كتابات

التناص والتجريب في نصوص “لن أدعهم يأخذونك إلى مكان بعيد” للكاتب جازم سيف

التناص والتجريب في نصوص (لن أدعهم يأخذونك إلى مكان بعيد) للكاتب جازم سيف

يحمل النص المفتوح الإمكانية لوجود حالات لانهائية من التفسيرات والتأويلات، ولا يتوقف على معنى واحد محدد، وهذا المعنى الناتج عن تعدد القراءات يتيح قراءات صحيحة يحتملها النص، وتمنحه تجدداً دائماً، فالنصوص المفتوحة بنيات تملك سلطة التحرك الحر والظهور بأشكال مغايرة، ويرى امبرتو إيكو “أنَّ النص المفتوح عبارة عن آلة كسولة تتطلب من القارئ عملاً تعاضدياً، كي يملأ فضاءات المسكوت عنه أو غير المصرح به “(1) .

فالتناص والتجريب تقنيات اعتدَّ بهما الكاتب سيف حيث جاءت كتابته صعبة التجنيس ومنفتحة على نصوص أخرى مستلهمة منها دلالاتها و رمزيتها، لقد اهتمت ثقافة ما بعد الحداثة بالدادية ومناهضة الشكل المنتهي، ودعت إلى الشكل المفتوح على مصراعيه، واللعب الحر بالمبنى والمعنى، والصدفة المصطنعة، والفوضى التجريبية والصيرورة والتداخل والمفارقات، ومن منظورها الفلسفي أنَّها ألغت محدودية المعنى وإمكانية تقريره، وأكّدت على أن الحقيقة ما هي إلا صناعة لغوية، فيمكن لنا أن نقف عند بعض نصوص الكاتب سيف المفتوحة .

يفتتح الكاتب جازم سيف نصوصه المفتوحة بخطة تقوده إلى قُبلة بعيار عاطفي رفيع أرفع من كل معادن الأرض، فالخُطة نجحت عبر مسارات الروعة والتودد لينال قُبلة على محراب قِبلة الهوى المشتهى بعيداً عن أسن الجنون هذا، خُطة نص مختال في الفعل والذهن معا، فالقُبلة لم تأتِ سادية، بل هوسها سيد الموقف، يلاعب، يختال، يرتفع، يدنو ، يُقبل، هكذا سرى وغدا إلى القُبلة.

 أما في نص “لا تتركني ” مناشدة على حافة الروح، يناشد بها امرأة أو سراب، فمفردات (اللهب – التكسر -اللزوجة- الطفو –الضجر)، كلها توحي بالسعير المزمن بمهجة إنسان، وخذلان مبين يهتك به، والبقاء على الهامش كقطعة خشب تطفو على السطح، فالنداء المتكرر (لا تتركني)  بيان صريح دون تورية عن التخلي عند الاحتياج.

صورة غلاف لن أدعهم يأخذونك إلى مكان بعيد، جازم سيف
صورة غلاف كتاب نصوص لن أدعهم يأخذونك إلى مكان بعيد، جازم سيف

وفي نص (أشتري)  دعوة للشراء من أجل البقاء، كأننا في سوق شعبي لا يرتاده إلا المعدمين، نص أشبه بخطة تسويقية لمن لا تسويق لهم يبيعون الخبز، المكانس، الأغطية، التحف، الصحف، لكنهم لا يبيعون وطن.

 أيضاً في نص ( لن أدعهم يأخذونك إلى مكان بعيد) الذي عنونَّ الكاتب به نصوصه المفتوحة هذه، ارتكز هذا النص على منحيين أساسيين ضمن مسار واحد مرتبط بالوعي المفضي إلى البوح حيث جاء المنحنى الأول متعلق بخطاب ذاتي، تأملي، داخلي )مونولوج)، وخطاب آخر مرتبط بخطاب مُرْسَل نحو وجهٍ آخر للمتكلم والذي قد يمثله حبيب أو وطن أو غيرهما.

وأخيرًا في نص(منحنى الأشياء) فلسف الكاتب سيف عناصر الطبيعة، و تذوت في مكنونات الداخل النفسي، و حايث مصطلحات علم الاجتماع والسياسية، لينتج لنا رؤى وأطر أكثر أتساقاً واتساعاً في نظرتها للقضايا الكبرى، متحررة من أبوية التنظير، تكد كثيراً في المغايرة و التناص، إجمالاً العمل الأدبي البديع بصيرة إنسانية متقدة تتدفق في شريان الانتاج الإنساني لتغذي الحياة بمعناها العادل، نصوص تطرح ألف سؤال عن جواب مالح، لم يروِ عطش النص المتأمل في أفق الذات وتفاعلها مع ما يحيط بها، وفق سياق متأمل مغموس بعواطف مرهفة أرخت بدفئها على بنية النص.(2)

الهوامش :
النص المفتوح في النقد العربي الحديث، دكتور عزيز الموسوي ، ط1، الدار المنهجية، عمان – الأردن،) 2015م  (بتصرف).

 قراءة نقدية في نصوص ( ماذا لو أطعمتك قلبي) للكاتبة إيمان زياد، مجلة مختبر السرد الفلسطيني ( بتصرف).ع

عبدالفتاح إسماعيل الخضر

قاص وناقد