خاص| انزياحات
يعيش المشهد الثقافي اليمني أزمات مركبة تعود إلى ما قبل مرحلة الحرب التي تعصف بالبلاد اليوم. فما هي مشكلة العقل الثقافي اليمني، ومن المسؤول عن هذا التردي الحاصل؟
إن المشهد الثقافي اليمني يعاني من غياب الفعل الثقافي الفاعل، حيث تُعتبر هذه الأزمة نتيجة لتراكمات تاريخية وسياسية واجتماعية عدة. من أبرز هذه الأزمات:
انهيار المؤسسات الثقافية: يفتقر اليمن إلى مؤسسات ثقافية قوية ومستدامة تضمن استمرار الفعل الثقافي. فالمسرح شبه غائب، والسينما معدومة، والموسيقى تراجعت بشكل كبير. حتى الفنون التشكيلية التي كانت تمثل بارقة أمل تلاشت تقريباً.
نقص الدعم المالي والفني: يعاني الكتاب والمؤلفون من صعوبة في طباعة كتبهم ونشرها بسبب نقص الدعم المالي والفني. وزارة الثقافة تكتفي غالباً بالشعارات السياسية أكثر من الفعل الثقافي الفعلي.
التعليم الجامعي يعاني من تدهور ملحوظ جراء تطييف حركة أنصار الله (الحوثيين) للمناهج التعليمية. هذا التدخل يؤثر سلباً على نوعية التعليم ويحد من تطور العقل الثقافي اليمني.
المثقفون التنويريون في اليمن محاربون ومُستضعفون، مما يحد من قدرتهم على المساهمة في إثراء المشهد الثقافي.الغيبوبة الذهنية: تتفشى الغيبوبة الذهنية في المجتمع كالنار في الهشيم، مما يؤدي إلى تقهقر الفكر والثقافة والفنون.
أسباب التردي الثقافي
يسيطر على الثقافة والتعليم في اليمن اليوم فئات تفتقر إلى الفهم العميق للثقافة والفنون العصرية. سواء في الجانب الانقلابي أو في جانب الشرعية، تعيش هذه الفئات في حالة تخلف قصوى.
الشمولية في كل من الشمال والجنوب قبل الوحدة كانت السبب الرئيس في عدم تقدم العقل الثقافي اليمني. كل طرف يبرر شموليته بطريقته الخاصة، مما أدى إلى انعدام التنوع والحرية الفكرية. يزيد الطين بلة إن هذه الشمولية تتجدد وتستمر!
منذ قيام الثورة في عام 1962 وحتى اليوم، عانى اليمن من صدمات سياسية متزايدة ومتواصلة، سواء في الشمال أو الجنوب. هذه الصدمات أدت إلى تدهور الحياة الثقافية وكذا الاجتماعية.
غياب الدعم المؤسسي الحكومي للثقافة والفنون أدى إلى تراجع الإنتاج الفكري والفني، بما في ذلك الفلسفي والمسرحي والسينمائي والدرامي.
الحال أن المشهد الثقافي اليمني يعاني من أزمات مركبة تعود إلى تراكمات تاريخية وسياسية واجتماعية .لذا من الضروري العمل على إصلاح هذه الأزمات من خلال تعزيز المؤسسات الثقافية، دعم الكتّاب والفنانين، إصلاح التعليم الجامعي، تمكين التنويريين، تشجيع الفنون التشكيلية، وإطلاق مجلات ومنصات جديدة. أما التحديات فهي كبيرة ولكن ليس مستحيلا التغلب عليها إذا ما تم التعامل معها بشكل هادئ وعلمي. يجب أن يكون الهدف هو إعادة تفعيل النهضة الثقافية وتعزيز التعددية الفكرية والحرية الثقافية في اليمن.فضلا عن تقديم الحقائق ، وليس المهاترات.
مسارات الإصلاح
من الضروري العمل على إنشاء وتعزيز المؤسسات الثقافية المستدامة، مثل المسارح ودور السينما ومراكز الفنون والموسيقى. يجب أن تكون هذه المؤسسات مدعومة مالياً وفنياً بشكل كافٍ لضمان استمرار نشاطها.
تقديم دعم مالي وفني للكتّاب والفنانين لضمان قدرتهم على إنتاج ونشر أعمالهم. يجب أن تكون هناك برامج تمويل ومشاريع تعاون بين الجهات الحكومية والخاصة لدعم الإنتاج الثقافي. مثلا: لماذا لا يكون لوزارة الثقافة مطبعة خاصة ؟
يجب إصلاح التعليم الجامعي ليكون أكثر تفتحاً وتنوعاً، بعيداً عن التدخلات السياسية والدينية. يجب تحديث المناهج التعليمية لتعكس القيم التنويرية والفكر العصري.
تمكين المثقفين التنويريين ودعمهم لممارسة دورهم في إثراء المشهد الثقافي. يجب حماية حقوقهم وتوفير بيئة تتيح لهم التعبير بحرية عن أفكارهم وآرائهم.
