ذخائر

من ذخائر الشاعر اليمني الكبير الراحل محمد حسين هيثم، “عبدالعليم إذا مات”

محمد حسين هيثم انزياحات
محمد حسين هيثم انزياحات

محمد حسين هيثم هو واحد من أعمدة الشعر اليمني الحديث، استطاع بقدراته الأدبية الفذة أن يسبر أغوار النفوس البشرية ويكشف عن جماليات اللغة بمهارة لا تضاهى. شعره يمتاز بعمقه العاطفي والتأملي، حيث يجمع بين البساطة والعمق في تناسق بديع يجعل من قصائده ذخائر أدبية خالدة.

محمد حسين هيثم يرسم في قصيدته “عبدالعليم إذا مات” مشهداً شاعرياً لموت عبدالعليم، الذي يموت بأناقة ويتماشى مع حلم الموت كما يتمنى الميتون. القصيدة تحمل في طياتها صورة فلسفية عميقة للحياة والموت، حيث يجسد الشاعر مفاهيم الوجود والعدم بأسلوب متقن يجعل من القصيدة نصاً مفتوحاً للتأمل والتفسير.

الشاعر يسرد حياة عبدالعليم بألمعية، مشيراً إلى علاقته مع العالم من حوله وكيف كانت تملأه الريبة والتوجس، ومع ذلك، يبقى متمسكاً بأحلامه التي تتنقل معه حتى بعد الموت. عبر استخدام الرموز والتشبيهات، ينقل هيثم شعور الوحدة والانفصال، لكنه يضفي على الموت طابعاً من الطقوسية والترتيب، مما يعكس فهماً عميقاً للعلاقة بين الحياة والموت.

تجربة محمد حسين هيثم في الشعر تعتبر تجربة استثنائية في الأدب اليمني والعربي، حيث يترك إرثاً شعرياً يعكس قدراته الفائقة على تصوير المشاعر الإنسانية بأدق تفاصيلها، ويظل شعره مصدراً لا ينضب للإلهام والتفكير.

 

***

 

    عبدالعليم إذا مات

 

مات عبد العليم

وعبد العليم إذا مات

في أي وقت

يموت بحرفنةٍ

ويموت كما يحلم الموت أو يشتهي الميتون

يموت كثيراً

كثيراً

يفيض من الموت

يمتد موتاً

من المهد شرقاً

إلى الغرب من يومه المرتقبْ

عبد العليم إذا مات

يرتد منصعقاً

لا يصدق حشد عزاءاته

كان عبد العليم

يصدق ريبته وحدها

كان يتبع خط توجسه

ويذوّب أيامه في الظلال

ويمشي وحيداً

وإن صادفته المدينة في قلبها

ذات وهج

زوى وجهه

وانزوى

واحتجبْ

عبد العليم إذا مات

ينهض أعداؤه في الكمائن

يأتون من غيبهِ

كان يحصي المذلات

أعداؤه ثلة:

رجل غامض في الجريدة

والعسكري

وهذا الغراب الذي فوق ناصية البيت

بقّال حارته

بائع اللحم

والعابر المتلفت

وابن المؤجر في أول الشهر

ثم المؤجر في كل رشفة ماء

وذو الراحة المستطيلة

والجار

والمخبر العسلي

وهذا المدير الخشبْ

عبد العليم

الذي مات

منفرداً

ومديداً

كان يحلم أن سوف يحلم:

أن نساءً …

وأن نهوداً …

وأن مناطق معشبة بالتوقد

يحلم أن سوف يحلم:

أن …

وأن …

وتخرج أحلامه في الصباح

وتجلس في الباص

ترسل بعض الدخان هنا أو هنالك

ترتاب من حلمٍ جالسٍ وحده قربها

ثم تنزل نحو الوظيفة

أو تتمشى هنالك بين الفتارين

تبتاع أو تكتري وهمها

تنثني في الأزقة

ناشدةً لفتة شردتْ

شرفة أفلتتْ آهة

وإذا فاجأته امرأة

بين أحلامه

امرأة من عقيقٍ ونار

وسارت تضج بكل حنين النساء إلى يومه

كان ينسل في أفق ممعن في الهربْ

عبد العليم إذا مات

يجمع كل بنيه الذين سيحلم

أن سوف يأتون من صلبه

بعد موت طويل

كان يجمعهم حول جثمانه

ويوزع ثروته بينهم:

كل موتٍ تكدّس

أو كل رعبٍ

وما جمعته يداه من الريبِ

أوهامه كلها

والتوجس

كوم الهواجس

ثم يموت كما قد تدرب منذ طفولته

هكذا

دونما ضجة

أو

سببْ

وعبد العليم عليمٌ بكل أصول الضيافة

حتى إذا مات

يحمل قهوته

يوزعها بيديه

ويعزي المعزين

ثم يهيئ أكفانه

ويسير مع النعش

في أول الصف

يمشي ثقيل الصدى

صامتاً

ويحوقل

يذرف أوقاته كلها

دفقة … دفقة

ثم من فتحة القبر ينزل

معتذراً

أنه يشغل الآخرين بأوهامه

ويسبب للناس هذا التعبْ.