الفوتوغرافي السعودي الراحل صالح العزاز.. كان موته الفجائي صدمة بالنسبة لي.. بعد حرب ٩٤ هويت الصحافة.. كان العزاز متدربا صحفياً في صحيفة اليوم السعودية..كنت بعمر ١٨ عاما.. كنت قد بدأت أكتب قصائد..ذات مرة وصل أبي وفي كيسه بجانب ماتبقى في علاقي القات عدد من صحيفة اليوم السعودية. فكرت بمراسلتها.. بعثت قصائد من مجموعة لم ترى النور إذ احرقتها كان إسمها ” شظايا البنفسج” ، بعد اسبوع وصل العدد إلى الحديدة. كان صالح العزاز متدربا في صفحة بريد القراء. نشر لي أعلى الصفحة وبصور خلابة من بصرياته النوعية ، بل وكتب في الصفحة من المحرر ” الشاعر اليمني فتحي أبو النصر أنت تستحق تقديرا خاصاً ويفترض أن تنشر قصائدك في الملحق الثقافي الأدبي لكن للأسف وصل بريدك الى صفحة القراء ” اعتبرت هذه الشهادة هبة من الله. تدرج العزاز إلى محرر ثقافي ثم سكرتير ثم بعمر ٢٣ سنة – تخيلوا -كان رئيس تحرير صحيفة اليوم عن جدارة.
عندما مات في ٢٠٠٢ صدمت صدمت أكثر.. كنت حينها المحرر الثقافي في صحيفة الوحدوي لسان حال التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري.
كان السفير السعودي غالباً يرفع دعاوى قضائية ضد صحيفة الوحدوي. لكني صممت أن الخلاف السياسي شيئ وضرورة أن أكتب عن صالح العزاز شيء آخر. كتبت والفضل للأستاذ علي السقاف حيث كان مديرا للتحرير.
صالح العزاز تم تكفيره أكثر من مرة بصفة أن غلاة الوهابيين حينها يرون التصوير الفوتوغرافي حراما
كتبت الاسبوع التالي أن الكاميرا أجمل ما انتجه الإنسان وقلت ” لو كان في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كاميرا ولو كان مجتمع مع صحابته ورأينا صورهم ماذا في الأمر.. أنهم بشر مثلنا “.صالح العزاز هو روح الأرض..الاوابد..اعماله تنثر حكايات المكان وتحولاته. صالح العزاز عرف معنى الفن بالفطرة . كانت كل صورة يلتقطها كأنها سلاح لمواجهة القبح.. جماليات تصاويره مثخنة بالمحبة . انهكه السرطان القاسي.
لشده ولعه بالتصوير درسه في امريكا. إنه فنان احترافي مهموم بشؤون الجمال. احترم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إذ صارت الشيهانة صالح العزاز نائباً للأمين العام امجلس الوزراء.
من يصدق كل هذه التحولات في الوعي السعودي . الوعي الذي لا ابالغ أنه من صار يقود الحداثة العربية الآن كما أشرت لذلك ذات حوار معي لصحيفة عكاظ السعودية.
صالح العزاز رمز عطاء لاينضب. ظل يتشبث بضرورة إجراء إصلاحات جذرية في السعودية وبجرأة كتب ذلك في الصحف السعوديه قبل الجميع..قبل حتى رموز المنادين للإصلاحات كعلي الدميني ومتروك الفالح وتركي الحمد وغيرهم
اليوم تسير المملكة العربية السعودية على خطاهم..في العام ٢٠٠٠ حضر الحفل والعرض العسكري في صنعاء بمناسبة ١٠ أعوام على الوحدة اليمنية. تبادلنا الارقام واهداني صورة فوتوغرافية أعتز بها لكني فقدتها بسبب التنقل.الصورة لطفلة سعودية بعمر حوالي ٦ سنوات تتذوق التمر ومنقشة اليدين بالحناء. قال لي انها من أعمال الجنادرية. كانت اللجنة التحضيرية لمهرجان الجنادرية تعتمد صالح العزاز كبير المصورين .عرفته بأخلاق دمثه ويعشق اليمن جدا. أتذكر أنه قال لي أخذت صورا في صنعاء وضواحيها ساعمل لها معرضاً منفردا. كان صالح العزاز يتقن فن التعامل مع الصورة. يجعل الصورة شعرا .
يحق أن تفتقده المملكة العربية السعودية.