اتذكر له :
“يموتون في منتصف الحلم
أولئك العاشقون الغيارى
يموتون مكتوفي الأعين
إلى
جذع
البكاء”
من الشعراء الأفذاذ الذين اختفوا عادل ابو زينه ، تجمعني بعادل لحظات سريعة مرة في مقيل اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين في شارع الرقاص، ثم بعدها بعامين بالمصادفة في قهوة الشيباني في الصافية ، حيث شربنا شاي ملبن بعد القات ودارت الأسئلة عن الحال والاحوال.
اتذكر كان الدكتور عبد العزيز المقالح قد بشر بموهبة عادل ابو زينه في مجلة اصوات مطلع التسعينيات وذلك في دراسة ، بعنوان (من الجديد إلى الأجد) قراءة في تجربة الشعراء الشبان.
قال المقالح إن شعراء قصيدة النثر (الأجد) لا ينتمون إلى جيل واحد .. إنما هم خليط من شعراء العقود الثلاثة : السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات . وقال إنهم يختلفون في المراوحة بين كتابة قصيدة التفعيلة وكتابة النص الأجد ، أي أنهم لم يحسموا الاختيار بآتجاه تكريس الكتابة الجديدة .
أنهم – والمقصود هو المبدع الحقيقي منهم –” لا يهربون من الوزن ومن القافية ، جهلا بهما ، لكنهم يهربون من التقليد ، وبحثاً عن فضاء رحب خال من القواعد التي تفرضها الذاكرة والمسايرة والمحاكاة ، لا الحياة واللغة والشعر” .
المقالح أكد إن” كتاباتهم لا تصدر عن انفعال ذاتي أو رغبة في المخالفة ، وإنما تصدر عن موقف إبداعي ، وليد نظرة شاملة للحياة ، والإنسان والعصر ، والكتابة نفسها “. ومن هؤلاء بل على رأسهم عادل ابو زينه، و” إن ما يجمع هؤلاء الشعراء – شأن الشبان من شعراء الأقطار العربية – هو المشروع الحداثي الشعري بأكمله لا الشكل وحده
***
سفر في جبهة القيامة
عادل أبو زينة
سماء مفتوحة دوماً ، مساء مذبوح الأريج ، نساء يخطرن ، وأدغال ، مخلوقات طارئة ، أبواب موصدة مثل قلوب بنات الحارة ، فضاء ، بحر ، شمال ، كهنة ، سلم مكسور الدرج الثامنة التي توصل إلى قلبي ، طقوس ، مفاتيح ذهبية لبيوت من طين ، شوارع تخالف مواقيت النبض ، سعال ، الرعشة جزء من النص ، حبيبتي لم تولد بعد .
صراخ / منفي يحن إلى منفي وبينهما وطن من غبار ، وطن من جنازات وتجار خشب ، ضريح يعتمر كوفية ، هذا عام الحصاد الآدمي ، شعراء يموتون بعشوائية ، سفلة وزناة يتألقون تماماً ، كل ذلك يحدث عندما يقترب الخريف من الأسئلة ، هل يكفي ماء الروح العذب ، وهراءات الحبر المؤمن ، الرغيف جبل من عذابات ، الحضارة كومة من القش ، البحر وطن الروح ، ومعراج الغزالة صحو، خطوات في الغربة ، في الدخان ، مرايا ، امرأة تلعن نعاس القمر ، هذي امرأة من خيوط العشية ، مقابر ، أبجديات ، جذع ، بخور ، شمس زبرجدية ، تشرق من مؤخرة فلس ، دمعة مدمية الأفق ، أحصنة تشعشع من أحشاء الرمل ، مواسم تنهال على صخر ذاكرتي ، شمعة في برزخ الماء ، سفر في جبهة القيامة ، قتال ، متاريس رملية تحمي تمر عيني من أفواه النمل ، خطايا ، ما الذي تكسبه المدن من طرد قلبي خارج الكرة الأرضية ؟ لا أحد يثير محبتي ، عدن عصفورة ، الضحى بلا ذاكرة ، هل خضراء ذاكرة الفجر ؟ البكاء موحش لكن ماذا أعمل سواهُ ، ثرثرة في درب أعمى ، قناديل باردة ، حسناء تغرق في النيل ، سد مأرب يعيش بلا غريقة مسكين ، أول سد في التاريخ يعيش أعزب ، وهذا منذ حوالي ألف وتسعمائة وفأر، تجلدني دقات القلب ، قلبي العامر بالحقد ، غبراء ملامح الخديعة ، الأنهر تشرق من عنقي ، حرية الخوف ، الحرية امرأة ، بنت ، نخلة . وثن . طيف . قصيدة ، برقوقة بكاؤها شمع ، مروق أبدي ، شظايا روح ، هذي دموع الكلام .
