في ظل سلسلة الأكاذيب الممنهجة التي تسعى إلى تشويه سمعة اليمن وتاريخه العريق، يبرز حديث حمود الأهنومي، القيادي في مليشيا الحوثي، كواحد من أبرز الأمثلة على الفكر العدائي والتشويه المتعمد الذي تعتمده هذه الحركة. يظهر الأهنومي في خطابه وكأنه يقدم “اكتشافاً تاريخياً”، إلا أن ما قاله ليس سوى نسخة مكررة من الأكاذيب التي تروج لها السلالة الهادوية عبر القرون لتبرير سيطرتها على اليمن وإخضاع أهله.
ففي حين يحاول الأهنومي تلميع صورة “الهادي” يحيى حسين الرسي، بوصفه مُصلحاً جاء إلى اليمن لينقذها من الفساد والرذيلة، يغفل عن عمد التاريخ الحقيقي لهذا الشخص الذي لم يكن سوى طاغية طُرد من بلاد فارس ومن قِبل الدولة العباسية، بسبب محاولاته للتآمر والخيانة بدعم فارسي. فمجيء الرسي إلى اليمن لم يكن بدافع الإصلاح أو الدعوة إلى الفضيلة، بل كان هروباً من الملاحقة وطلباً للنجاة في جبال صعدة، التي استغل كرم أهلها وأخلاقهم النبيلة ليتسلل إلى السلطة عبر الحيلة والخداع.ثم تفنن في الفتنة بين القبائل كلها وجعل كل قبيلة تضرب قبيلة أخرى ، حتى خارت قوى القبائل جراء حروبها المتوالية مع بعضها فكان الفراغ الذي سنح له اقتناص الفرص المتاحة والحكم بالمسيدة.تلك هي الحقيقة ، أما هذه الرواية التي يروجها الأهنومي تجسد النهج المتعالي والمتغطرس الذي تتبناه السلالة الهادوية ومليشيات الحوتي الحالية، حيث يكررون دوماً فكرة أن اليمنيين كانوا غارقين في الفسوق والفجور قبل قدوم أجدادهم “المصلحين”، وهذا التوجه ليس سوى محاولة وقحة لتبرير التسلط والهيمنة واستعباد الشعب اليمني.
تاريخ الإمامة في اليمن حافل بالمجازر والنهب والسلب، وكل ذلك كان تحت شعارات دينية زائفة تستمد قوتها من التفسير الملتوي للكتب القديمة التي كتبها السلاليون على مر القرون. والآن، تأتي مليشيا الحوثي لتعيد إنتاج هذا التاريخ الأسود وتروجه بين صفوف أتباعها لتثبيت شرعية زائفة قائمة على الأكاذيب والإساءات المتكررة لليمنيين.
خطاب الأهنومي ليس مجرد سقطة فردية كما يحاول البعض تصويره، بل هو انعكاس حقيقي لعقيدة الإمامة التي أعادت مليشيا الحوثي إحياءها. فاتهام اليمنيين بالفساد والرذيلة هو جزء من استراتيجية تهدف إلى ضرب الهوية اليمنية والتمهيد لإعادة فرض هيمنة الإمامة التي لا ترى في اليمنيين سوى أتباع يجب إخضاعهم وقهرهم.
وعلى الرغم من أن التاريخ الحقيقي للإمامة لا يدعم هذا الادعاء، إلا أن مليشيا الحوثي تواصل الترويج لهذه الأكاذيب عبر مؤسساتها الإعلامية والتعليمية، وتعمل على تشويه الوعي الجمعي لليمنيين من خلال إعادة طباعة كتب التراث الهادوية التي تحمل بين طياتها بذور الكراهية والتفرقة.
يجب أن نرفض بشدة مثل هذه الخطابات، وأن ندرك أن الأهنومي وغيره من أبواق مليشيا الحوثي ليسوا سوى أدوات تستغل التاريخ لتبرير حاضر مليء بالعنف والإرهاب والفساد. اليمن ليس كما يصوره هؤلاء المتطرفون، فقد كانت أرض الحضارة والتسامح على مر العصور. فبدلاً من الترويج لأكاذيب تحاول تصوير الشعب اليمني كأنه غارق في الفساد قبل قدوم الإمامة، علينا أن نتذكر أن اليمن كانت دائماً مهد الحضارات، وأنها رغم التحديات والأزمات ظلت صامدة بفضل إرادة أبنائها وعزيمتهم.