إعادة إحياء الفنون التشكيلية من خلال إقامة معارض فنية وورش عمل ودورات تدريبية للفنانين الناشئين. يجب أن يكون هناك دعم مالي وفني للفنانين لتطوير مهاراتهم وإنتاج أعمالهم.
تشجيع إطلاق مجلات ثقافية ومنصات ثقافية فكرية جديدة تساهم في نشر الأفكار التنويرية والفكر التقدمي. يجب أن تكون هذه المجلات والمنصات مستقلة وممولة بشكل جيد لضمان استمراريتها.
يجب أن تلعب النخب الثقافية دوراً فعالاً في توجيه المشهد الثقافي نحو التقدم. يجب أن يكون لهذه النخب صوت قوي ومؤثر في رسم السياسات الثقافية والتعليمية.
حلول مفصلة للإصلاح
لإنشاء وتعزيز المؤسسات الثقافية المستدامة، يمكن اتخاذ الخطوات التالية: يمكن البدء بترميم المسارح القديمة وبناء مسارح جديدة في المدن الكبرى مثل صنعاء وعدن وتعز. دعم إقامة مهرجانات مسرحية وسينمائية سنوية لعرض الأعمال الفنية المحلية والعالمية. اضافة الى تأسيس مراكز تدريبية للفنون والموسيقى، بحيث تكون مجهزة بأحدث التقنيات وتديرها فرق محترفة. يمكن تقديم ورش عمل ودورات تدريبية للفنانين الموسيقيين والمسرحيين والفنانين التشكيليين.
اما عن دعم الكتّاب والفنانين، فلتقديم دعم مالي وفني للكتّاب والفنانين، يمكن تنفيذ المبادرات التالية:
تخصيص ميزانية من قبل الحكومة والمؤسسات الخاصة لتمويل مشاريع الكتاب والفنانين. يمكن تنظيم مسابقات ثقافية تمنح الفائزين جوائز مالية وفرص للنشر.
ولذا ندعو لتشجيع التعاون بين الجهات الحكومية والخاصة فلتعزيز الشراكات بين وزارة الثقافة والشركات الكبرى لرعاية الإنتاجات الفنية والثقافية،يمكن تنظيم فعاليات مشتركة تساهم في دعم الفعل الثقافي.
كما بشأن إصلاح التعليم الجامعي، يمكن اتباع الخطوات التالية:تحديث المناهج التعليمية، عبر تشكيل لجان مختصة من الأكاديميين والمثقفين لتحديث المناهج الجامعية بما يتماشى مع القيم التنويرية والفكر العصري. يجب أن تشمل المناهج مواضيع متنوعة تشمل الفلسفة، العلوم الاجتماعية، والفنون، مع اقامة دورات تدريبية للأكاديميين، تشمل دورات تدريبية وورش عمل لأعضاء هيئة التدريس لتطوير مهاراتهم التعليمية والتدريبية.كما يمكن دعوة خبراء دوليين لتبادل الخبرات والأفكار أيضا.
ثم لتمكين المثقفين التنويريين ودعمهم، يمكن اتباع الإجراءات التالية:حماية حقوق المثقفين بإصدار قوانين تضمن حرية التعبير وتحمي حقوق المثقفين التنويريين. يمكن إنشاء هيئات رقابية مستقلة لضمان تنفيذ هذه القوانين.
إن إنشاء منصات إعلامية وثقافية تتيح للمثقفين التنويريين التعبير عن أفكارهم وآرائهم بحرية يوفر البيئة الداعمة لهم
يمكن دعم إقامة ندوات ومؤتمرات ثقافية تتيح لهم التواصل مع الجمهور. وإعادة إحياء الفنون التشكيلية
تحديات كبرى
يجب تشخيص التحديات الثقافية في اليمن بهدوء ودون تشنج. هذا يتطلب دراسة معمقة للأسباب والنتائج واقتراح حلول عملية وواقعية.يجب العمل على إعادة تفعيل النهضة الثقافية التي تعطلت منذ قيام الثورة في عام 1962. هذا يتطلب إصلاحات شاملة في كل من الشمال والجنوب والعمل على إزالة الحواجز السياسية والاجتماعية التي تحول دون التقدم الثقافي.
التغلب على الشمولية في الضفتين الشمالية والجنوبية من خلال تعزيز التعددية الفكرية والحرية الثقافية وإتاحة الدمقرطة. يجب أن تكون هناك بيئة تتيح لجميع الأفكار والتيارات الثقافية التعبير بحرية عن نفسها، دون ترهيب أو إقصاء.
واولا واخيرا :
إيجاد التناغم بين الدين والعلمانية في الفكر الثقافي اليمني. يجب أن يكون هناك حوار بناء بين التيارين بدلاً من التنافر والصراع.
نناشد الرئيس العليمي ورئيس الوزراء التوجية إلى وزير الثقافة بدعم انزياحات وكوادرها” الذين يتعففون عن أكل الجيف “اذا كنتم حقا تزعمون دعم الادب والثقافة والمبدعين اليمنيين.فيما المنصات التي تبدو كالضباع تجد دعما مهولا بآلاف الدولارات من منظمات كما نعرف.