عبدالواحد غالب المرادي
عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني وأحد مؤسسيه.
ألف ملء الكون تحية وتحيات للشعب العربي الفلسطيني في غزة المجد والتضحية والخلود وفي الضفة الصمود، وكلاهما يصنعان الحضور المتجدد للشعب العربي الفلسطيني الجليل العظيم الذي يخرج من غياهب المحن والقبور في كل مرة إلى حياة الحرية والإرادة والكرامة الإنسانية ومواصلة الكفاح التحرري الوطني.
واليوم أصغر مساحة من الأرض مكتظة بالسكان في تاريخ حروب الأرض واجهت أعتى وأغشم عنف وتدمير بشري إجرامي في التاريخ بأحدث وسائل التدمير بعد هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين وسبعين عامًا بعدها من تقدم التقنيات العسكرية لدول العدوان.
ودون أي ذنب سوى كفاحهما، غزة والضفة على أرضهما من أجل الحرية والكرامة الوطنية والإنسانية. ترغم على تضحيات وصمود باركهما الله تعالى وزهت بهما الشمس وبكى من أوجاعها وجراحها القمر. ولكنها أيضًا بكفاحيتها أبكت المعتدين في دولة العدوان والكذب والخديعة لأمبريالية وماسونية وصهيونية العصر، إسرائيل وعنصريتها، وجعلت قادتها يعيشون عشرة أشهر حرب عدوانية فاشلة مدمرة وكأنها بمقاييسهم النفسية عشر سنوات، حيث إنهم لم يحاربوا قبلاً حروبًا حقيقية إلا في حرب الاستنزاف على الشاطئ الشرقي لقناة السويس أيام القائد الخالد جمال عبدالناصر المقاوم الأكبر لعدوانية أميركا وبريطانيا وإسرائيل، وأسبوعًا في أكتوبر 1973 على جبهتين مصرية وسورية، وأنقذها منها كيسنجر والسادات بالسلام المكذوب. وهذه أول حرب طويلة يجربون أنفسهم فيها وهم المعتدون، وبكل ما تمتلكه أميركا وبريطانيا وألمانيا وإسرائيل من أسلحة فتاكة تلقى نيرانا حامية حارقة متفجرة على بيوت سكان مدنيين جلهم نساء وأطفال، وبكل ما لدى دولة الاحتلال والاغتصاب والعدوان الإسرائيلية من ميول للعنف والتطهير العرقي والإبادة تفوقوا فيها على نازية هتلر. ولكنهم يتألمون لأن هناك أمامهم شعب عظيم الصمود وأصبر وأجلد مما عرفت شعوب العالم أمام التضحيات والأهوال، فأضطرهم إلى دفع مقابل لأجرامهم مثل الذين حكمتهم النازية والفاشية وقادتهم إلى المهالك، خسائر بشرية من أفضل قواتهم العدوانية وخسارة هيبتهم ورصيدهم من خرافات العظمة وأساطير الشعب المختار. ولذلك هي عندهم كأنها عشر سنوات حرب عدوانية قسمتهم حتى في داخلهم ودواخلهم أمام شعب فلسطيني يقاومهم بصبره وصمود مقاوميه وأبطاله ويتضامن معهم أحرار العالم كله وشبابه الجامعيون خاصة.
ألف ألف تحية لحركة حماس الإسلامية التحررية الوطنية الفلسطينية العربية العظيمة. ألف ألف تحية لحركة الجهاد الإسلامي التحررية الوطنية الفلسطينية العربية العظيمة. ألف ألف تحية لكل الفصائل الوطنية الفلسطينية التي تقاتل بأظافرها وعظامها وأسنانها وشهدائها من ثوري الأشلاء وجرحاها مبتوري الأعضاء وأسرها الذين يعانون في المعتقلات الإسرائيلية ما هو أسوأ من المحرقة النازية. ألف ألف تحية لكل الفصائل الفلسطينية التي تناضل بكل الأساليب والوسائل ضد عدوانية إسرائيل وداعميها. ألف ألف تحية للفصائل الفلسطينية المقاتلة والمناضلة بكل السبل والوسائل في الضفة الغربية الفلسطينية الصامدة والتي تخوض كفاحا ولا أروع، والعدو أمامهم والعدو خلفهم والعدو يحيط بهم من كل الجهات وبكل وسائل القتل والاعتقال والقهر والهدم للمنازل والتجويع والترويع.
وينظرون إلى الدمار الرهيب المذهل والفضائع التي لا مثيل لها في غزة ويذهبون للنضال بأقدام لا يردهم خطر في الوجود أو في الخيال كأصحاب القضايا الكبرى في أعظم ملاحم البشرية عبر العصور. وحيا بهم يصححون نهجا لحركة سياسية عربية كبرى ضلت الطريق نحو قرن من الزمان واستدرجت إلى استخدام خطاب الإسلام ضد الوطنية العربية التحررية التي واجهت الاستعمار القديم والجديد وإسرائيل والامبريالية بعدوانيتهم ومكائدهم التي لم تخطر على قلب بشر قبل القرون الحديثة، وخصوصا في القرنين الأخيرين العشرين والواحد والعشرين.
