هويّتكم هي اليمن
«1»
أيها اليمنيون، ليست هويّتكم المذاهب أو الجماعات أو الجهويات القبلية أو المناطقية، اخجلوا قليلاً، ولتستبصروا.
إن هويّتكم هي اليمن، اليمن التي تكاد أن تتلاشى من إيماض عيونكم النبيلة المنكسرة، وعليكم أن تتجذّروا بها فقط لتنبعث جذوتها من جديد بكل أمل يصر على تماسكه ولا يجعلكم تنجرفون وراء الأوهام والأمراض الكبرى ما قبل الوطنية.
إن هويّتكم في إطار اليمن هي أنكم فقراء، فقراء يتم استغلالهم وتغذيتهم بالعنف ضد بعضهم؛ لذلك يجب أن يعي الفقراء مواطنتهم كي يجبروا الدولة على أن تكون قوية بلا فساد ومنحازة إلى مصلحتهم كشعب، دولة تصونهم من بعضهم ليتعايشوا وينتجوا بقانون وبعدالة وبكرامة وبحريات وبحقوق، دولة تعيد سوية اليمن واليمنيين كما ينبغي، لا دولة تتركهم في مهب الريح نهباً لاستغلالات أمزجة العنف والعصبويات وتسييس الدين وتجريف الدولة واستلاب الذات وتكريس العمى واليأس الجماعي وتشظّي كل شيء. فقط وحدها الأحلام التي لا تنتهي تأخذ بقلوبنا المفجوعة دائماً؛ وإذ دائماً تبرز لنا المحطّات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأكثر مرارة وقهراً وتدميراً، فيستمر التشاؤم ينط على رؤوسنا هكذا بلا شفقة، إلا أن إرادة بعث الدولة والحياة الوطنية السويّة مازالت تتحفّز في قلوب ملايين اليمنيين.
«2»
شعبٌ بأكمله كغريب على قارعة الطريق..
شعبٌ مأهول ببراءته الخبيثة وهو يمارس ألفة الندم من الانتظارات
شعبٌ مهجور ومفقود أيضاً
فيما البلاد التي غرست أحلامها المعقّدة في وجوم الريح، صارت بكل عفوية وابتهاج تمدح تمزّقاتها العميقة لتحصد ضياعنا الحميم والمتراكم.
بلادٌ هاذية ومخطوفة وبلا عينين ضاحكتين..
بلادٌ طيبة وبلا رأفة
تغدق الأعراس للجنائز فقط.
***
الموسيقى كسموٍّ وجداني
«1»
ليس ضرورياً أن تكون صارماً لتنجو؛ يمكنك أن تكون مبتسماً وأنت في عزّ نهكك، أن تطنّش قضايا البلد الرثّة والجحيمية قليلاً فقط لتتجدّد روحك وتستطيع المقاومة و…
صدّقوني: المثقّفون والسياسيون الذين لا يبتهجون بالموسيقى؛ هم سبب خراب هذه البلاد، وتحديداً لكونهم كالصخور بلا حس.
«3»
يقول «نيتشة»: من دون الموسيقى؛ الحياة ستتحوّل إلى غلطة، وأكرّر أن أحلام الإنسان هي ما تقود أوركسترا الحياة، فالحياة بهذا المعنى هي مجموعة من عازفي الأدوات الموسيقية لأحلام البشر..!!.
أي أن كل تلك النغمات الحلمية الأزلية، هي معزوفة إنسانية واحدة.
«4»
أجزم أن الرابط بين المتطرّفين والانغلاقيين من الناحيتين الدينية أو الاجتماعية في عالمنا اليمني هو عدم سماعهم إلى الموسيقى والأغاني الراقية، هناك من يحرّمها، وهناك من يحتقرها كما نعرف، مع أنها تمثّل السمو الوجداني والحافز الموضوعي لتنمية الإحساس بالانفتاح والتذوُّق والتسامح والسلام أيضاً، وبالتالي فإنها لغة مثالية للتواصل وقياس حركة تطوّر المجتمع.
إن الموسيقى والغناء الراقيين يحرّران ويخصبان المخيّلة، وأما الذين يحرّمون الموسيقى والفن الراقي؛ فإننا نعجب من قحالة أرواحهم؛ خصوصاً أولئك الذين يبتهجون من تحليل منطق الإرهاب والموت، ولا يهتز لهم جفن في المقابل.
