لطالما كنت أستغرب من جرأة الحوثيين على الكذب والافتراء دون خجل.. كنت أستغرب لماذا يقذفون اليمنيين بأقبح الألفاظ ويصفونهم بالزناة واللصوص وغيرها من الأوصاف القذرة لمجرد أنهم يختلفون معهم سياسيا أو دينيا دون أن يرفّ لهم جفن أو يرتجف لهم جسد.
لا يوجد يمني وقف ضد الحوثيين إلا ووصفوه إما بالكفر أو الإلحاد أو النفاق أو ممارسة الأفعال المحرمة أو الخادشة للحياء أو الارتزاق أو العمالة أو الخيانة وأخيرا الجاسوسية.
لماذا تجد ذباب إلكتروني حوثي في مواقع التواصل الاجتماعي يصفك بـ “ابن الزنا” لمجرد أنك تختلف معه في رأي سياسي أو مذهبي؟!
لماذا كذبوا على القبائل اليمنية في كتبهم ووصفوهم بأقذع الصفات وألصقوا بهم كما هائلا من الأكاذيب والتهم للحط من مكانتهم ولتبرير العدوان عليهم؟!
مؤخراً اطلعت على حديث نسبوه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يسمى بحديث “المباهتة”، وهو من الأحاديث التي وردت في كتاب الكافي الجزء الثاني لمحمد بن يعقوب الكُلَيني. يقول المرجعية الشيعية كمال بن باقر بن حسن الحيدري بأن كتاب الكافي يُعتبر “أهم مصدر حديثي لمدرسة آل البيت”، وهذا ما أكده أيضا محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي في كتابه “مرآة العقول”
لكن ما هو حديث “المباهتة”؟! يقول الحديث المزعوم: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن داود ابن سرحان، عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثِروا مِن سبِّهم والقول فيهم، والوقيعة بهم، وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحْذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة”. انتهى هنا الحديث الذي صححه مرجعية كبار علماء الشيعة مثل المجلسي المذكور آنفا، ومرتضى الأنصاري في كتابه المكاسب، وكذلك أبو القاسم الخوئي.
يعلق المرجعية الشيعية كمال الحيدري وهو يشرح ويستنكر أخذ ما يصفهم غلاة آل البيت بهذا الحديث: “باهتوهم من البهت”. والبَهْتُ، والبُهتان في اللغة يعني الكَذِبُ المُفْتَرَى.
في كتاب المكاسب للأنصاري (الجزء الثاني) ص118 يفسر الحديث بقوله: وما تقدم من الخبر في الغيبة من قوله عليه السلام في حق المبتدعة “باهتوهم كيلا يطمعوا في إضلالكم” محمول على اتهامهم وسوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به، بأن يقال: لعله زانٍ، أو سارق. وكذا إذا زاده ذكر ما ليس فيه من باب المبالغة. ويحتمل إبقاؤه على ظاهره بتجويز الكذب عليهم لأجل المصلحة. فإن مصلحة تنفير الخلق عنهم أقوى من مفسدة الكذب “..! يفسر الحيدري هذا الحديث المكذوب بالإشارة إلى أن أصحاب هذا المنهج يعترفون بوجود تزاحم بين مصلحة الكذب على المخالفين وبين قبح الكذب نفسه وتحريمه.. وأمام هذا “التزاحم” يُقدم الأهم وهو الكذب بهدف إسقاط المخالفين.
ويستمر في تفسيره للحديث بالإشارة إلى أن الغاية من البهتان والكذب على المخالفين “هي تنفير الآخر منهم، وإسقاط اعتباره”. ثم يواصل مستنكرا “والوسيلة ما هي؟ هل هي جائزة أم حرام؟ أليس الكذب حرام؟”. (منشور في يوتيوب بعنوان حكم الكذب والبهتان على المخالفين | كمال الحيدري).
ويقول الحيدري في موضع آخر: “حديث أهل البدع يطبقونها على من؟ على المخالفين. باهتوهم يعني انسبوا إليهم غير الواقع. وإن قال هذا زانٍ وهذا سارق.
يقول الأنصاري مصلحة إسقاطهم أولى ومقدم ومرجح على مفسدة الكذب. إذن المصلحة أن نكذب”. وينهي كلامه بالقول: “ولهذا أنا معتقد شخصيا بأن كثير من روايات الواردة في ذم الآخر والمخالف وكذا، منشأها الغلاة في مدرسة آل البيت”.
من خلال هذا الحديث المكذوب تفهم كيف تجرأوا على وصف القبائل اليمنية قديما بأوصاف رذيلة ونسبوا إليهم الفواحش والقبائح التي لا يصدقها عقل؟ لماذا أساءوا لنساء اليمن في كتبهم ورواياتهم؟ لماذا وصفوا ثوار ثورة 26 سبتمبر بأنهم ملحدين وكفرة رغم علمهم بأن ثوار سبتمبر كانوا من أشرف اليمنيين؟ لماذا يصفون أبناء تعز والمحافظات الجنوبية بالدواعش؟ لماذا قالوا بأن في منزل القاضي عبدالوهاب قطران “معصرة خمر”؟
لماذا وصفوا ندوى الدوسري وغيرها كثير من اليمنيين بالجواسيس؟! لماذا وصفوا ملايين اليمنيين بالعملاء والمرتزقة والخونة؟!
لماذا تجد عشرات الذباب الإلكتروني الحوثي في مواقع التواصل الاجتماعي مهمتهم شتم وقذف اليمنيين الرافضين لهم؟!
فهمت اليوم لماذا وصفني صديقي بالداعشي وهو يحدق في عيني دون أن يخجل أو يتردد عندما وجدني في بداية الحرب رافضا لجرائمهم. كان يعرف بأنه يكذب، لكنه يؤمن في ذات الوقت بأن كذبهم على المخالفين وسيلة من وسائل تقربهم إلى الله عز وجل بناء على الحديث المكذوب “يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة”.. أي كلما كذبوا على المخالفين، زادت حسناتهم..!
التحريض ضد أحرار اليمن وغيرهم من الدول العربية والإسلامية وإلصاق التهم بهم وقذفهم وتشويه صورتهم وسمعتهم بهدف اسقاطهم أمام الناس لها تأصيل شرعي عند من يؤمنون بالتشيع من الحوثيين وغيرهم، ويجب على كل إنسان أن يوضح هذه المسألة كي نحصن المجتمعات من هذه الهجمات المتحللة من كل الأعراف والقيم، بحيث يكون قادرا على الصمود أمام هذا السلوك غير الأخلاقي.
هذا الحديث المكذوب يجب أن يجوب وسائل الإعلام اليمنية والعربية ليفهم الناس بأن هذه العصابة تسيء لخصومها وتكذب عليهم وتعتبر ذلك جزءا من الدين الإسلامي.