ونجحت نجاحات تاريخية كبرى في تحرير البلدان العربية من الاستعمار المباشر القديم وفي تأميم أو تغيير اتفاقيات الشراكة في استثمار البترول والغاز وكثير من الثروات الباطنية، وارتادت طرقا للتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي… إلخ. وفشلت أو أجهضت أحيانا أخرى لكنها عبرت عن أعمق مصالح ومشاعر شعوب الأمة العربية والمسلمين وأفضل المؤمنين والمسلمين كان ينبغي لهم ويجب عليهم كما يقول العقل ومقاصد الشريعة ومصالح الشعوب دعمها والانخراط فيها وأي سلبيات أو أخطاء أو نواقص من أي وجهة نظر تصحح بالنصيحة والحوار من داخل الكفاح الوطني المشترك.
وإذا لزم الأمر يمكن أن تشكل حتى حركة سياسية أخرى حسب وجهة نظرك ولكن توجهها يكون ضد ذات العدو الاستعماري بأشكاله القديمة والجديدة ومن ارتبط به من وكلاء ومتمصلحين وليس ضد القوى الوطنية التي تخوض المعركة الرئيسية للتحرير الوطني ضد الاستعمار ومصالحه ومخططاته. والاختلافات بين الوطنيين تعالج بما يرفد ويقوي الجبهة الرئيسية للنضال الوطني من أجل الاستقلال الوطني وحرية وحقوق الشعب في كل قطر وبلد عربي أو مسلم. وبعد ذلك، بعد التحرير، لكل حادث حديث، ولكل مقام مقال يحكمه العقل والدين والأخلاق، والله والشعب خير الشاهدين.
ألف ألف تحية للقائد الوطني الفلسطيني والعربي الإسلامي المناضل المقاتل المجاهد الكبير إسماعيل هنية رئيس حركة حماس ومربي الأبطال بعد أسلافه الأمجاد الكبار أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وزملائهم وبعد العظماء ياسر عرفات وجورج حبش والمطران هلاريون كابوتشي وغيرهم وغيرهم من أبطال وشهداء فلسطين والعروبة العظام. ومع وقبل هنية حوالي أربعين ألف شهيد موثق وآلاف من الشهداء تحت الأنقاض وآلاف يعلن عن مقتلهم المحتلون الإسرائيليون ويدفنون في قبور جماعية بعضها لا يزال مجهولًا وآلاف يعتقلهم الإسرائيليون أعدادهم مجهولة ومصائرهم في السجون كذلك. ومئات آلاف السكان المهدومة منازلهم ويتكرر نزوحهم بأطمارهم وجوعهم وخيامهم التي لا تقي من حر ولا من برد صامدون كان الشهيد القائد قائدهم ومثلهم الذي يقتدى مع زملائه قادة كل فصائل المقاومة. وها هو نجم مضيء يغيب وسيحل محله قائد مجرب آخر والجميع يواصل الكفاح بإصرار كأنهم يستلهمون شعار “نصر أو استشهاد أو مقاومة حتى النصر”. شعب عظيم يستحق الحياة والاحترام.
القائد الراحل إسماعيل هنية بقي حتى آخر لحظة من حياته وآخر نفس يحمل ويمثل قضية الشعب الفلسطيني كله في معترك السياسة التي تواصل الحرب بأشكال أخرى أمام أعتى وأقسى المفاوضين الذين لا قلوب لهم ولا عقول إنسانية مغرورين بأدوات القوة الغاشمة التي بين أيديهم وخلفهم. فأميركا ليست وسيطًا وكذب من قال… ولحزننا الفادح الثقيل الذي ينضاف إلى رصيد العروبة الضخم الجليل استشهاد القائد إسماعيل هنية وهو واحد ممن “صدقوا ما عاهدوا الله عليه”. وبالمناسبة المعبرة ولتشابه مقام وعلو شأن القائد الشهيد، أجدني أسير على منوال الثنائي الشعبي الشهير الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وهم يرثون ويبكون القائد الأممي الشهيد الأشهر تشي جيفارا في عام الحزن والفجيعة 67، فأقول: “آخر خبر في الوكالات والفضائيات: هنية مات. مات الرجل فوق مترسه لا شنشنة ولا إعلانات. مات قابضًا على جمر قضيته ودماء وأشلاء أهله المكافحين الصابرين أعظم ما يكون الكفاح والصبر وخرائب دورهم التي لم يوجد مثل خرابها مدينة فيها حياة في تاريخ الشعوب الموثق وهو يعيش وهم في وعيه وفي خياله. والضغوط العدوة والصديقة تحاصر أنفاسه فيصمد ولا ينثني ولا يلين إلا بما تقتضيه جراح شعبه ومصالح قضيته الوطنية. وداعا له في عليين وداعا له في الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا أمام رب العالمين ولله الحمد ومنه العون والتوفيق آمين آمين.”
31/7/ 2024