أولا نزف التهاني والتبريكات لقيادات وأعضاء ومناصري المؤتمر الشعبي العام ،إذ يمكن الغفران لجميع القوى السياسية التي أخطأت بحق الشعب والدولة إذا أقرت واعترفت بأخطاءها ،عدى قوى التخلف الكهنوتي العنصري الإمامي. غير أن تناقضات كبيرة داخل المؤتمر الشعبي العام وتاريخه في اليمن. المؤتمر الشعبي العام، كحزب حكم اليمن لسنوات طويلة، قام بخطوات مهمة في إرساء بعض الأسس الديمقراطية مثل الانتخابات والمجالس النيابية، لكنه في الوقت ذاته لم يستطع التخلص من نزعة توريث السلطة والفساد، وهو ما أثر سلبا على سمعته ومكانته.
قد يكون السؤال الأهم هو: هل يستطيع المؤتمر الشعبي العام أن يراجع مواقفه ويطهر نفسه من أخطائه؟ الجواب يعتمد على عدة عوامل. يمكن للحزب أن يتعلم من تجاربه إذا كانت هناك قيادة حكيمة ونقد ذاتي حقيقي. ومع ذلك، فإن تاريخ الأحزاب السياسية يظهر أن عملية التطهير وإعادة بناء الثقة تحتاج إلى وقت وجهود مكثفة، خصوصاً بعد خسارة الثقة من الشعب والخروج عن المبادئ الجمهورية.
الاستيعاب لما فعله الحزب بنفسه، بالدولة، وبالمجتمع يتطلب مواجهة جادة من قبل قياداته وأعضائه، والعودة إلى القيم الجمهورية والوطنية بدلا من الانزلاق نحو مصالح ضيقة. هل سيفعل ذلك؟ الوقت وحده سيكشف.
نقول ذلك في ذكرى تاسيس المؤتمر الشعبي العام.
***
الخلفية التاريخية للمؤتمر الشعبي العام
تأسس المؤتمر الشعبي العام في أغسطس 1982 كحزب سياسي يقوده الرئيس الراحل علي عبدالله صالح. كان الهدف من تأسيسه هو توحيد القوى السياسية المختلفة في البلاد وتوفير مظلة سياسية تشمل الجميع. خلال السنوات الأولى من حكمه، نجح المؤتمر في تحقيق قدر من الاستقرار النسبي في اليمن، وتمكن من إدخال بعض التعديلات الدستورية التي سمحت بإجراء انتخابات نيابية، وهو ما اعتبر في ذلك الوقت خطوة مهمة نحو الديمقراطية.
***
إنجازات المؤتمر الشعبي العام
خلال فترة حكمه، تمكن المؤتمر الشعبي العام من إرساء العديد من الأسس للدولة الحديثة في اليمن. تأسست مؤسسات الدولة وأجريت انتخابات نيابية ورئاسية، وهو ما جعل اليمن تبدو في نظر البعض كمثال للديمقراطية الناشئة في المنطقة. تمكن الحزب من الحفاظ على وحدة البلاد بعد حرب صيف 1994، عندما حاولت بعض القوى الجنوبية الانفصال عن الشمال، مما أعطى انطباعا بأن الحزب قادر على تحقيق الوحدة الوطنية.
كما دعم المؤتمر بعض المشاريع الاقتصادية والاجتماعية المهمة في اليمن، مثل بناء البنية التحتية وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية. ورغم أن هذه الإنجازات كانت بطيئة وغير مكتملة، إلا أنها تمثل خطوات ملموسة نحو تحقيق التنمية في بلد كان يفتقر إلى الكثير من الأساسيات.
***
الفساد وتوريث السلطة
إلى جانب الإنجازات، لا يمكن الحديث عن المؤتمر الشعبي العام دون الإشارة إلى الجوانب السلبية التي شابت حكمه. على مدار سنوات حكمه، أصبح الحزب يعاني من الفساد والمحسوبية بشكل كبير، وهو ما انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. استخدام السلطة لتحقيق مكاسب شخصية وانتشار الفساد في كل مستويات الدولة كان له تأثير كارثي على ثقة الشعب في الحكومة وفي المؤتمر الشعبي العام كحزب حاكم.
