كتابات

خرافة الولاية لآل البيت وخطورتها

همدان زيد محمد - انزياحات
همدان زيد محمد - انزياحات

خرافة الولاية لآل البيت، مفهوم يعكس اعتقاداً واسع الانتشار في بعض الأوساط الإسلامية بأن أحقية الحكم والولاية يجب أن تكون محصورة في ذرية النبي محمد من خلال ابنته فاطمة وزوجها علي بن أبي طالب ونسلهم. هذه الخرافة تحمل تداعيات خطيرة على المستويات الدينية، التاريخية، الثقافية، والسياسية. سنتناول في هذا المقال تحليل هذه الخرافة من خلال الاستدلالات التاريخية والدينية وتأثيراتها على المجتمع والسياسة.

 

تعود جذور فكرة الولاية لآل البيت إلى الخلافات التي نشبت بعد وفاة النبي محمد حول من يحق له خلافته، وما تلتها من أحداث. بينما اتفق أغلب الصحابة على اختيار أبي بكر الصديق خليفة، اعتقدت مجموعة أخرى أن علي بن أبي طالب، ابن عم النبي وزوج ابنته، هو الأحق بالخلافة. هذا الانقسام أدى إلى نشوء الفكرة التي عُرفت فيما بعد بالشيعة. وفقاً للروايات الشيعية، يُعتبر (حديث الغدير)، حيث قال النبي “من كنت مولاه فعلي مولاه”، دليلاً على تعيين علي كخليفة. لكن هذه الرواية تُفسر بشكل مختلف عند السنة، حيث يرون أن الولاية هنا تعني المحبة والدعم، وليس الحكم السياسي.

 

التاريخ الإسلامي يزخر بأمثلة تدحض خرافة الولاية الحصرية لآل البيت. الخلفاء الراشدون الأولون (أبو بكر، عمر، عثمان) لم يكونوا من نسل علي وفاطمة، ومع ذلك أسسوا دولاً قوية وحققوا نجاحات كبيرة. أكثر من ذلك، تميزت فترات حكمهم بالعدل والاستقرار، مما يعكس قبولاً شعبياً واسعاً وحكماً رشيداً. بالإضافة إلى ذلك، لم يشهد تاريخ المسلمين فرضية ولاية آل البيت كقاعدة حكم. الخلافة الأموية والعباسية، وحتى الخلافة العثمانية فيما بعد، لم تعتمد على هذا المبدأ، بل كانت تعتمد على الكفاءة والقدرة على الحكم.

 

استمرار ترويج خرافة الولاية لآل البيت يمكن أن يؤدي إلى تفكيك المجتمعات وإثارة الفتن. فالاعتقاد بأن الحكم يجب أن يكون محصوراً في فئة معينة من الناس يعزز الانقسام الطائفي ويقلل من فرص الوحدة الوطنية. في اليمن العراق ولبنان على سبيل المثال، نجد أن هذه الفكرة تسببت في نشوء كيانات طائفية تسيطر على السياسة وتؤدي إلى صراعات مستمرة، كما أن هذه الكيانات تسيطر أيضا على الاقتصاد وتنهب مقدرات الأمة وتجييرها واستخدامها لمصالحها الشخصية مما جعلها كيانات تمتلك ثروات طائلة وبالمقابل تسبب في افقار المجتمع وضعف اقتصاد الدولة بشكل كبير.

 

من الناحية الدينية، فالإسلام كدين لم يحدد نظاماً معيناً للحكم، بل جعل الأمر متروكاً للأمة لتحديد خيار حكامها وفق معايير الكفاءة والعدل. الصحابة والتابعين اعتمدوا على الشورى والبيعة كوسائل لتحديد القادة، مما يعكس مرونة الإسلام في التعامل مع مسألة الحكم وتكييفها وفق الظروف الاجتماعية والسياسية. هذا الفهم الشمولي للإسلام يقف في مواجهة محاولة البعض حصر الحكم في سلالة معينة تحت مسمى الولاية لآل البيت.

 

من الناحية الثقافية، فترويج مثل هذه الخرافات يسهم في تعزيز النزعة القبلية والانقسام داخل المجتمعات. إذ أن التركيز على النسب والسلالة يتعارض مع القيم الإسلامية التي تدعو إلى المساواة بين البشر والتعاون على البر والتقوى. في المجتمعات التي تأخذ بهذه الخرافة، نرى أن العلاقات الاجتماعية تتأثر سلباً حيث تنشأ تحالفات طائفية تقوم على الولاءات العائلية والقبلية واستدعاء النسب بدلاً من المصالح الوطنية أو المبادئ المشتركة.

 

على الصعيد السياسي، خرافة الولاية لآل البيت تُستخدم دائماً كأداة لتحقيق مكاسب سياسية. في بعض الدول ذات الأغلبية الشيعية أو التي تحتوي على أقليات شيعية كبيرة، تُستخدم هذه الخرافة لتعزيز سلطة بعض العائلات أو الجماعات على حساب الآخرين، مما يؤدي إلى تقويض الاستقرار السياسي. هذا الاستخدام السياسي للخرافة يخلق أجواء من التوتر والصراع يمكن أن تؤدي إلى حروب أهلية أو تدخلات خارجية.

 

ختاماً، تحمل خرافة الولاية لآل البيت مخاطر كبيرة على المستويات الدينية، التاريخية، الثقافية، والسياسية. الفهم الصحيح للتاريخ الإسلامي يُظهر بوضوح أن الإسلام لم يحدد نظاماً معيناً للحكم، بل ترك الأمر لاختيار الأمة وفق معايير الكفاءة والعدل. يجب أن نبتعد عن المفاهيم الخرافية التي تعزز الفتن والانقسامات، ونعمل على بناء مجتمعات تقوم على مبادئ العدل والمساواة. فقط من خلال تجاوز هذه الخرافات والعودة إلى المبادئ الإسلامية الأصيلة يمكن للمجتمعات الإسلامية تحقيق الوحدة والاستقرار والتقدم.