كتابات

فتحي أبوالنصر والشعر بدلاً عن الجنون

أحمد عبدالزهرة الكعبي - انزياحات
أحمد عبدالزهرة الكعبي - انزياحات

“الجنون يحيط بالعقل من كل الجهات”

لودفيغ فتغنشتاين

 

كان كافكا نباتيا الأمر الذي لاينطبق على فتحي . ففتحي ونتيجة الصعلكة الدائمة والدوران بين الأرصفة والعلب الليلية (مع الأسف طبعا ) تجده من مفترسي اللحوم وليس من الحق ان نجعله في خانة النباتين حاله حال المقبور كافكا . ولكن حين أقرأ لهذا الشاعر الإنسان احس إني أتجول في حقول كافكا الأدبية ؛ الكتابة لدى فتحي ترتبط بجنونه ؛ فتراه يفرض على المتلقي أسلوبه الفني ومعانيه المتفردة حيث لايشاركه أحد في نوعية الأفق المطروح ولست أراهن على أن نصوصه الشعرية التي تحتفل بنهايات قلقة ومتورمة على علاقة وطيدة بكتابات كافكا المبتورة التي تفتقر الى النهايات .

 

لأنني لم اسر وراء جنازة أحد

غمرتني الفواحش البيضاء وأشعرتني الحكمة بالغثيان

وحيدا كماء يتيم

تأملتني مرتين فانحنى دمي وسلكني درب العناكب

الكلمات ميتاتي وطعام الذين لا اعرفهم

 

لم ألتق بأحد يخرج عما يقوله الآخرون عنه ؛ فتحي الشاعر المجنون الذي يصطدم بمن يشاء ومتى يشاء فهو كالقنبلة الموقوته في رياض الأطفال قد تضيف شعورا ممتزجا بأفكار جمة أولها الـ لماذا وآخرها لماذا هكذا فتحي متاهة لاتمسك بذيلها ولامقدمتها مجرد دروب مليئة بالجمل النرية التي تبارز واقعا مؤلما تفرضه مزاجيات الحاضر المخجل .

 

هل كان لزاما علي أن انفصل عني- إلى هذا الحد – حتى لا اختنق بي ؟

***

ظاهرة فتحي

 

فتحي الذي يعرف إن المكان الذي يقيم فيه ماهو إلا واقع يتأثر بالصوت؛ بل وناتج من فرط الكلمات ونثرها بشكل مؤثر . يقول الفرنسيون انك حين تفكر ان تحتل شيئا في الشرق الأوسط فما عليك سوى ان تتحدث كثيرا فهؤلاء لايتمتعوا الا بكثرة الكلام والمزاح والشعر وربما تأثر هذا الشاعر المبدع بهذه المقولة ؛ فراح يشرع ببناء الأفكار الاستيطانية أدبيا لذا أن نصوصه الطويلة تعتبر منجزا أدبيا يضاف للتجربة بصورة عامة وتتميز بتلك النزعة العدوانية .بالعقارب نفسها, توقف الوقت اللاهث في الساعة..

 

حدث ذلك ولم أنتبه.

 

بمقدار ما تخبأ الزمن في علبة سجائري,

تحول الى مسدس.

 

كما لو صابونة انزلقت برغوتها, مكوما ارتطم عمري بي .

 

الذين لكزوا العدم فاضوا عن حاجة الركض..

لكن الذين اكتفوا بالتحديق, نبتت على احتمالاتهم خصلات بيضاء.

 

خادشا مائي .. كدح الحلم معي طوال الموت.

 

مهرولا في الهلع نضجت.

 

بعد جثتي بقليل , مازالت تقتلني شراسة المضمار .

 

من بعيد.. لامقابض للندم,

وفي اللحظة ذاتها, لا لحظة في ذاتها .

 

الكتابة عن فتحي ابو النصر كـ نزهة فوق بركان

 

فتحي أبو النصركاتب وشاعر جدير بالحب والاحترام لا لأنه يكتب لالا بل لأنه إنسان مع مرتبة الشرف , الذي يجمعني بالشاعر نصوصه فقط التي تشع حزنا ؛

النص لدى فتحي لايرتبط بالمسميات وليس له دواخل تدعو القارئ ان يتشعب , يكتب لأدب هو يراه على عكس غيره الذي يكتب بعين الآخر , انه يمرغ وجه العادات القديمة في الكتابة بالوحل لاغيره , لأنه يكتب له لاغيره يكتب للانسان الذي يحمله , ياه انه يبكي ويتألم لذلك الانسان الذي يحمله لاأكثر أليس من حقوق الانسان ان يبكي ويُبكى عليه, أنه علامة فارقة في أدباء اليمن وجميل كالبحر حين يمر بالصحراء,

من الصعب ان تختارجملة تخرج من الزمن لتطال المعنى الذي يراد به وصف حروف شاعر يتجول عبر مشاعرنا ويقتنص روحه من ركم الاخرين .. هذا هو السهل الممتع والممتنع المسمى فتحي ابو النصر ..,

***

جمهورية فتحي

 

لايختلف بسرعة لكنه يثور بسرعة , لانه لايرى ان هناك مجال آخر للنقد خلا الكراهية والحقد لذا تراه مسالما كـ سلحفاة , ورائعا كـ جورية عراقية يضوع منها العطر ؛ لذا وبعد هذا الموجز المقتضب عن هذا الكائن الوديع ؛ لذا أسس لروحه جمهورية لاتتقاطع حتى مع حمهورية القوارض ماإن سلم الناس منها ؛ وماقاله في بعض المواقف يدعوك لأن تفرح لأنه واقعي حد التخمة وساحر حد الجنون إنه فتحي ابو النصر .. وهذه حمهوريته .

