الفراق والتشرد هما من أقسى التجارب التي يمكن أن يعيشها الإنسان، ويزداد الألم عندما يكون السبب هو الظلم والاستعباد. صديقي التاريخي سكرتير تحرير انزياحات- همدان زيد- هو مثال حي لهذه المعاناة. ترك صنعاء هرباً من الاعتقالات التي يفرضها مقاتلو أنصار الله، ليفر إلى عدن بحثاً عن الأمان لعائلته. ولكن، رغم البعد، لم تتركه الأقدار دون لمسة من الفرح والحزن المتشابك. في اليوم التالي لوصوله إلى عدن، ولدت ابنته، وحُرِم من رؤيتها لأول مرة.
غداً، تصل أسرته قادمة من صنعاء، ولأول مرة سيرى طفلته التي وُلِدت في غيابه. غداً سيواجه فرح اللقاء مع أسرته الصغيرة التي كانت بعيدة عنه. ورغم السعادة المنتظرة، هناك دوماً تلك اللحظات المؤلمة التي ترافق الفراق والتشرد.
عندما ودعته هذه الليلة، كان يستعد للقائه المنتظر، وعيناه تلمعان بدموع مختلطة بين الشوق والألم. لقد فضل أن ينام هذه الليلة استعداداً للقاء أسرته في بيته الصغير الجميل، إذ كنا نسكن معا في شقة واحدة، وأنا، رفيقه في هذا الألم، لم أتمالك دموعي عند وداعه.
إنها لحظة تجمع بين الفرح والحزن، لحظة تتجسد فيها قوة الإنسان على التحمل والصبر، وهي في نفس الوقت تذكرنا بقسوة الظروف التي تفرق الأحباب وتشتت الأسر. همدان زيد ليس مجرد شخص يعيش هذه التجربة، بل هو رمز لمعاناة الكثير من الأسر اليمنية التي تواجه نفس المصير.