لأكثر من قرنين والكل يستهلك منتج المستشرقين نقداً او احتضاناً ، في التاريخ والحضارة والدين الإسلاميين حتى بلغ الحال ان غدت مقولات هؤلاء المستشرقين منطلقا لكل فحص وتأسيسا لكل إطار نظري ومنهجي.
ومن لديه تحفظات على الاستشراق فكانت تتركز على الموقف الايديولوجي وصراع ديني إسلامي صليبي، حقيقي او متوهم، او منهج استعماري استعلائي.
مع هذا، لم يقل أحد ان المستشرقين كانوا سكارى ومن خارج الملة .او لم تكن هذه مآخذ جادة ان صرّح بها احدهم.
والمدهش ان اهم محاولات تفكيك الاستشراق بأسس منهجية جاءت من غير مسلم ، اي من شخص تبيح له ديانته ان يأكل ويشرب ويمارس ما لا يبيح -نظرياً – المسلم لنفسه.
ولو كان ادوار سعيد قد طال به العمر إلى عالم وسائل التواصل الاجتماعية لتفاخر باقتنائه قنينة فاخرة من ويسكي إيرلاندا او من نبيذ بوردو الفرنسية او حتى من البيرة الباڤارية دون ان يُنظر له شزراً. بل سيبقى رمزا فكريا في كل الاحوال.
وما ان يكتب شخص من داخل الملة الاسلامية في الفكر والتاريخ والحضارة الاسلامية حتى تبدأ اسئلة “الكنيسة الايمانية” التي، قبل ان تتلقى فكرته، تحاكم سلامة معتقده وتفحص صوره الشخصية ومشترياته اليومية وتسأل ان كان يشرب الخمرة ام يصلي الفجر جماعة.
لا تفريق بين ذات القائل ومقولته .
تهكم وطعن في شرعية القائل لا في سلامة المقولة او بطلانها حتى ان احدهم قال: سيشربون البيرة ويجددون في السيرة.
ونسى، حريصاً على السجع، انه لا تجديد في السيرة
هذا السلوك هو المقام الموحَِّد بين كل الجماعات الاسلامية ولكم في الجماعة الحوثية دليل على الطعن بمعارضيها وخصومها عبر اتهامهم بشرب الخمر او امتلاك مصانع خمور او غيرها من التهم الجاهزة التي تلقى دون بناء محكم.
ما يحدث في مصر بعد ملتقى “تكوين”، بالنسبة لي، هو حَوثَنة عابرة للاقطار .
تركوا ما يمكن قوله بحق في افكار التنويريين الجدد المنتفخين بالأنا المتضخمة المجوفة في كثير من الاحوال، والأوفياء في ابتسار الاحداث والمقولات والجهل بالتراث واعتساف التاريخ والحضارة الاسلامية وتجاهل تاريخ طويل من التجديد، وقفزوا على غياب وانتقائية المواقف -إنسانية وقومية ووطنية – لدى القائلين بالتنوير المعلّب القائم على لعن الذات الحضارية العربية والإسلامية والطعن في العروبة والقدح في العرب واعلاء نعرات ما دون قومية وما دون وطنية وإذكاء حروب كلامية بقياس الماضي بالحاضر ومحاكمة التاريخ بالمستقبل، او تغافلوا القياس باكثر الاحداث طراوة وبشاعة وهي الوضع في غزة وهذه الإبادة المفتوحة وموقف التنويريين منها وانحيازهم لسردية القاتل بمجانية تثير الشكو، تركوا كل هذا وركزوا على صورة البيرة.
حكمتهم :
البيرة اولا ثم ننظر في الأفكار.
لكن بعد ان تغشاهم حجة محكمة “الكنيسة الايماني” هل يسعفهم الوقت النظر إلى الأفكار ؟ هل يستطيعون بعدها التفكير بعد ان ضربتهم ثمالة الانتصار القيمي؟
يواجهون طفولية النقد بطفوليه الاخلاق.