خلدون نعمان.. عالم الآثار النبيل
هناك شكوك قوية تشير إلى أن تصفيته لم تكن صدفة بل نتيجة مباشرة لجهوده في فضح خلية تهريب آثار
في رحيل الدكتور خلدون نعمان، تخسر اليمن علماً شامخاً من أعمدة العلم والتراث، وأحد أبرز الأصوات المدافعة عن التاريخ والهوية اليمنية. كان الدكتور خلدون من الشخصيات البارزة في مجال دراسة الآثار والنقوش في جامعة ذمار، حيث ترك بصماته ليس فقط في الساحة الأكاديمية، بل في معارك الحياة التي خاضها دفاعاً عن التراث اليمني من براثن التهريب والنهب الذي طالت أياديه العديد من الكنوز الحضارية التي تروي قصة هذا البلد العريق.
بدأ الدكتور خلدون مسيرته العلمية بالتفاني والاجتهاد، حيث تخرج من جامعة صنعاء وحصل على الدكتوراه من إحدى الجامعات الإيطالية الدولية الرائدة /جامعة بيزا/ في مجال الآثار، ليعود إلى اليمن ويبدأ رحلة من العطاء العلمي في جامعة ذمار، والتي شهدت على الكثير من أبحاثه ودراساته التي كانت تهدف إلى الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية وصون ما تبقى من آثارها.
لكن حبه للتراث اليمني لم يكن مجرد عمل أكاديمي، بل كان نضالاً حقيقياً من أجل حماية تلك الكنوز من التهريب والسرقة، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. وقف الدكتور خلدون في وجه العديد من المحاولات المستميتة لتهريب الآثار اليمنية إلى الخارج، وكان له دور كبير في كشف العديد من الشبكات التي كانت تسعى للمتاجرة بتاريخ اليمن، وقد أدى ذلك إلى تعرضه لتهديدات مستمرة، خاصة من قبل جماعات متورطة في تهريب الآثار والمدعومة من قوى مرتبطة بالمليشيات الحوثية.
لم تكن هذه التهديدات مجرد كلمات عابرة، بل تزايدت حدة الضغوط عليه، لا سيما بعد نجاحه في كشف خلية تهريب كبيرة كانت تعمل في الخفاء لتفريغ البلاد من تراثها. تلك الخلية التي كانت على علاقة مشبوهة بأطراف متعددة، كانت تسعى لتصفية الحسابات مع الدكتور خلدون بشتى الطرق.
في الأيام الأخيرة من حياته، استمر الدكتور خلدون في التمسك بمبادئه وأخلاقه، رغم التهديدات المتواصلة التي لاحقته. حتى جاءت اللحظة الحزينة، حيث فارقنا بطريقة مشبوهة، ما يثير التساؤلات حول ملابسات وفاته. هناك شكوك قوية تشير إلى أن تصفيته لم تكن صدفة، بل نتيجة مباشرة لجهوده في فضح تلك الخلية التي كانت تمثل خطراً على تراث اليمن الثقافي والحضاري.
برحيل الدكتور خلدون، فقدت اليمن رمزاً من رموزها النبيلة، وعلماً لم يكن يخشى الوقوف في وجه من يسعون لنهب تاريخها. إن غيابه يمثل خسارة فادحة ليس فقط لجامعة ذمار ولطلابها، بل لكل من يعمل في مجال الآثار وحماية التراث.
ترك الفقيد إرثاً عظيماً من العلم والمبادئ التي ستظل خالدة في ذاكرة كل من عرفه وقرأ عن إنجازاته. نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان. اليمن ستظل مدينة له بوقوفه الشامخ في وجه كل من حاول تدمير تراثها ونهب كنوزها.
في نهاية المطاف، نأمل أن تستمر مسيرته النضالية عبر الأجيال القادمة من الباحثين والعلماء، الذين سيحملون راية الدفاع عن التراث اليمني بكل فخر، تماماً كما فعل الدكتور خلدون نعمان حتى آخر لحظاته.