إن الحديث عن تاريخ الإمامة وزيف ادعاءاتها يقتضي مراجعة دقيقة وشاملة لما كتب في كتبهم عبر التاريخ، وتفكيك هذه النصوص بما يكشف حقيقة الجرائم التي ارتكبها أجدادهم بحق الشعب اليمني. فمنذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها أقدام الرسي أرض اليمن، بدأ في تنفيذ مخططاته للاستيلاء على السلطة، مستغلاً الدين كغطاء لتحقيق أهدافه السياسية والدنيوية.
الزيف الذي يروج له الأهنومي وغيره من قادة مليشيا الحوثي يعكس أزمة أخلاقية وفكرية عميقة. ففي حين يحاول هؤلاء أن يلبسوا ثوب المصلحين الدينيين، فإن أفعالهم على الأرض تكشف حقيقة نواياهم. فهم يتحدثون عن الفضيلة بينما يمارسون القتل والتدمير والنهب بشكل يومي، يعتدون على حقوق اليمنيين وحرياتهم ويستغلونهم في صراعات لا تنتهي.
اليمن ليست كما يصورها هؤلاء، وأهلها لم يحتاجوا يوماً إلى أئمة ظالمين ليعلموهم الأخلاق أو الفضيلة. بل على العكس، اليمن كانت على مر العصور موطناً للكرم والاحترام والتسامح، وقبل قدوم هؤلاء الطغاة كانت أرضها تزدهر بالحضارة والتقدم. وما فعله الرسي ومن جاء بعده هو محاولات مستمرة لتدمير هذا الإرث العظيم من خلال نشر الفتن والانقسامات.
حمود الأهنومي ليس سوى رمز صغير لعقيدة أكبر تستهدف تدمير كل ما هو يمني لصالح مشروع سلالي ضيق لا يعرف سوى الاستغلال والسيطرة.
للأسف، حمود الأهنومي ومن هم على شاكلته من قادة مليشيا الحوثي يعيشون في وهم من الأكاذيب التي يروجون لها بأنفسهم. محاولاتهم لتشويه اليمنيين وتصويرهم كشعب كان غارقاً في الرذيلة والفساد قبل قدوم المجرم يحيى الرسي إلى صعدة ليست سوى انعكاس للعقلية الاستعمارية التي ورثوها عن أجدادهم. لكن التاريخ والحاضر يشهدان أن اليمنيين كانوا دائماً وسيظلون رمزاً للشرف والنخوة والمروءة.
اليمن بلد عريق، يحمل تاريخاً طويلاً من الحضارات العظيمة التي أثرت العالم بأسره. شعبه معروف بالكرم والشجاعة والنبل، وبقيمه الإنسانية التي تتجاوز كل الحدود الجغرافية والدينية. إن الأهنومي وغيره ممن يروجون لهذه الأكاذيب ينسون أو يتجاهلون أن اليمنيين هم من بنوا حضارة سبأ ومعين وحمير. كانوا قادةً في العلوم والفنون والتجارة، ولديهم تاريخ طويل من الحضارة قبل أن تطأ أقدام الرسي وأتباعه أرض اليمن.
من السخيف بل والمثير للاشمئزاز أن يحاول الأهنومي تحويل التاريخ لإعطاء شرعية للهيمنة الإمامية والحوثية، وكأن قدوم الرسي كان حلاً لمشكلة أخلاقية مزعومة. الحقيقة أن الرسي لم يكن سوى دخيل طامع استغل الظروف السياسية في اليمن ليحقق أهدافه الشخصية، ولم يكن له أي دور في تحسين أوضاع اليمنيين. بل على العكس، فإن مجيئه كان بداية لفترة طويلة من الاضطهاد والظلم التي عانى منها الشعب اليمني لعقود طويلة.
