حميد الشامي
منذ زمن بعيد ومن حقب تاريخية متفاوتة والمسرح في العالم العربي تتناوبه طعنات المهرجين والعامة
حيث انزل هؤلاء مفهوم المسرح الى ادنى وظائفه “التهريج” ومحاكاة السذج من الجمهور المتلقي..
وحدث هذا بذائقتهم المشوهة وسطحيتهم ومواهبهم غير المحصنة بالمعرفة وعدم المامهم باتجاهات الفن والفلسفة وادواتهما وترابط وتداخل الفنون مع بعضها.
وكانت اولى هذه الطعنات من الوسط الفني المصري وعلى راسه كبار الفنانين الكوميديين الذي قد نقدر بعض اعمالهم وخصوصا” التلفزيونية “منها. حيث وبدون دراية روج هؤلاء وغرسوا في ذاكرة المتلقي ان المسرح مجرد خشبة لقول النكات وافتعال الحركات البلهاء وتمرير عابر وعبثي سخيف لقضايا كبرى في احيان أخرى دون اثرا يترك.
وبصفة مصر وجهة محببة لعشاق وهواة التمثيل عموما
ولها تأثير بالغ في الثقافة العربية المعاصرة
صدر للمتلقي العربي المسرح معلبا بالضحكات وسطحية الطرح واغفال المادة الأدبية وكذلك التقنيات الفنية من أضاءه او ديكور واخراج وابهار يمكن ان يصل بهذا الفن مفهومة ومعناه الواسع في مخاطبة اعماق النفس البشرية منذ وليم شكسبير حتى برنادشو.
وهكذا صار مفهوم المسرح في بعض البلدان العربية سطحيا وساذجا بلا روح او معنى ولم ينجو من هذا المأزق الوجودي الرائج الا القليل من العاملين في الحقل الفني العربي في بلاد المغرب العربي او العراق وسوريا
حيث ترافق المسرح مع التجارب الأدبية والابداعية الحقيقية من رواية وقصة ونص شعري بكل تفاصيل الدهشة والتقصي والتأمل والطرح لتجليات الوجود الإنساني المتعدد والفاعل و”الفرد “.
وكان لهذه التجارب المغايرة والنخبوية تأثير ملموس على تغيير المفهوم السطحي سالف الذكر للمسرح في العالم العربي.
وهنا نشير لضرورة ملحة يحتاجها الوسط الفني والأدبي والنخب المهتمة لاقتفاء اثر تجارب ملهمة في اطار “المفهوم الحقيقي والعميق للمسرح” ويمكن عمل هذا بالطرح الإعلامي المستمر وتفعيل النقد البناء وحث العاملين في مجال التمثيل في العالم العربي بتبني اعمالا ادبية راقية لطرحها على الخشبة ومحاكات اعمالا ادبية عالمية جعلت الفن بشكل عام والمسرح بشكل خاص جزء من حياة المجتمعات والثقافات الأخرى المتقدمة
وهذا ليس بالمستحيل او الصعب
اذ يمكنني الجزم ان تقديم بضع ممثلين من مصر او سوريا او غيره لمسرحيات تدربوا عليها في معاهد التمثيل او كليات الفنون التي يتخرجون منها كفيلة بالانتصار على الغثيان المسرحي الرائج الذي لا تلبث القنوات التلفزيونية العربية او خشبات المسرح الحي على تلويث المجال البصري والسمعي للمتلقي العربي “الشغوف” المهتم والواعي بضرورة ان يصبح الفن بشكل عام غاية واسلوب حياة
لا مكانا للتكسب والنعيق وتقديم المعاقون جسديا او فكريا اطباقا من الفكاهة والحمق لمتلقي ارعن.