***
هدف اليمن الجديد
أثق أن الجيل اليمني الجديد لن يقع فريسة للكذب الأيديولوجي، فهذا الجيل هو المتحدث الرسمي باسم المستقبل، يميل إلى استيعاب المتغيرات، كما يصر على المحبة والمواطنة والمدنية والشراكة والحق والعقل.
لذلك أتوقع أن ينخرط جيل الثورة في الشأن العام بقوة، كما أتوقع نشوء أحزاب ثقافية واجتماعية مفاجئة في اليمن، إضافة إلى تكتلات مدنية شابة حقوقياً وتنموياً، تتقاطع بالتأكيد مع مشاريع الكهول المرسخين الراكدين إبداعياً في هذا الجانب.
الثابت أن لهذا الجيل دلالاته النفسية والأخلاقية التي مكنته من الإحساس السليم بعدم رعاية الاستبداد أو الارتهان لكل المكرورات التي بلا قيمة، مقابل الاحتفاء اللائق بالتغيير ومتطلباته.
والمقصد أن موازين القوى في المجتمع اليمني لابد أن تتغير لصالح الشباب عموماً؛ بصفتهم الطاقة القوية والفاعلة، فيما المهم أن يتجاوز جيل الثورة عوائق التناقضات القليلة التي بينهم فكرياً وسياسياً، وليتصرفوا وفقاً للمعتقد الوطني فقط، مخلصين للشفافية وللشجاعة في جميع ممارساتهم العامرة بإرادة التقدم والتنوير.
كذلك هذا الجيل المحمل بالبشارات مرتبط بالامتياز الثوري المجلجل؛ إذ على الرغم من كل المثبطات والنقائص والتشوهات بالطبع يبقى باستطاعته جيداً اقتحام معركة إثبات وجوده بجمالية حلمية، هي من محاسن الحرية التي صنعت حدث الثورة الفارق في حياتنا المعاصرة، حتى صارت الحرية – بسبب الشباب وحدهم – من أكثر تمظهرات هذه الثورة انتشاراً.
ويبدو معروفاً بالتأكيد أنه الجيل الذي كان منبوذاً، وقد صار أكثر وثوقاً واحتراماً لوعيه، الجيل غير المصاب بلوثة التماثل التي أعاقت عديد أجيال عن تجاوز الراسخ المعرفي، الجيل الذي يبدو متطابقا تماماً مع هدف اليمن الجديد.
***
مثقفون بنكسات مخزية
ما بين عامي 2011 و2014 تعرّت المستويات النفسية والمعرفية والوطنية للمثقف اليمني.. ولقد تكثف الفعل السلبي للمثقف مع كل هذه التحوّلات في أنه بلا موقف تام ومبدأي من أمراض مجتمعه اللا وطنية لتكون النتيجة مثقفين بنكسات مخزية، ووجوه بلا ماء.
في المقابل هناك نماذج إيجابية مشرّفة من المثقّفين لا ينكسرون أو يمارسون المداهنة والانحناء، كما لا يجعلون حسّهم الثقافي رهناً لإملاءات السياسة بأمراضها ما قبل الوطنية.
ولكن مع شيوع مختلف الأنمطة الشوهاء والمأزومة في إدارة الدولة والمجتمع يحدث أن نشهد انهيارات فادحة لمثقفين فضّلوا الاستسلام لمحمولات هوياتهم الجهوية العصابية ومشاركة سحق أحلام المشروع الوطني الكبير واعتبار الجماعة والحزب هما الوطن مع شرعنة انحرافهما وتكريس مظاهر المثقّف الانتهازي والمستلب.
وهكذا انحصرت مهام هؤلاء في إعادة إنتاج المشاريع الصغيرة والمغلقة لكياناتهم، آملين الحماية الاجتماعية والسياسية التي يوفرها لهم هذا الانحياز البدائي الرث.. والشاهد هو أن هذه التحوّلات هي التي جعلت النُخب في حالة اختبار كبيرة؛ ما يستدعي منها تبيان موقفها من ظواهر العنف والصراع السياسي والاجتماعي بكل وضوح وبلا مراوغات.
فمثلاً شاعر قصيدة النثر الحداثي الذي كان من أبرز المناضلين من أجل الحقوق والحريات والدمقرطة؛ تحوّل إلى داعية لحق الولاية، كما أن المفكّر الوحدوي الماركسي العلمي الكبير؛ أصبح شوفينياً قروياً مخبولاً ينتج الضجيج ولا يجلب سوى الهزء..!!.
