في ظل التهديدات السيبرانية المتزايدة، أصبحت الدول تتسابق لتطوير قدراتها في مجال الأمن السيبراني، وكما هو معلوم للجميع ان العالم في العصر الرقمي الحالي يهرول بشكل متسارع لايمكن تحجيمه نحو إنترنت الأشياء، والذي يعني أن كل شيء يصبح مرتبط بالإنترنت كأشياء وممتلكات شخصية للأفراد (الهاتف، الساعة، النظارة..الخ) أو كمؤسسات وممتلكات عامة ( المنزل الذكي، المستشفى الذكي، الحرم الجامعي الذكي، المؤسسات والمصانع والمزارع الذكية ..الخ) هذا التطور التكنولوجي بدوره يهدف إلى تحسين الحياة وتسهيلها وإختصار الكثير من الوقت والجهد من تمكين الأنسان من التواصل مع الأشياء وتواصل الأشياء فيما بينها مما يوفر حياة أكثر راحة وسهولة في الإدارة والمراقبة ومعرفة المشاكل ووضع الحلول المناسبة، وتشير الأبحاث والتقارير الدولية إلى أن عدد الأجهزة المرتبطة بالإنترنت ستصبح في عام 2030م ما يقارب 50مليار.
إلا أن هذا الأمر يفتح باباً لمخاطر أمنية تتزايد بشكل دراماتيكي ولابد من مجابهتها وعمل الإحتياطات اللازمة لتلافيها ومعالجة اثارها على نحو سريع وصارم من أجل حماية البيانات الحساسة ومنع الهجمات السيبرانية التي قد تؤدي إلى خسائر كبيرة مادية وعينية واستراتيجية.
يستجيب العالم اليوم من حولنا لهذا التطور للاستفادة من مميزاته وعمل المعالجات لمخاطره ووضع الإستراتيجيات والخطط المناسبة للإستيعاب ولتفادي المخاطر ولتأهيل الأجيال على هذا النهج، وإذا لم نتنبه لهذا الأمر في اليمن قد نصل إلى لحظة إنكشاف لامثيل لها.
ومن هنا تأتي الحاجة الملحة لإنشاء الجهاز المركزي اليمني للأمن السيبراني كجهاز مستقل يتبع رئاسة الجمهورية بشكل مباشر لحماية المصالح الحيوية للدولة وتعزيز أمنها الوطني والبنى التحتية الحساسة والخدمات والأنشطة الحكومية وحماية القطاع العام والخاص والمشترك من خلال تطوير استراتيجات الأمن السيبراني واستقطاب الكوادر السيبرانية والعقول اليمنية وتأهليها وتدريب المختصين في مختلف أجهزة الدولة والإشراف على تنفيذ الاستراتيجات في مختلف القطاعات ، وفتح المجال للأبحاث والتصنيع والإبتكار السيبراني والعمل على التوعية العامة للشعب في هذا الإطار، وسن القوانين والتشريعات المناسبة بما يتوائم مع هذه التهديدات والمخاطر وبما يحقق الإستراتيجات العامة للأمن السيبراني.
كما أن إنشاء الجهاز المركزي اليمني للأمن السيبراني سيعمل على حماية الفضاء السيبراني الوطني من الهجمات السيبرانية وسيرفع من قدرة اليمن على مواجهة التهديدات السيبرانية وقدرتها على التكيف مع التحديات الراهنة ، ويعزيز الأمن الرقمي في اليمن و من حماية البيانات الوطنية الحساسة من التسريب أو التدمير، كما سيحسن الأمن الإقتصادي من خلال تقليل الخسائر الناتجة على الهجمات السيبرانية مما يعزز الاستقرار الإقتصادي، كما سيقوي الثقة بين المواطنين والشركات والمستثمرين في القدرة على حماية البيانات والخدمات الرقمية.
بالنظر إلى الدول من حولنا والعالم ككل نجد أن الأمن السيبراني أصبح أولوية قصوى بالنسبة لهم حيث سارعت بإنشاء أجهزة وهيئات حكومية مختصة للأمن السيبراني، ففي المملكة العربية السعودية تم إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في العام 2017م، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة تم إنشاء مركز الاستجابة الوطني لطوارئ الحاسب الآلي (aeCERT) في العام 2006 ثم تطور إلى إطلاق الإستراتيجة المحدثة من الإستراتجية الوطنية للأمن السيبراني في العام 2019م، وفي البحرين في العام 2020م تأسس المركز الوطني للأمن السيبراني، وفي قطر في العام 2021م تأسست الوكالة الوطنية للأمن السيبراني، وفي المملكة الأردنية الهاشمية تم تأسيس المركز الوطني للأمن السيبراني 2019م، وعلى المستوى الدولي أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية (CISA) في العام 2018م ، وأنشأ الاتحاد الأوربي في العام 2004م وكالة الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني (ENISA.
إن إنشاء الجهاز المركزي اليمني للأمن السيبراني ليس مجرد خطوة لتعزيز القدرات الوطنية فحسب، بل هو جزء من الاتجاه العالمي نحو بناء دفاعات سيبرانية قوية والإسهام في الإبتكار ووضع الحلول المناسبة للهجمات السيبرانية المتزايدة والمعقدة. من خلال التعلم من تجارب الدول الإقليمية والدولية والإستفادة من العقول اليمنية، يمكن لليمن تطوير جهاز فعال وقوي يساهم في حماية الفضاء السيبراني الوطني ودعم الأمن الرقمي الوطني والأقليمي والعالمي.