هناك علاقة واضحة ” غامضة”بين الولايات المتحدة والسياسة الطائفية في الدول العربية، فهل يساهم الحوثيون في تحقيق مصالح واشنطن رغم زعمهم بمقاومتها. طبعا في خضم النزاعات المستمرة في الشرق الأوسط، تتجلى بوضوح استراتيجيات القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في التعامل مع دول المنطقة. تأتي الطائفية كأحد الأدوات السياسية التي تُستغل لتحقيق أهداف تتجاوز الصراعات الداخلية. واستنزاف قواها الداخلية من خلال تأجيج النزاعات المذهبية والعرقية. ومع صعود الحوثيين كقوة طائفية، فإن هذا النزاع المستمر في اليمن بين الحوثيين والحكومة الشرعية المدعومة دولياً يعزز من حالة الانقسام والتشرذم التي قد تخدم في النهاية المصالح الأمريكية.
الطائفية تسهل على القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة إدارة الصراعات بأقل تكلفة مباشرة، حيث تكون الدول والمجتمعات المتناحرة أضعف وأكثر عرضة للتبعية والاستقطاب السياسي. فعلى سبيل المثال، في العراق وسوريا، ساهمت الصراعات الطائفية في إضعاف الدول المركزية وتفتيتها، ما خلق بيئة مناسبة للتدخلات الخارجية واستغلال الموارد. والحوثيون، من خلال تعزيز الطائفية في اليمن، يساهمون في تحقيق هذه الأهداف على المدى الطويل.
رغم الخطاب العدائي الذي يوجهه الحوثيون ضد الولايات المتحدة، إلا أن الواقع يشير إلى أن وجودهم في المشهد السياسي يحقق للولايات المتحدة بعض الأهداف غير المباشرة. فعلى سبيل المثال، استمرار الصراع في اليمن يعزز من حالة الفوضى والاضطراب في منطقة مهمة استراتيجيا، وهو ما يعوق استقرار الدول المجاورة مثل السعودية والإمارات، ويضعف قدرة المنطقة على تحقيق الوحدة والاستقلال الكامل.
من ناحية أخرى، فإن الطائفية التي يروج لها الحوثيون تخدم أيضاً أجندات قوى أخرى في المنطقة، مثل إيران، التي لها مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة في بعض الأحيان، حتى وإن كانت المنافسة بينهما قائمة في سياقات أخرى. هذا التوازن الهش بين الفوضى والمصالح المشتركة يخلق وضعاً تستفيد منه قوى متعددة، بما في ذلك واشنطن.
تلعب إيران دورا كبيرا في دعم الحوثيين، ولكن هذا الدعم ليس فقط من منطلق المذهب أو الدين، بل أيضاً كجزء من استراتيجية إيران لتعزيز نفوذها الإقليمي في مواجهة خصومها التقليديين، وخاصة السعودية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تتقاطع مصالح إيران مع مصالح الولايات المتحدة في هذا الصراع؟ على الرغم من الاختلاف الظاهري، هناك لحظات في التاريخ الإقليمي، مثل التدخلات في العراق وأفغانستان، حيث تلاقت مصالح الطرفين بشكل غير مباشر.
في حالة الحوثيين، تعزيز الطائفية وتمكينهم من السيطرة على مناطق معينة قد يخدم المصالح الإيرانية الأمريكية المشتركة في إضعاف النظام السعودي وإطالة أمد الصراع في المنطقة. هذا الصراع يؤدي إلى إنهاك الأطراف المعنية وتقليل قدرتها على تشكيل تحالفات قوية ضد النفوذ الأمريكي أو الإيراني.