***
لولا الانطولوجيا الرائعة التي أنجزها الشاعر اليمني الكبير محيي الدين جرمة وصدرت في الجزائر بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية لعام 2007، وحملت عنوان ” خيال يبلل اليابسة” لما اهتدينا لقصائد ونصوص عادل ابو زينه
عادل أبو زينة، من مواليد صنعاء، عام 1973.
عضو إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
صدر له:
أشياء الطائر، شعر.
***
ميناء الجدة
هكذا مروراً بالحدائق ونكاية بالشياطين
الحنين أستوطن ضفة الحلم
وأنا قارب خشبي أبحرت
طويلاً حتى وصلت أكتاف جدتي.
***
اسم الموديل
ما أصعب الصعلكة
أمرحي اذن أيتها الجرذان الشريدة
أيها المرفأ العجوز.
***
مؤتمر الذاكرة
كانت الكلاب الوليدة للتو
رفيقة
ذكرياتي القديمة
الآن نريد خلاصة اللحظة.
***
قميص آخر
أنا حفيدك الملول أيتها النهارات الشريدة
أفتش عن بلاد غريبة لا تأكل الحنين
حنيني
إلى
جذع شجرة
وإلى نهار.
***
غيِّر الحارة
نافذةٌ تطلُّ على جدار
هكذا رأيت صوتي حاملاً
شهوة الإنتحار.
***
شجرة الجوز
مذاق طفولتي حامضٌ
أحسّه ينبض بالوحشة تحت لساني
طفولة الآخرين صاخبة ومعتمة الثياب.
***
سنة 2000
هذا عام الحصاد الآدمي
شعراء يموتون بعشوائية
سفلةٌ
وزناة يتألقون تماماً
كلَّ ذلك يحدث عندما
يقترب الخريف من الأسئلة.
***
المواقيت
1
يموتون في منتصف الحلم
أولئك العاشقون الغيارى
يموتون في النزع الأخير
مكتوفي الأعين
إلى جذع
البكاء.
2
الرمل المحروق
يزرع نداه
في صفاء القلب
العروق المخضرة عشقاً
تنزف وجع الدم
حروف كهرمانية الشوق
تنوح الشك الإنساني.
3
شوق كوني
ينثر شذاه
في ذرى المخيلة
قرباناً لهذي المواقيت
لهذا السطوع
لكل هذا البهاء
أيها المحرومون الغيارى
لمن يدمع العشب
ويغفو على الصدر حريق.
***
أشياء الطائر
1
منذ هطول دمعتي
الأولى في هذا الصقع البارد
كانت العذابات صوتي وملح الوجود
هي تمدّني بصهيل الرؤيا
وأنا أدوّن في شفاه الورد وصيتي
كيف يعشق كاهن الماء شرود الأضاحي
يا خبز الرحلة
أيها الدم
أرى فيك شكل عذابي وصوت الغياب
أجد في حطام البدايات طعم فمي
أيتها المنسيات القادمة:
هل تقبلين شهادة الصحو
وارتباكات امرأة
الشهقة الآدمية تؤجل الكبد هذا إذا لم تخدش
سطور الذاكرة
صنعاء تحفر بطنها حتى يئن خيالي
المدن شجر طارئ ونساء عاطلات.