وفي السياق تحوّل الأكاديمي التنويري الرائد الذي كفّرته إحدى الجماعات الأصولية قبل ثلاثين عاماً إلى أبرز المنظّرين لها؛ لمجرد أنها تعادي من يختلف معهم مذهبياً، وأما مفاهيم مثل «النهضة والتقدم» فقد صارت “لا تؤكل عيشاً” و“لا تؤمّن مستقبل الأولاد” ما أفضى إلى احتقارها من قبل عديد مثقّفين أيضاً. كل هذا الانحدار ـ بالطبع ـ لا يعني عدم وجود مثقّفين عصاة على الإخضاع، بل العكس. نحتاج إلى بناء مجتمع المواطنة والعدل والمدنية والشراكة رافضين أن نكون مواطنين من الدرجة الثانية، وما يهم في المقام الأول من اجل ذلك هو دعم اتجاه المحاسبة والمساءلة والنقد والكشف والشفافية. يخدعون أنفسهم إذ يعتقدون بأن العنف هو النهج الأفضل لممارسة السلم، كما يؤمنون بأن تسلّطهم يؤسّس لمجتمع الشراكة والعدل.
***
افتحوا النافذة
بالتأكيد يبقى الخوف مشروعاً من استمرار الأداءات مثلما في السابق دونما مزايا محترمة أو تجديد يليق؛ إلا أننا سنبدي تفاؤلاً كبيراً رغم كل شيء، وليس من أسباب واقعية للتفاؤل في اليمن؛ إذ لا يمكنك بسهولة الاحتفاظ بصفاء رؤيتك للأحداث والتوقّعات إلا بصعوبة بالغة.
فقط وحدها الأحلام التي لا تنتهي تأخذ بقلوبنا المفجوعة دائماً؛ وإذ دائماً تبرز لنا المحطّات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأكثر مرارة وقهراً وتدميراً، فيستمر التشاؤم ينط على رؤوسنا هكذا بلا شفقة، إلا أن إرادة بعث الدولة والحياة الوطنية السويّة مازالت تتحفّز في قلوب ملايين اليمنيين – رغم كل المعوّقات في هذا المنحى بالطبع – مؤزّرين بأحلامهم المثخنة الشاقة، تلك الأحلام شديدة الاستبسال والإصرار العجيب.
ولذلك فلتفتحوا النافذة، افتحوا نافذة الأمل، ولا تتملّصوا أو تتغافلوا أو تؤجّلوا المهام الملحّة بعد الآن.
كونوا إيجابيين، ولا تعزّزوا من سلبية النزاعات أو عدم الثقة أكثر، فالمغالطات أو المناورات ستنفضح في أقرب اختبار لا شك، ويبدو واضحاً أن الأزمات التي تتوالى تكاد تصيب البلد والشعب بالفشل والانهيار تماماً؛ إذ يكفي كاهل البلد والشعب مختلف الأعباء التي تراكمت على نحو مخيف.
***
نشوة المبتسمين المكدودين
«يا صديقي.. بعض الثمار وفية لبراعمها؛ فعندما تكتمل ولا يلتقّفها أحد تتماسك بعفّة وتضمر وتنهي دورة حياتها بأثر جميل؛ فقط الثمار الرخوة القابلة للتعفُّن تسقط إلى الأرض وتنغمس في الوحل وتكتسي بعطب عفونة الزهو والادعاء، لا تحفل كثيراً بالمتساقطين والمتساقطات؛ سيتكفّل الوحل بوضع النهاية الملائمة لحياتهم، يبدو أننا نهرول إلى سجال عبثي نحن في غنى عنه؛ لسنا بحاجة إلى أن نتنازع حول صكوك الوفاء والوطنية والشرف؛ فقط من يفتقر إليها سيستبسل كي يثبتها في نفسه، الوطن أكبر من كل العابرين والمقيمين بالإيجار، هناك سبل أمثل للعمل النافع بعيداً عن النكايات ومقالات طبخ الشرفاء؛ أظننا سنتوسل المنهج في الحديث والتعبير، هذه طريق أنت تعرفها أكثر من غيرك».
