كتابات

الأشتر النخعي في مدينة عدن

وجدت في مدينة عدن السنية بسطة بيع سمك تحمل اسم الاشتر النخعي لقد استغربت كيف يكون هذا الإسم وهو واحد من غلاة الشيعة من أصول يمنية إذ ينتمي لقبيلة مذحج
“مالك بن الحارث النخعي المشهور بالأشتر (37 ه‍ ) (657 م). كوفي ( هاجر أجداده الاوائل إلى العراق بعد إنهيار سد مأرب)..”من مقاتلي العرب الأشداء، يُنظر إليه بشكل مختلف بين السنة والشيعة. فبحسب المصادر السنية، فقد كان متورطاً في اغتيال الخليفة عثمان بن عفان. في المقابل، تعتبره المصادر الشيعية رفيقا مخلصا لعلي بن أبي طالب. يعتقد الشيعة أن مالك كان من أشد المؤيدين لآل محمد والعشيرة الهاشمية. اكتسب شهرة في خلافة علي وشارك في المعارك الرئيسية، مثل معركة الجمل ومعركة صفين ضد معاوية. لقبه “الأشتر” يشير إلى إصابة في جفنه أصيب بها في معركة اليرموك.” ويكيبيديا.
“ينتسب إلى قبيلة مذحج اليمنية أصيب في معركة اليرموك فشترت عينه بالسيف أي جفنها السفلي ولذلك عرف بالاشتر. ثم صار الأشتر من الثائرين الذين قتلوا الخليفة الراشد عثمان بن عفان، و كان ممن سعى في الفتنة، و ألب على عثمان، و شهد حصره. بعد مقتل عثمان دعا إلى علي وكان من أصحاب علي بن أبي طالب والمقربين منه. وفي معركة الجمل المشهورة تبارز مع عبد الله بن الزبير بن العوام. وابن الزبير يومئذ مع خالته عائشة. فلما تماسكا صار كل واحد منهما إذا قوي على صاحبه جعله تحته وركب صدره. وفعلا ذلك مرارا وابن الزبير ينشد:

اقتلاني ومالكا
واقتلا مالكا معي
يريد الأشتر النخعي. ولولا قال الأشتر لقتلا جميعا، لأن اسم مالك لم يكن مشهوراً بين الناس.” ويكيبيديا.
يصفه الحلي أحد متطرفي الشيعة في العراق من أصول فارسية بأنه “جليل القدر، عظيم المنزلة، كان اختصاصه بعلي أظهر من أن يخفى”..”حاكم الظل لدولة علي ابن أبي طالب المجرم الزنديق مالك ابن الأشتر باعتراف أصحاب علي الذين قالوا ( إنما نحن بحكم الأشتر ) ! هذا اللعين تم سحقه بشربة عسل مزقت أمعاءه ورحل إلى جهنم “. متطرف سني في وصفه .
عموما:
ً كان الشيعة الحوثيون قد حاولوا اقتحام عدن تسللوا إليها ودامت حرب شوارع طوال أشهر لكن المقاومة الجنوبية استطاعت أن تنتصر عليهم لأنهم مجرد غزاة.
ما يحيرني هو كيف صار هذا الرمز الشيعي الداعي للعنف كي يحكم الشيعة داخل مدينة سنية مدنية ؟.
ما الذي حدث .. أولا علينا أن نعرف السياق التاريخي والاجتماعي للأشتر النخعي:
“مالك النخعي، المعروف بالأشتر، هو شخصية محورية في التاريخ الإسلامي، ولديه تأثير كبير على الخلافات بين السنة والشيعة. في المصادر السنية، يُنظر إليه بشكل سلبي نظرا لتورطه المزعوم في مقتل الخليفة عثمان بن عفان، أحد الصحابة الأربعة الذين تحظى خلافاتهم باحترام وتقدير كبير في الفكر السني. بينما يرى الشيعة الأشتر كنموذج للبطل المخلص لعلي بن أبي طالب، وكممثل قوي للمقاومة ضد ما يعتقدونه بالظلم الذي تعرض له أهل البيت”.. مصادر محايدة
***
الأشتر هو شخصية متناقضة تاريخيا، حيث تم تصويره كبطل في الرواية الشيعية، بينما تم إدانته في الرواية السنية كأحد محركي الفتنة والاضطرابات. هذا التناقض يكشف الكثير عن الدور الذي تلعبه هذه الشخصيات التاريخية في تشكيل الهوية الدينية والطائفية، وكيف يمكن أن تصبح أدوات للتحريض أو التكريم بناءً على السياقات الدينية والسياسية المختلفة.
***
إن ظهور اسم الأشتر النخعي في مدينة عدن السنية يعكس ظاهرة أكبر تتعلق بالتوترات الطائفية والتأثيرات الخارجية في المنطقة. عدن، التي تتميز بتاريخها الطويل كمدينة مدنية حضرية ذات طابع سني متسامح ومنفتح، تعرضت في السنوات الأخيرة لتأثيرات جيوسياسية ودينية عميقة نتيجة للحرب في اليمن. الحوثيون، الذين يتبعون المذهب الزيدي القريب من التشيع، حاولوا فرض سيطرتهم على المدينة خلال الحرب اليمنية، وتسبب هذا بمحاولات للتغلغل في المجتمعات المحلية عبر الرموز والرموز التاريخية التي ترتبط بالفكر الشيعي.