أحد أبرز الجوانب التي أثرت سلبا على صورة الحزب هو نزعة توريث السلطة. حاول علي عبدالله صالح تمهيد الطريق لنجله، أحمد علي عبدالله صالح، لتولي السلطة من بعده، وهو ما أدى إلى موجة من الانتقادات والاعتراضات داخل اليمن وخارجه. هذا الميل نحو التوريث أكد للكثيرين أن المؤتمر الشعبي العام لم يكن ملتزما بمبادئ الديمقراطية التي كان يدعي دعمها، بل كان يسعى إلى تثبيت حكم عائلي طويل الأمد.
***
دور المؤتمر في الصراع الحالي
مع اندلاع الثورة اليمنية في عام 2011، بدأ المؤتمر الشعبي العام يفقد تدريجيا هيمنته على الساحة السياسية في البلاد. خروج الرئيس علي عبدالله صالح من السلطة وتوقيع المبادرة الخليجية مثل نقطة تحول كبيرة للحزب. وعلى الرغم من ذلك، ظل المؤتمر لاعبا رئيسيا في المشهد السياسي، خاصة بعد انضمام الرئيس صالح إلى التحالف مع الحوثيين ضد الحكومة المعترف بها دوليا.
تحالف المؤتمر الشعبي العام مع الحوثيين شكل ضربة قوية لصورة الحزب كحزب قومي وجمهوري. فقد انخرط المؤتمر في صراع مسلح مع قوى كانت قد تمردت على الدولة اليمنية وأعلنت عدم احترامها لمبادئ الجمهورية. هذه الخطوة أظهرت بوضوح تناقضات الحزب، حيث كان يدعي الدفاع عن الدولة والجمهورية لكنه تعاون مع قوة انقلابية تهدد الوحدة الوطنية.
**”
مراجعة الذات وفرص التصحيح
السؤال الكبير الذي يواجه المؤتمر الشعبي العام اليوم هو ما إذا كان يستطيع مراجعة مواقفه وإعادة بناء نفسه كقوة سياسية وطنية حقيقية. هذا الأمر يتطلب قيادة جديدة حكيمة قادرة على إجراء نقد ذاتي حقيقي وفتح صفحة جديدة مع الشعب. من الممكن أن يقوم المؤتمر بعملية تصحيح داخلية تشمل تطهير الصفوف من العناصر الفاسدة والتركيز على استعادة ثقة الشعب.
لكن مثل هذه العملية ليست سهلة. تحتاج الأحزاب السياسية إلى وقت وجهود كبيرة لاستعادة الثقة بعد فقدانها. إضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك تغيير حقيقي في الثقافة السياسية داخل الحزب، بعيدًا عن المصالح الشخصية والضيقة. إعادة التركيز على القيم الجمهورية والوطنية يجب أن تكون الأولوية القصوى إذا أراد الحزب أن يظل لاعبا مؤثرا في مستقبل اليمن.
***
آفاق المستقبل
من غير المؤكد كيف سيبدو مستقبل المؤتمر الشعبي العام في اليمن. أحد العوامل الرئيسية التي ستؤثر على مستقبل الحزب هو قدرة قادته على التعلم من أخطائهم الماضية وتقديم رؤية جديدة للمستقبل. إذا كان الحزب قادرا على القيام بعملية إصلاح داخلي جادة، فقد يكون له دور في إعادة بناء اليمن بعد انتهاء الصراع.
على الجانب الآخر، إذا استمر الحزب في التمسك بالنهج القديم القائم على المصالح الشخصية والانتهازية السياسية، فمن المرجح أن يتلاشى دوره تدريجيا، وقد يجد نفسه معزولا عن الساحة السياسية. في النهاية، الشعب اليمني يتطلع إلى مستقبل أفضل، وحزب المؤتمر الشعبي العام يحتاج إلى أن يكون جزءا من هذا المستقبل من خلال الالتزام بمبادئ الجمهورية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
***
في ذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام، يجب أن نتوقف لنفكر في دروس التاريخ. الحزب الذي حكم اليمن لسنوات طويلة، وقاد البلاد في فترات من النمو والازدهار النسبي، كان أيضًا جزءًا أساسيا من التدهور والفشل السياسي. الفرصة الآن أمام الحزب لمراجعة مواقفه وإعادة النظر في دوره في بناء مستقبل اليمن. لكن السؤال يبقى: هل سيستطيع؟!