذه المنظمات ومساءلتها عبر تكوينات وشبكات متخصصة وناشطة في هذا السياق الذي صار مهماً للغاية مع تفاقم “فساد المنظمات” كظاهرة لاتنمي حلم المجتمع المدني كما نريد، بقدر ما تجعله مجرد فقاسة لتنمية أرصدة وحسابات أفراد من الدجالين الحاذقين في التشبيك والفهلوة والذكاء الاجتماعي والسياسي. ثم إن الدور الفاعل الذي كان منتظراً من المانحين تحول إلى دور سلبي لتكريس الوهم فقط استغله هؤلاء جيداً حتى أن كثيراً من قادة هذه المنظمات تحولوا إلى سلطة ظل للسلطة الفاسدة التي تحكم المجتمع إذا جاز التشبيه.
وبالمقابل يتوجب حث مؤسسات وحكومات التمويل الدولية بتبديل سياساتها وإعادة صياغة تعاملها مع تلك المنظمات على نحو حقيقي مسئوول، مع العلم أن هناك ممثلين لمؤسسات دولية مانحة وتمويلية اعتادوا استلام الكوميشن من هذه المنظمات والتغاضي الرقابي عما يدور.

كما يفترض من كل المناوئين لمثل تلك الأداءات المشينة إدانة وتحذير كل المؤسسات الدولية المانحة التي ساهمت بتواطئها ببروز هذا النوع من الفساد الذي يعد أشد دناءة في جوهره ومسعاه مقارنةً بخطر فساد المؤسسات الحكومية مثلاً حيث إن منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان منظمات غير حكومية في الأصل، في حين يمارس الكثير من رؤسائها ماهو أسوأ للأسف بعد أن تحولوا إلى شبكة واسعة مترابطة للفساد، بينما يدعون المثالية في النضال والفضيلة وبالتالي فإنهم الحاملون الجديرون وربما الأوحد لهموم التقدم وتطوير المجتمع.. إلخ.