ونسيت أن اقول انه ماجن وربما ملحد وسكير ولكن ليس إمعة هذا المهم ,

***

الشعر عند فتحي

 

تتهم قصيدة النثر بانها لاتعيش الا في ظروف يحتدم فيها الجدال , ولايمكن لها الثبات في الظروف الطبيعية كما هو حال التجارب الأخرى , كما تتهم بأنها خالية من روحية البيئة التي تكتب فيها . أي نوع من أنواع الكتابة له ظروفه والدليل انحطاط الشعر القديم في مرحلة تأريخية معروفة لدينا , وهكذا الامر الان فليس من المعقول ان نوجه الاتهام لجهة دون غيرها وغياب عمره ستة قرون لايمكن حسابه إلا في غياب كامل للشعر واضمحلاله , نعم تخلص الشعر من الكثير من الاغراض ,كما اختفت قصائد الانتماء للقبيلة والعراء وجاء البديل يمثل أمكنة ليست بالغريبة عن المتلقي ولا بعيدة عن ادراكه كما فعل اصحاب الشعر الحر وما تلاهم من النثريين ما حدث ان ثمة حركة ما جرت بشيء من السرعة للانتقال الى الاجواء القريبة من الناس وقد حدث بشكل رآى البعض فيه تجاوز على مفهوم الشعر العربي وخروجا صارخا لان الشعر لديهم يجب ان يلتصق باحدى وجوه الاغراض المعروفة والتي تعتبر ملح الشعر اذا صح التعبير .

 

الشعر اي قصيدته النثرية عنده (( فتحي ابو النصر )) نثري مرموز ؛ تجتمع فيه عوالم عدة سأوجزها بالاتي

 

من حدقات جنديين جائعين اشبع من حقدي علي

الوقت الأخرس يكثفني لصمت يصرخ

رصيف القصيدة يتعصب مزاجه

بنعومة اقضم ورمي

في خدود الشمعة تنبت وردتي النادرة

للنتوءات آهات فاحشة

فيما لا أترقب أحدا من قصيدة

 

العالم الأول

.. عوالم الصورة التي تتداخل في كل شيء

 

يستطيع ان يشدك من خلال سرقة واضحة لأحد مشاهد الحياة ومنه ينتقل بك والمقطع اعلاه أنتقيته من نص له نشره قبل فترة ليست بعيدة يتناول فيها الحاجة إلى الأشهار ؛ والتأشير لأن الحدث بعين الشاعر ليس كما هو في عين مذيع نشرة الاخبار الذي يرتدي بزة أنيقة مدفوعة من أموال الشعب المسروقة ألم يكن الشاعر هنا من أبناء الشعب وأمواله هي المسروقة ؟ فتحي سارق أيضا لانه سرق مشهد من حياة الشعب المسروقة !!

 

غرباء

 

يحدقون في الاطارات

الاطارات لاترى

غرباء من قصيدة

 

العالم الثاني

.. عوالم من الأسئلة والدهشة

أليس من الخبث اختيار كهذا للحكم على تجربة جميلة , ان البناء الفني عند فتحي يرتبط بمقدار الرغبة التي يحملها في تطعيم فكرته , لربما يوجز لك ملحمة كاملة بسؤال واحد أو بنص صغير جدا لايتجاوز الـ خمس كلمات ., السؤال كيف يستطيع شاعر حديث التجربة بطرح ركامات تلتصق بعصور سحيقه انه شاعر يستحق المتابعة وجدير بالاحترام فـ الاطارات لاترى

 

لأنني لم اسر وراء جنازة احد

غمرتني الفواحش البيضاء وأشعرتني الحكمة بالغثيان

وحيدا كماء يتيم

تأملتني مرتين فانحنى دمي وسلكني درب العناكب

 

(إسبرينة) هذا المساء من قصيدة

 

العالم الثالث:

.. الذات

أكثر ماتتعثر به وانت تتجول معه هو الذات والـ أنا المتألمة ., ألـ فتحي الذي ينداح من خلل مسامات الشعر ليؤنب فيك الآدمية , الذي يحزنك دون ان يقصد ؛ فتحي هكذا يكتب لينشد وحيدا ؛ يشاركه الطيبون من اصحابه وقرائه الذين يحترمون فيه الشعر والانسانية ..

وكتابته التي تشبه الحفر في الذات ؛ الجميل في الشعر انه يعرفك بك وبالاخر .. وشعر فتحي يحمل هذه السمة ..,

 

***

 

 

قلب فتحي (( كتابة ليس من الضرورة ان تكون من ضمن الدراسة))

 

ـــــــــــــــــــ

لااظنه في الجهة اليسرى كما أخبرني الحلاق الذي طهر أطفال الحي رغم أنوفهم , بل أن فتحي عبارة عن قلب متحرك يتسع أن يكون مجرة .. كان يبكي حين يخاطبني وان كنت لااراه يبكي وكما اخبرتكم لانه انسان لااكثر .. أليس من حقوق الإنيسان أن …

وبصراحة بعدما أجريت له عملية بدون أدوات الحلاق آنف الذكر وجدت ان المجرم المسمى فتحي عبارة عن قلب يتحرك لااكثر !

 

[email protected]