من الناحية الدبلوماسية، تحافظ الولايات المتحدة على موقف غامض تجاه الحوثيين. فعلى الرغم من تصنيفهم كجماعة إرهابية في بعض الأوقات، إلا أن إدارة الصراع بطريقة تسمح باستمراره دون حل جذري يخدم في نهاية المطاف الأهداف الاستراتيجية الأمريكية. من خلال استمرار الصراع، يمكن للولايات المتحدة أن تضغط على جميع الأطراف الإقليمية لتحقيق توازنات معينة تلائم مصالحها. وهذا يعكس سياسة أمريكية قائمة على إدارة الأزمات بدلا من حلها. على أنه النفاق السياسي للحوثيين في خطابهم المناهض لأمريكا، فمن المثير للاهتمام أن الحوثيين يروجون لأنفسهم كقوة مقاومة للإمبريالية الأمريكية والصهيونية في المنطقة، إلا أن تحركاتهم على أرض الواقع تكشف تناقضا واضحا،اذ رغم شعاراتهم المناهضة لأمريكا، لا يمكن تجاهل أن سياساتهم الداخلية والإقليمية تخدم مصالح قوى دولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي تسعى إلى إبقاء حالة الفوضى والتجزئة في اليمن لتمرير أجندات جيوسياسية في المنطقة.
الخطاب الحوثي الذي يزعم مقاومة الهيمنة الأمريكية ما هو إلا أداة دعائية لجذب التأييد الشعبي وتأمين الدعم من أطراف إقليمية كإيران، لكنه في الحقيقة يساهم في إطالة أمد الصراع ويعطي القوى الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة، مساحة أكبر للتلاعب بالوضع الإقليمي لصالحها. الحوثيون، بإدامتهم للصراع، يحققون هدفا غير معلن للولايات المتحدة يتمثل في منع ظهور يمن مستقر قد يشكل قوة مؤثرة في شبه الجزيرة العربية.
يبدو أن أمريكا، من خلال سياسة تطييف الصراعات، قد وجدت في الحوثيين حليفا غير مباشر يخدم استراتيجيتها في تفتيت المنطقة العربية. تعزيز الطائفية يشكل أحد الأدوات الأساسية للولايات المتحدة لإضعاف الدول العربية، وتفتيت نسيجها الاجتماعي والسياسي. الحوثيون بدورهم، من خلال توجهاتهم الطائفية، يوفرون البيئة المثالية لنمو هذا النوع من الصراع، مما يسهم في تفكيك أي محاولات لتوحيد الصف العربي أو بناء دولة يمنية قوية.
الطائفية التي يتبناها الحوثيون لا تخدم فقط إيران، بل هي أيضًا أداة أميركية لخلق انقسامات عميقة في المجتمع العربي، تجعل من الصعب على هذه الدول توحيد صفوفها أو الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية.
وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تحقق المقاومة الحوثية المزعومة ضد أمريكا أهدافها؟ الجواب المعقد هو: لا. لأن الواقع يشير إلى أن الحوثيين، رغم شعارهم المناهض لأمريكا، يخدمون بطريقة غير مباشرة الاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة. بدلاً من أن يكونوا تهديدا فعليا للولايات المتحدة، يساهمون في تعزيز الانقسامات الإقليمية التي تخدم مصالح القوى الكبرى، بما في ذلك أمريكا.
في النهاية، يبدو أن الحوثيين قد أصبحوا جزءًا من لعبة أكبر تديرها القوى الدولية. قد تكون المقاومة ضد أمريكا جزءًا من خطابهم الدعائي، لكنها لا تتماشى مع تأثيرهم الفعلي في المشهد الإقليمي. استمرارية الصراع في اليمن توفر لأمريكا فرصة للضغط على دول المنطقة، وتحقيق أهداف جيوسياسية طويلة الأمد من خلال تفتيت القوى المحلية، واستغلال الطائفية لإبقاء الدول العربية في حالة من الضعف وعدم الاستقرار.
الطريق إلى إنهاء هذه الحلقة المفرغة من الصراع يتطلب وعيا داخليا من القوى اليمنية والعربية بضرورة نبذ الطائفية، والوقوف صفا واحدا ضد محاولات التفتيت الخارجية. فقط من خلال الوحدة والعمل المشترك يمكن لليمن والمنطقة العربية تجاوز التحديات التي تفرضها القوى الدولية والطائفية.