دائماً سأظل أعتز بتلك الرسالة المفعمة بالإرادة والاستبصار، رغم انطوائها على شيء عميق من النهك في زمن العماء، الرسالة الأيقونة التي كانت قد وصلتني من صديقي الجميل المهاجر في فرنسا مصطفى ناجي «الجبزي» أعرف أن غصّته شاسعة كالبلاد، أعرف أيضاً أن البلاد تضيق عليه كخرم إبرة؛ وبالتأكيد ليس لنا ـ كما يعرف جيداً ـ سوى نشوة المبتسمين المكدودين بذلك النوع من الوجع الشّهي باللهفات والفقدانات، إضافة إلى اقتسام الخسارات الحلمية الشهمة – والمكابرة بالضرورة – بالعدل، وبالعدل فقط. للأسف كل مراكز القوى والنفوذ من الأطراف السياسية واللا سياسية، كلهم بلا استثناء تنافسوا ويتنافسون على من يقهر اليمن أكثر.تعبنا وتنفعل أحلامنا كلما هبّت الريح أو ارتبكت النجوم من نظراتنا المحتدمة بالنسيان.
***
الدولة عاطفة وعقل
هل الشعور بالانتماء إلى فكرة الدولة مجرد عاطفة عابرة أو انها عاطفة وعقل معاً يترسخان كلما عرف الفرد أهمية فكرة الدولة وضرورتها ؟
نحتاج إلى بناء مجتمع المواطنة والعدل والمدنية والشراكة رافضين أن نكون مواطنين من الدرجة الثانية، وما يهم في المقام الأول من اجل ذلك هو دعم اتجاه المحاسبة والمساءلة والنقد والكشف والشفافية.
بالتأكيد لن تتجلي سعادتنا الوطنية إلاعبر تحقق المشروع الوطني.. المشروع الذي بإمكانه وحده أن يجابه كل أصناف الإعاقات وينقذ الدولة والمجتمع من متواليات الانهيارات القيمية الرهيبة جراء تفاقم هشاشة الدولة وخواء المجتمع على كل المستويات.
المشروع الذي يحتاج إلى إرادة وقدرة من أجل استعادة الدولة قبل أي شيء وثقة المجتمع بالدولة التي ستحقق الأمان والديمقراطية والمدنية والمواطنة .
أخشى فقط أن نلف وندور ونجد أنفسنا في ذات مشكلة الاستغلال والصراع وعدم إنفاذ القانون في ظل تغول أو نشوء طبقة هيمنة جديدة كما يقول التاريخ مع كل زوال لطبقة هيمنة قديمة .
لكننا تعلمنا من ستيفان بيبو الفيلسوف والمنشق المجري المشهور عن نهج الاستبداد العام 1946م ، بأنه في دولة يشملها الخوف وتؤكد أن تقدم الحرية يعرض مصالح الأمة للخطر، ليس في استطاعة المرء أن يستفيد على نحو كامل من المزايا التي تقدمها الديمقراطية.. فأن تكون ديمقراطياً يعني أساساً ألا تكون خائفاً، ألا تخشى أولئك الذين لديهم آراء مختلفة أو يتحدثون بطريقة مختلفة، أو ينتمون إلى أعراق مختلفة، لقد خافت بلدان شرق ووسط أوروبا لأنها لم تطور أنظمة ديمقراطية ناضجة بشكل كامل، ولم تستطع أن تطور أنظمة ديمقراطية ناضجة بشكل كامل لأنها خائفة”.
***
تلك المعضلة!