ما يثير العجب هو الجرأة التي يتحدث بها الأهنومي عن “إصلاح” مزعوم، بينما تتحدث أفعال مليشيا الحوثي الحالية عن شيء مختلف تماماً. هذه المليشيا لم تأتِ بشيء سوى الخراب والدمار. لقد أغرقت اليمن في حرب دموية لا هوادة فيها، قتلت فيها الأبرياء، ودمرت البنية التحتية، وجعلت اليمنيين يعانون من أسوأ أزمة إنسانية في العالم. كيف يمكن لمثل هؤلاء أن يدَّعوا أنهم ورثة أخلاق أو فضيلة، في حين أنهم هم من يدمرون أخلاق الشعب اليمني وينتهكون حقوقه كل يوم؟
اليمنيون لم يكونوا في يوم من الأيام بحاجة إلى “إصلاح” من قوى ظلامية مثل مليشيا الحوثي أو من أجدادهم الأئمة الذين عاشوا على دماء الناس وأرزاقهم. على مر العصور، كان اليمنيون رمزاً للشرف والمروءة والكرامة. قيم القبيلة والتضامن الاجتماعي والكرم هي جزء من الهوية اليمنية التي لا يمكن أن تمحى بمرور الزمن. وقد أثبت اليمنيون، رغم كل الظروف القاسية التي فرضتها عليهم مليشيا الحوثي، أنهم يتمتعون بصلابة وعزيمة لا تهزم.ا
لمرأة اليمنية التي يحاول الأهنومي الإساءة إليها في خطابه هي رمز للشجاعة والصمود. في كل قرية ومدينة في اليمن، تقف النساء إلى جانب الرجال في مواجهة الصعاب، وتشارك في بناء المجتمع ودعمه. كانت ولا تزال شريكة في النضال الوطني، وأسهمت في مقاومة الاحتلال والظلم والاستبداد. المرأة اليمنية التي يسيء لها الأهنومي وأمثاله هي نفسها التي كانت ولا تزال حاملةً لراية الكرامة والحرية، وما زالت تقف شامخة في وجه الظلم والاستعباد.
عندما يحاول الأهنومي تصوير اليمنيين وكأنهم كانوا غارقين في الفسوق قبل قدوم الرسي، فإنه بذلك يُظهر جهله العميق بالتاريخ اليمني. اليمنيون كانوا معروفين بالقيم النبيلة والأخلاق العالية حتى قبل مجيء الإسلام، وتلك القيم تعززت أكثر بعد انتشار الدين الحنيف. هذا الشعب العظيم لم يكن يوماً بحاجة إلى أئمة متسلطين أو قادة طغاة ليعلموه الأخلاق، فقد كانوا منذ القدم يتمسكون بمبادئ الشرف والكرامة والمروءة.
الأهنومي وغيره من قادة الحوثي يعمدون إلى تشويه هذا التاريخ المشرق لأنهم يدركون أن إحياء الذاكرة اليمنية الحقيقية يشكل خطراً وجودياً على مشروعهم السلالي الضيق. هم يدركون أن الشعب اليمني إذا ما استعاد وعيه الحقيقي بتاريخه العريق وهويته الحضارية، فإنه لن يقبل أبداً بالذل أو التسلط، وسيقف بكل قوة في وجه من يحاول استعباده أو السيطرة عليه.
لقد رأينا عبر التاريخ كيف كان اليمنيون يقاومون الطغاة والغزاة بكل شجاعة وبسالة. سواء كان ذلك في مواجهة الاستعمار أو في وجه الأنظمة الظالمة التي حاولت فرض سيطرتها بالقوة، ظل اليمنيون دائماً يقفون إلى جانب الحق والعدالة. واليوم، في مواجهة مليشيا الحوثي وأفكارها الظلامية، لا يزال اليمنيون يظهرون نفس الصمود والتحدي.
إن محاولات الأهنومي ومن خلفه من قيادات الحوثي لن تنجح في طمس هوية الشعب اليمني أو تشويه صورته. فاليمنيون هم أصحاب الأرض والتاريخ، وهم أدرى بشؤون بلادهم وأهلها. ولقد أظهروا في كل مراحل تاريخهم أنهم لن يسمحوا لأي قوة خارجية أو داخلية بأن تسلبهم كرامتهم أو تحط من شأنهم.
على الأهنومي وغيره أن يدركوا أن أكاذيبهم لن تجد طريقاً إلى قلوب اليمنيين أو عقولهم. اليمنيون يعرفون حقيقتهم وحقيقة تاريخهم، ولن ينخدعوا بمثل هذه الروايات الباطلة التي تهدف إلى تمجيد الطغاة وتبرير الظلم. الشعب اليمني يرفض بشدة هذه الإساءة الممنهجة لشرفه وكرامته، وسيظل دائماً متمسكاً بقيمه النبيلة وبتاريخه المجيد، وسيقف بكل شموخ في وجه من يحاول تشويه صورته أو النيل من عزته وكرامته.
إن ما يفعله الأهنومي ومن على شاكلته لن يزيد الشعب اليمني إلا قوة وصموداً في وجه الظلم. فاليمنيون هم أصحاب الحضارة والإرث، وليسوا بحاجة إلى من يعلمهم الفضيلة أو الأخلاق. التاريخ يشهد على ذلك، وحاضرهم يؤكد أنهم لا يزالون يقفون بشجاعة في وجه كل من يحاول النيل من وطنهم أو كرامتهم.
نقلا عن المصدر أونلاين