أقدمت جماعة الحوثيين على اختطاف أكثر من 15 فناناً ومنشداً ومهندساً صوتياً ومالك صالات أفراح خلال أيام عيد الأضحى في محافظة عمران شمالي اليمن. ومن بين المختطفين عزالدين راشد ويحيى البصلي ويحيى المدري وهم ملاك قاعات أعراس، بالإضافة إلى الفنانين محمد النيساني وبلال العامري والمنشد نجيب الشامي، كما تمت مصادرة معدات صوتية وأدوات عزف.
وذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن حملة الاختطافات تمت بقيادة وإشراف القيادي الحوثي أبو خرفشة والمعين مديراً للأمن في المحافظة، والذي يريد منع الأغاني في الأعراس وحفلات الزفاف واستبدالها بالزوامل الحوثية. وبحسب تلك المصادر، قام الحوثيون باختطاف هؤلاء الأشخاص من داخل منازلهم ومن نقاط التفتيش الحوثية، كما تم اختطاف بعضهم عقب عودتهم من حفلات الزفاف.
وتأتي حملة الاختطافات ضمن التوجه المستمر للجماعة لحظر ومنع الأغاني في الأعراس وحفلات الزفاف. وفي مايو/أيار الماضي، قام مسلحون حوثيون بمحافظة عمران باختطاف الفنان الشعبي هاشم الشرفي والفنان محمد الدحيمي والموزع الموسيقي مبروك الدحيمي، من إحدى صالات الأعراس، واقتادتهم إلى أحد سجونها بالمحافظة.
يشار إلى عشرين فناناً ومنشداً ومهندس صوت ومالك صالة أفراح لا يزالون في سجون الجماعة التي ترفض الإفراج عنهم بعد اختطافهم في مايو الماضي، حيث يطالبهم الحوثيون بالتوقيع على التزامات خطية بمنع الغناء في الأعراس واستبداله بزوامل الجماعة.
وكانت جماعة الحوثي قد منعت في مايو الماضي حفل زفاف جماعي لـ 160 عريسا وعروسا بمدينة حبابة بمحافظة عمران، بسبب وجود فنان يغني في الحفل. وعام 2021، أقدمت الجماعة على اختطاف الفنان الشاب أصيل أبو بكر بعد اقتحامها صالة أعراس كان يغني فيها في منطقة مذبح في العاصمة صنعاء واقتادته إلى أحد أقسام الشرطة. وبررت عملية الاختطاف حينها بأن الفنان تجاوز الوقت المحدد لإحياء الأعراس والذي حددته حينها في الساعة التاسعة مساء، في حين أن من عادة اليمنيين إحياء الأعراس حتى ساعات الفجر الأولى.
وبعد هذه الحادثة بأيام أقدم مسلحون حوثيون على اختطاف الفنان يوسف البدجي، من أمام منزله في العاصمة اليمنية صنعاء، وذلك بعد عرض برنامج “ضيوف الفن” والذي يقدمه الفنان يوسف البدجي ويعرض على شاشة قناة يمن شباب الفضائية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قام مسلحون حوثيون بقتل عريس يدعى عامر الحطابي ليلة زفافه أمام والده بعد اعتقاله مع عدد من أقاربه في ليلة العرس، في مديرية همدان بصنعاء. يقول الشاعر فتحي أبو النصر، لـ”العربي الجديد”: “إن اليمن البلد الذي يزخر بتراث ثقافي وفني غني، يعاني الآن من تدهور شديد في المجال الفني بسبب ممارسات المليشيات الحوثية، هذه الجماعة التي تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد، تفرض قيوداً صارمة على الفن والفنانين، مما يؤدي إلى تجفيف منابع الإبداع والفرح في المجتمع اليمني”.
وأكد أبو النصر أن منع الحوثيين للفن والغناء في اليمن، حتى في الأعراس، يعد تعدياً صارخاً على حقوق الإنسان وحرية التعبير، وبدلاً من السماح للفنانين بالتعبير عن أنفسهم والمساهمة في إثراء الثقافة اليمنية، تفرض المليشيات ما تسميه “الزوامل” – وهي أهازيج حربية كانت تستخدمها القبائل اليمنية قديماً، هذا الاتجاه الإقصائي يحرم اليمنيين من التنوع الثقافي والفني الذي يعبّر عن تطلعاتهم وآمالهم في السلام والتطور”. وأشار إلى أن جماعة الحوثيين تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا التدهور الثقافي، فهي “لا تمنع الفنانين من ممارسة فنهم فقط، بل تعتقلهم وتكفرهم أيضا، مما يعرض حياتهم للخطر ويقتل الروح الإبداعية في المجتمع، هذه التصرفات تخلق بيئة خانقة، تقمع كل مظاهر الحياة الجميلة وتغذي ثقافة الحرب والدمار”.