يمكننا أن ننظر إلى استخدام اسم الأشتر النخعي كجزء من هذا التغلغل الشيعي، حيث يسعى الحوثيون وأنصارهم إلى إعادة صياغة الوعي التاريخي والديني للمدن التي يحاولون السيطرة عليها، بما في ذلك عدن. هذا يشمل إعادة تفعيل الشخصيات التاريخية التي تعتبرها الرواية الشيعية رموزا للمقاومة والبطولة، حتى وإن كانت هذه الشخصيات محل رفض في السياقات السنية المحلية.
***
وجود اسم الأشتر النخعي في عدن يمثل جزءا من صراع أوسع على الهوية والثقافة في اليمن، يعكس التوترات بين السنة والشيعة، وبين القوى الإقليمية التي تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة. يمكن تفسير هذا الأمر كجزء من استراتيجية سياسية أوسع تهدف إلى تغيير الهوية المحلية في المناطق التي تخضع للتأثير الحوثي. ومع ذلك، فإن المقاومة المحلية التي شهدتها عدن ضد محاولات الحوثيين للسيطرة على المدينة تشير إلى أن هذه المحاولات لم تلق نجاحاً كبيرا، وأن الهوية السنية المدنية لعدن تظل قوية ومتجذرة على الرغم من هذه التحديات.
***
استخدام اسم الأشتر النخعي في عدن يمكن فهمه كجزء من استراتيجية رمزية تهدف إلى تغيير الهوية الثقافية والدينية للمناطق التي تسعى الجماعات الشيعية للسيطرة عليها كما أسلفنا.إنها ليست مجرد مسألة إحياء لاسم تاريخي، بل هو نوع من إعادة رسم الهوية المحلية وفقا لرؤية أيديولوجية محددة. في هذا السياق، يمكن أن يُنظر إلى الاسم كنوع من “الاحتلال الثقافي”، حيث يسعى الحوثيون إلى إدخال رموزهم الخاصة إلى مساحات مدنية كانت تقليديا تتبع مذاهب سنية، محاولين بذلك فرض تصورهم الخاص للتاريخ والدين.
***
يمكن تفسير وجود اسم الأشتر النخعي في عدن كجزء من الحرب الأيديولوجية الدائرة بين الطوائف في اليمن. هذه الحرب ليست فقط معركة على الأرض، بل هي أيضاً معركة على الهوية والموروث الثقافي والديني. الحوثيون، ومن ورائهم الدعم الإيراني، يحاولون ترسيخ وجودهم في المناطق التي لا تنتمي تاريخياً إلى المذهب الشيعي عبر استخدام الرموز والأسماء التي تمثل مواقفهم الأيديولوجية. هذه الخطوة تتزامن مع محاولات التأثير على المناهج التعليمية والإعلام، بهدف إعادة تشكيل الهوية المحلية بما يتوافق مع رؤيتهم.
***
إن استخدام اسم الأشتر النخعي في عدن يعبر عن محاولة لإعادة رسم الخريطة الأيديولوجية والدينية للمدينة، وهي محاولة تأتي في سياق الصراعات الدائرة في اليمن والشرق الأوسط الأوسع. إنها حرب على الرموز، وعلى ما تمثله هذه الرموز في الوعي الجماعي للمجتمعات المحلية، وهي حرب لم تُحسم بعد.
***
من المهم هنا أن نلاحظ أن المجتمع المحلي في عدن، على الرغم من هذه المحاولات، قد أبدى مقاومة شديدة لهذه التغييرات. الحرب التي استمرت ضد الحوثيين في عدن كشفت عن رفض المجتمع المحلي لمحاولات السيطرة الشيعية، حيث اعتبرها الكثيرون بمثابة “غزو” جديد يهدف إلى تغيير هوية المدينة. ومع ذلك، فإن استخدام اسم الأشتر في مثل هذه البيئات يمكن أن يكون إشارة إلى محاولات مستمرة لتحدي الهوية السنية التقليدية التي تميز المدينة.
***
لا يمكن تحليل هذه الظاهرة بمعزل عن التأثيرات الإقليمية والدولية. إيران، من خلال دعمها للحوثيين، تسعى إلى تعزيز نفوذها في اليمن والمنطقة عبر هذه الجماعات التي تشترك معها في الأيديولوجية الدينية. الحوثيون بدورهم يستغلون الرموز التاريخية مثل الأشتر لتعزيز شرعيتهم في مواجهة المجتمعات السنية المحلية، وكأنهم يسعون لإعادة كتابة التاريخ وتقديمه من جديد بطريقة تخدم أهدافهم السياسية.