كتابات

بين مفهومين: الولاية عند الصوفية والشيعة

بين مفهومين الولاية عند الصوفية والشيعة - ثابت الأحمدي
بين مفهومين الولاية عند الصوفية والشيعة - ثابت الأحمدي

بعيدًا عن الجذر اللغوي لمفهوم الولاية واشتقاقاته نتوقف عند المعنى الاصطلاحي لدى الصوفية والشيعة.

الولاية عند الصوفية

مرتبة دينية ذات صبغة روحية، تتحقق للرجل الصّالح الذي يحمل صفة الولي بالمصابرة والمجاهدة حتى يصل إلى مرحلة “الجذب”، والجذب حالة من التفاني الروحي وقد عرفت جماعة من الصوفية بالمجاذيب، أصحاب الكرامات، ولعل أصول هذه الفلسفة تعود إلى “النيرفانا” الهندية، وقد تكون الكرامة ظاهرة يتبرك بها الناس من خلال هذا الولي “المجذوب”، وقد تكون مستترة غير معروفة.

وللولي صفاتٌ كثيرة، فهو “مؤيّد”، وهو “ذو كرامة”، وهو “متفاني/ مجذوب”، وهو “مشفع”، وهو “محفوظ” والمصطلح الأخير يكاد يدنو من مصطلح “المعصوم”، فالنبي معصوم، والولي محفوظ، حد اعتقادهم. واختلفت المدارس الصوفية نفسها في تقدير معنى الحفظ وماهيته ودرجاته.. إلخ.

والولاية مرتبة روحية تسبقها مرتبات عدة، وتلحقها مرتبات أخرى أيضا، وأعلى ما يصل إليه الولي مرتبة “المشاهدة” التي هي التفاني الكلي في الذات العلية. ولابن عربي حديث يطول شرحه هنا. وقبل ابن عربي الحلاج أيضا.

إذن الولاية مفهوم روحي ديني بحت عند الصوفية، بصرف النظر عن التلوين السياسي الذي يطرأ عليه من خارجه؛ فجميع الساسة يتلاعبون بالأديان، بمن في ذلك العلمانيون والملحدون أنفسهم.

 

الولاية عند الشيعة

الولاية عند الشيعة تعني القيُّوميّة، وحقّ التصرف للأئمة للمعصومين في حقّ الخلق، بتفويضٍ إلهي من السّماء. وهم يقسمون الولاية إلى عدة أقسام: ولاية تكوينيّة، ولاية تشريعية، وولاية سياسية. والأولى خاصة بالله عز وجل، كونها تتعلق بالنظام الطبيعي للحياة؛ ويرى البعض أن الله “فوض لبعض أوليائه المقربين التدخل في ذلك، ولكن غير مستقلين عنه”. ووفقا للخميني: إنّ للإمام مقامًا محمودًا ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون. وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل. الحكومة لإسلامية، ص: 52.

أما الثانية والثالثة فمن حق البشر، على اختلاف درجاتهم، فمن بلغ الحُجيّة وجبت طاعته. والولاية لا تكون إلا لآل البيت.

إذن المفهوم سياسي هنا بالمقام الأول، وإن انطوى على بُعد روحي، سماوي.

 

ولاية الفقيه

ولاية الفقيه “النيابة العامة للفقيه الجامع للشروط عن الإمام المعصوم في زمنِ الغيبة لقيادة الأمة الإسلامية وتدبير شؤونها” أي رئاسة الدنيا والدين.

ووفقا للخميني في كتابه الحكومة الإسلامية ص 50.: الولاية تعني حكومة الناس وإدارة الدولة، وتنفيذ أحكام الشرع.

ولكل فقيه ولاية خاصة على أتباعه، والكل مرتبطون بالإمام الولي “المرشد”، صاحب الزمان والمكان، النائب عن الإمام المعصوم الذي عينه الله، وأناط به كل تصرف وتدبير، حسب الخميني في كتابه “الحكومة الإسلامية”. وثمة تفاصيل كثيرة في هذا الكتاب. والكتاب يكاد يكون ترجمة أخرى لكتاب “هذا الدين” لسيد قطب..!

وتذكر الأخبار أن علي خامنئي المرشد الحالي عمل على ترجمة كتاب “هذا الدين” لسيد قطب إلى اللغة الفارسية، علما أن للإمام أبي الأعلى المودودي كتابا بنفس الاسم: “الحكومة الإسلامية”. ومن نافلة القول هنا أن أفكار سيد قطب، هي ذاتها وعينها أفكار المودودي، مؤسس الجماعة الإسلامية المعاصرة في باكستان، مطلع أربعينيات القرن الماضي، ولكن بلغة أدبية رقيقة، قدمها الأديب سيد قطب، خلاف للغة المودودي التقليدية، وهكذا اشتهرت في الوطن العربي على أنها لسيد قطب، نظرًا لشهرة قطب نفسه، خاصة بعد إعدامه عام 66م، ولضعف حضور المودودي في المنطقة. وقد روجت أغلب التيارات الراديكالية الدينية لأفكار قطب، على خلافاتها البينية والداخلية..!