«1»
يخدعون أنفسهم إذ يعتقدون بأن العنف هو النهج الأفضل لممارسة السلم، كما يؤمنون بأن تسلّطهم يؤسّس لمجتمع الشراكة والعدل . على أنهم يحتاجون إلى دمج حقيقي في الحياة الوطنية كي يتجاوزوا تراكمات كل هذا الوعي المشوّه الذي ترعرعوا فيه. وبما أنهم لايستوعبون الحاجات المعاصرة للمجتمعات والدول فإنهم يميلون لمعاداة فكرتي المجتمع والدولة على وجه الخصوص. طبعاً كل ماسبق يمثّل معطيات استغلالهم السياسي للدين ببعده المتطرّف وجائحة الارهاب التي تتفاقم في مجتمعاتنا باعتبارها النتاج الطبيعي لتلك المعطيات الآثمة أيضاً. والحاصل أن الأيديولوجية الجهادية بشقيها السني والشيعي تتطابق في خضم ذات المعطيات من خلال تمجيد العنف وتضييق فرص التعايش ومحاصرة الحاضر ووأد المستقبل وتشويه الدين واحتكار فهمه والانتشاء بالتخلف واحتقار التحديث..إلخ . وهكذا جيلاً بعد جيل نتأكد أن أرباب هذا النوع الأسوأ من استغلال الدين جشعون إلى السلطة فقط وامتيازاتها الرمزية والمعنوية، وهم حين يريدون أن يعتاد المجتمع على العنف وتمثّلاته لأنهم لايعيشون سوى في هذا المستنقع العنفي الذي يأملون أن يكون اعتيادياً ويستحق الحفاوة ، فإنهم يستمرون بالمحصلة أكثر دأباً على اختزال الواقع في رؤيتهم المحدودة والنمطية والمغلقة للواقع نفسه، بينما لا ينتجون خطاباً دينياً حضارياً جديداً وخلاقاً أكثر حيوية وموضوعية وسلاماً بحيث أن إعادة الاعتبار الروحي والعقلاني للدين من شأنه أن يقطع عنهم شريانهم الوجودي كما يعتقدون ؛ على أنها المعضلة الكبرى التي تعيقهم عن الاقرار بالداء المتأصل ومعالجته نحو التشافي والتحول والارتقاء، وهي معضلة متجذرة تعيقنا بالمقابل عن التحرر من وعيهم الهمجي الأرعن والمأزوم الذي يتوسع باسم الدين للأسف.!
«2»
صدّقوني.. المنظر البديع لأطفال المدارس كل صباح يدين كل حملة السلاح في هذا البلد ويستنكر في الصميم تواطؤنا المخزي كمجتمع تجاه كل ماتزخر به اليمن من كم هائل وفظيع من السلاح!
***
يتربّصون ببعضهم و بأحلام الشعب
-1-
تذكرون شعارهم الاستغلالي المسعور «يد الله تحطّم العلمانية» .. اليوم وحدها العلمانية من «تُفارع» بين التطرفين، السنّي والشيعي الذي يدمّر المجتمعات والدول.. ألا فلتحيا علمانية المواطنة والكرامة والحريات والتعايش والتمدّن وسعادة الشعوب.
-2-
لا أسوأ من الوعي السياسي الاستغلالي للدين سوى الوعي السياسي الاستغلالي للدين (عرقياً).
لكن تخيّلوا فقط لو كانت أسرة آل سعود هاشمية مثلاً: ماذا سيكون موقف آل الحوثي اليوم منها؟ ثم تخيّلوا لو لم يكن الخميني هاشمياً، هل كان الحوثي سيُلهم به كنموذج بالمقابل؟.
لذلك حين نعمل قطيعة مع إرث الاستيلاء على الشعوب باسم الدين – بنماذج الأمويين والعباسيين والعلويين إلخ – يمكننا حينها فقط أن نكون مجتمعات حرّة ومعاصرة وذات اعتبار.
-3-
للأسف كل مراكز القوى والنفوذ من الأطراف السياسية واللا سياسية، كلهم بلا استثناء تنافسوا ويتنافسون على من يقهر اليمن أكثر، وإذ يكتظ بهم تاريخ الرعونة والانتقام، يتربّصون ببعضهم و بأحلام الشعب.
الفاسدون القدامى والفاسدون الجدد.. الأوغاد القدامى والأوغاد الجدد.. الأغبياء القدامى والأغبياء الجدد: تتفاقم انشراخات الدولة والمجتمع كل يوم بسبب مكائدهم وأنانيتهم .
***
سنظل نتمزّق في هذه البلاد
-1-
هذا أوان الحزن الناضج
والخبل الناضج
والحكايات الناضجة
لا خلاص لنا غير الاحتفاء بالشغف المثخن بالفقدان
أو بالخيبة الممتلئة بالشغف.
لكن ماذا يفعل الموتى في رغباتنا، وماذا تفعل الحرب في الذاكرة العفوية وتأويلاتها..؟!.
نحن الذين خلقنا لكل هذه التعاسة الرائعة كما للضوء المتغلغل والهائم في انطفاء خطواتنا العابرة للمنافي.
تعبنا وتنفعل أحلامنا كلما هبّت الريح أو ارتبكت النجوم من نظراتنا المحتدمة بالنسيان.
تعبنا والعواء الذي ينثال من أغنياتنا لا يحرس العمر من وساوس العمر.
