ينفذ الحوثيون عملية مدروسة تهدف إلى عزل اليمنيين عن العالم من خلال التحريض على الأنشطة المجتمعية التي تعزز قيم حقوق الإنسان على رأسها المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية وإشراك المجتمع في تحديد خياراته واحتياجاته وفرض قيم الشفافية والحق في الحصول على المعلومات، وكل هذه استحقاقات ومكاسب حصل عليها اليمنيون في زمن النظام الجمهوري.
بطبيعة الحال، تتم هذه العملية عبر استهداف مجموعة ممن يعملون في هذا التخصص لينتهي الأمر بمنع هذه الأنشطة المجتمعية بشكل تام في مناطق سيطرتهم..
بمعنى، يتم التحريض ضد أسماء معينة تنشط في توعية المجتمع وخدمته، ولن يجدوا أسهل من إلصاق تهم “التجسس” و”العمالة” و”الارتزاق” بهذه الأسماء بحيث يتم إحراقها وإخافة بقية الناشطين والعاملين في هذا المجال.
تماما كما يستهدف الحوثيون معارض مؤثر يخيفهم (زعيم قبلي أو قائد عسكري أو صحفي أو سياسي… إلخ) من خلال التحريض ضده واتهامه بالعمالة والخيانة والارتزاق والصهينة، وتفجير منزله بهدف إخافة كل من حولهم.
هذه العملية لا تستهدف فقط الأحرار والمحترمين الذين يقومون بواجبهم تجاه بلادهم وجمهوريتهم وشعبهم اليمني، ويناضلون ويواجهون هذه العصابة العنصرية من مواقعهم أمثال ندوى الدوسري أو براء شيبان، لكنها أعم وأشمل وتستهدف كذلك من صمتوا أو حايدوا أو كان خطاب بعضهم لصالح الحوثيين في كثير من المحطات دون أن يشعروا مثل رأفت الأكحلي أو عبدالحكيم العفيري.
إذن، وبالرغم أن الحوثيين يقصدون أذية واستهداف الأحرار أمثال ندوى وبراء تحديدا، لكنهم في الأصل يستهدفون ما هو أهم وأخطر عليهم وهي مكتسبات وقيم النظام الجمهوري على رأسها الحرية والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والشفافية ومكافحة الفساد والحق في الحصول على المعلومات وغيرها من القيم المجتمعية التي ضمنها النظام الجمهوري.
هم يريدون مجتمعا لا يعبّر عن رأيه.. ولا يطالب بحقه في الاطلاع على أداء السلالة كونها تهيمن على مؤسسات الدولة. يريدون مجتمعا ليس له أي دور في الرقابة والمحاسبة.. يريدون مجتمعا تابعا غير مسموح له بأن يطالب بحقوقه، ومن يقدم على ذلك فهو عميل وجاسوس يعمل لصالح المنظمات الدولية.. باختصار شديد: لا يريدون حكم الشعب، بل استعباده لصالح سلالة وفق خرافة الولاية العنصرية.
في نهاية أغسطس ٢٠٢٣ قال مهدي المشاط إنهم اطلعوا على خطة أمريكية مزمنة (2020 حتى 2025) وأن عنوان الخطة الأمريكية هي “الشفافية”.. هذا لأنهم يريدون ممارسة جرائمهم الاقتصادية وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان في الظلام ودون رقابة من أحد.
لن يسمحوا بالاحتجاج أو المطالبة بالشفافية والمحاسبة والرصد والتوثيق وتعزيز قيم المواطنة والمشاركة في صياغة القوانين والأنظمة لأن مشروعهم أصلا قائم على العنصرية العرقية. فالسلطة الممنوحة لهذه الجماعة (السلالة) تُعتبر إلهية ومستمدة من الدين بحسب اعتقادهم، وبالتالي هذه السلالة لا تخضع لأيَّة عملية رقابية، ولا تقبل مبدأ الشفافية، ولا يُسمح بمحاسبة عناصرها إلا في حدود معينة وضيقة جدا، بالرغم من حديثهم المُتكرر عن مكافحة الفساد والرقابة والمُحاسبة. ومَن ينتقدهم يُعتبر عدو. وبسبب إضفاء هالة من القداسة على بعض الأشخاص ممن بيدهم مقاليد الأمور، تصبح عملية مكافحة فسادهم كفرا وضلالا بل ومواجهة مع الله تعالى، وبلغة معاصرة “جاسوس” و”صهيوني” و”مرتزق”.
في الوقت الذي تحرص كل دول العالم على اكتساب المعرفة والاستفادة من تجارب الإنسان في كل مكان بما يحسن من مستوى حياة الفرد والمجتمع، يضيقون هم على اليمنيين ويخنقونهم أكثر وأكثر من خلال تقليل وسائل اتصال اليمنيين بالعالم بحيث يكون هذا التواصل والاتصال محدودا وعبرهم فقط.
وبناء على ذلك فان عملية استهداف كثير من الفاعلين في المجال الإنساني والحقوقي والتنموي تعتبر واحدة من الوسائل التي ستساعدهم في عزل المجتمع اليمني عن العالم الخارجي وبشكل تدريجي.
المسألة خطيرة، وليست مجرد استهداف شخصي للأحرار والأبطال في الخارج ومن قام الحوثي باختطافهم في الداخل، بل عملية مدروسة وممنهجة لعزل اليمنيين عن العالم وحرمانهم من مكتسبات حصلوا عليها بعد نضال مستمر خلال العقود الماضية تحت غطاء “الاستهداف المخابراتي والجاسوسي الدولي”. تماما كما نفذوا كما هائلا من الجرائم وعمليات السرقة تحت غطاء “مواجهة العدوان” أو “الدفاع عن السيادة”، و”اسناد غزة” وغيرها من المبررات والشعارات التي يستخدمونها لتركيع وسحق المجتمع اليمني.