2
تعز تطل من فوهة الحلم وتغرق في ماء العشب القليل
ـ هي ـ اكتمال الغرابة
ودهشة الجبل
ننحدر من أعالي حفاةً سوى من الألسنة والكلاب
تعرّج قليلاً صوب المدينة حيث الأرصفة
وحشية الملامح
ودامعة النهود
تنحدر صوب الكهوف المعمورة على أكتاف العابرين
عبور مدهش قليلاً وكابي معظم الأحيان
هل من خيطٍ سحريٍّ يغير مجرى الوجوه
يحول بين كبدي والسعال.
لهذي المدينة أساطير لم تكتمل في جنبات الجسد
المرايا تزرع جذورها في شرودي وتذبل
أيتها المدينة الفرح أعرف أن امرأة
لملمت حزني من شتات الأصابع
لكن وجهي مبعثر في المرايا
أدرك أيتها المدينة الأرجوان بأن خيل الضحى يهادن غباري
هأنذا أعجز للمرأة الموت عن فك حصار دمي
أشق لجوعي متسعاً في جدار الملل
أحفر بشراهة وصمت
أحفر حتى تئنّ الرئة
ما زال الحنين الآدمي للتصعلك يشدني إلى حوافي الحبيبة
أفرش وجه عدن وأنصب خيمتي الفاترة
الولوج إلى واحة الذات يتطلب تعباً خرافياً
ومشقة معتدلة.
نعم كلها متاعب صعب أن تهيم ليلاً وعبثاً
تحاول الدندنة.
3
شيطان ما يحرض المسافات التي تخترق
أوصال الدم يحرضها على التجمد والبلادة
لعدن جرح ذاكرتي المضيء كوكب وأرخبيل
أحدهما أتسلق إليه بحنين ولهفة وآخر
يطردني من رحمة النمل هكذا أؤسس مداميك الخدعة
وأجعل من أرض الشهقة مشغلاً للبنات
حين ألج التراب أخلع قميص الحضارة وأتّشح المسرّة
فقط
ثمة بعوض صخري يطارد رائحة القلق
أبتعد قليلاً عن المسرح
أهشّم صدر الرائحة
وأستخرج من رذاذ احتضاري نافورة الفرح
هكذا تؤرجح السحابة خيالي
وأنسرح في الصلاة
ما لهذه الحكاية تؤجل إنتصاري مراراً ونكاية
أحاول التمترس في خندق الخرافة
والإحتماء بجذع الوريد
هكذا مروراً بالحدائق ونكاية بالشياطين
الحنين أستوطن ضفة الحلم
وأنا قارب خشبي
أبحرت طويلاً حتى وصلت أكتاف جدتي
آه
لكن لم ترمقني ضفة ولم يكسرني حلم
طويل هو السفر
سفري هو المستحيل الذي لم ينضج بعد
ما أصعب الصعلكة
ما أرخص النزيف
أمرحي إذن أيتها الجرذان الشريدة
أيها المرفأ العجوز:
أنخ حطام العذابات فوق ساقي اليابسة
أيها المرفأ المبتعد في المتاهة
أناديك منذ فجر البكاء حتى طعنة النصر
أنخ زبرجد الغربة
فوق كاهل المسافر نحن شركاء معاً في الصراخ
الحنين الصاعق ذاته يشدني إلى الأرخبيلات المستحيلة
كيف أحرك حجر المستحيل
وأزحزح فنارة البحر
قليلاً عن سفح قلبي
أنضويت تحت لواء البرد.
والآن أتسمعني
يا بحر
أتذكر ليلة الأصدقاء
لقد ركضت بشوق
ركضت ملء القمر