لذلك سنظل نتمزّق في هذه البلاد التي بلا عاطفة وهي تطاردنا كالظل فيما طمأنينتنا الخاصة أن نعاند ونبتسم ونحن نندفع في اتجاه الحريّة التي أبداً لا تجيء ولكننا لا نريد أن نصدّق..!!.
-2-
تسمّمتُ شوقاً وتقيّأت حنيني..!!
-3-
بكيتُ طويلاً على جثّتي.. ورقصتُ..!!
-4-
هؤلاء الرجال الشجعان قدّموا أرواحهم بسخاء لأناس استغلّوهم ولم يؤمنوا بهم أبداً؛ حتى مقابرهم مجهولة وجثثهم بلا هوية.
مقطع من فيلم نسيت اسمه
-5-
دائماً لا مستقبل مبشّر مع سلطة من نتاج الحرب.
الراحل المقيم عمر الجاوي
***
هذا زمن الغموض كله
هذا زمن الانهيارات اليومية المتفردة والقيادات الخُلَب.
هذا زمن التحولات الأكثر من مقلقة.
هذا زمن شديد الوطأة على مستهلكي ومنتجي الحلم.
هذا زمن نبالات الهشاشة والأسى.
هذا زمن الموتى الرائعين.
هذا زمن الشمس بالغة الحلكة.
هذا زمن الجرح المخلص جداً.
هذا زمن التاريخ وهو يدافع عن نفسه.
هذا زمن التهليل للخونة.
هذا زمن الجميع وهم يفاجئون الجميع.
هذا زمن الفاشية وهي تبتسم في وجهك.
هذا زمن الكواليس المجنحة.
هذا زمن الذين لا يحبون بقلوبهم ولا يفكرون بعقولهم.
هذا زمن السلاح السلمي.
هذا زمن الأغاني الضيقة.
هذا زمن الابتهاج على طلل.
هذا زمن المخاطرات المتفائلة.
هذا زمن الفقاعات الناسفة.
هذا زمن الغموض كله.
يقول نصر حامد أبوزيد : «إذا رغبنا في أن نظل بشرًا فليس أمامنا إلا طريقًا واحدًا ألا وهو الطريق إلى المجتمع المفتوح. ويتعين علينا أن نثابر في المجهول، واللايقيني وغير الآمن، مستعينين بما قد يخططه لنا العقل بقدر إمكاننا من أجل الأمان والحرية معًا».
***
من مكائد التاريخ
من مكائد التاريخ انه دائماً يتم استغلال وقوع أشياء لتبرير وقوع أشياء.. وهكذا: لايتوقف التاريخ هازئاً.. من مكائد التاريخ التحذير من مكائد المستقبل.. من مكائد التاريخ عدم الاحتراز من مكائد الحاضر.. من مكائد التاريخ أن الذين يريدون الحريات والحقوق هم أفظع من يقمعونها.. من مكائد التاريخ ان المغامرين يدأبون على الاستخفاف بالقرارات المصيرية ويغامرون بجدية.. من مكائد التاريخ ان الجماهير لاتستعيد ثقتها بالجماهير بمايتماشى مع روح الجماهير كجماهير.
من مكائد التاريخ ان الضمير الوطني تائه عن الضمير الوطني.. من مكائد التاريخ ان النخبة العمياء تتلذذ بكونها نخبة عمياء.. من مكائد التاريخ حكاية الاستبداد العادل.. من مكائد التاريخ ان الذين يزعمون احتكار الوطنية هم اكثر من يقومون بخيانتها.. من مكائد التاريخ ان يطفح الكيل ونفضل عدم التعبير عن طفح الكيل حفاظاً على مشاعر طفح الكيل.. من مكائد التاريخ ان مراكز النفوذ والامتيازات هي اكثر من يتجدد داخل مجتمع مسلوب بالدولة الجامدة.. من مكائد التاريخ ان تستمر الدولة مصابة بوباء المجتمع المستفحل والعكس أيضاً تحقيقاً للمكائد المتساوية بالمقابل.. من مكائد التاريخ ان المجتمع دائماً مايكون غير جاهز للتغيير الذي يتوق اليه كمجتمع دائماً.
من مكائد التاريخ ان لدينا من مكائد التاريخ مايكفي ويفيض ومع ذلك لايمكننا ان نفهم كون «الجميع يعملون مع الجميع ضد الجميع»حسب مايبدو.