وأشار أبو النصر إلى أنه على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية أن “تدين هذه الممارسات وأن تعمل على حماية الفنانين والمفكرين اليمنيين من بطش المليشيات الحوثية، ويجب أن تكون هناك جهود جدية لإيقاف هذا العبث الثقافي، وضمان حق الشعب اليمني في التعبير عن نفسه والتمتع بحياة كريمة مليئة بالسلام والفرح”.
ويرى الناشط مازن السلامي، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن حملة الاختطافات هذه تأتي امتداداً لسياسة القمع والانتهاكات التي يمارسها الحوثيون في مناطق سيطرتهم، وأن “الإمعان بمحاولة القضاء على الفكر والحريات يؤكد اقتراب نهاية هذه الجماعة الخارجة عن قيم اليمنيين وأعرافهم وأخلاقهم، وأنهم بهذه السلوكيات يضعون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع الشعب الذي يريدون انتزاع ما تبقى من بصيص فرحته بعدما حولوا حياته إلى جحيم”.
وأكد السلامي أنه “لا مستقبل للفن والثقافة في ظل وجود جماعة الحوثيين، لأنهما خطان لا يلتقيان، وهذا يحتم على الفنانين والمثقفين اليمنيين أن يكون لهم موقف من سياسات هذه الجماعة التي تعادي الفن، وتحاول فرض فكرها ومنهجها الظلامي في بلد يعد منبع الفن وموطنه الأول، وهو البلد الذي أنجب فنانين كباراً بحجم أبو بكر سالم وعبدالرب إدريس وأيوب طارش والمرشدي والسمة والآنسي والقمندان وغيرهم من جهابذة الفن اليمني”.
يوم الأغنية اليمنية
في الموعد المقرر سنوياً في الأول من يوليو/تموز، أحيا اليمنيون “يوم الأغنية اليمنية”، وهي المبادرة التي انطلقت قبل أربع سنوات للحفاظ على الهوية الثقافية وإدخال البهجة على بلد يعاني تبعات الحرب منذ نحو عقد من الزمن وضد محاولات الطمس الممنهجة التي يقوم بها الحوثيون لمعالم الأغنية اليمنية.
الفنانة شمعة والفنانة تقية الطويلة#يوم_الأغنية_اليمنية pic.twitter.com/Sso5hIr1Vd
— بكيـل 𓂆 (@itsBkeel) July 1, 2024
وبدأ الاحتفال بهذه المناسبة منذ الساعات الأولى انطلاقاً من منصات التواصل الاجتماعي حيث شارك الآلاف من هواة الموسيقى مقاطع من أشهر الأغاني التراثية وصور كبار المطربين والملحنين اليمنيين، وصولاً إلى الإذاعات والقنوات التلفزيونية المحلية التي أخرجت ما في جعبتها من أعمال فنية ارتبطت بذاكرة المستمع اليمني والعربي.
متيم بالهوى يروي ❤️
من الاغاني التي لقت انتشار ورواجاً في اليمن والخليج العربي وتغنى فيها كثير من المطربين الكبار وهي للفنان كرامه مرسال ومن إلحانه 🎵#يوم_الأغنية_اليمنية pic.twitter.com/hp22295RSF— بكيـل 𓂆 (@itsBkeel) July 1, 2024
وصرح وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني لـ”رويترز”: “إن استمرار احتفاء اليمنيين، بتفاعل، والاهتمام بالأغنية اليمنية للسنة الرابعة في مختلف المناطق والأطياف، دليل أن الأغنية اليمنية وحدت منذ القدم مشاعر اليمنيين”. وأضاف: “بينما كانت السياسة تفرق كانت الأغنية تجمع وتوحد”.
في #يوم_الاغنية_اليمنية 🇾🇪
اهديكم اطيب التحايا والمحبة ♥ pic.twitter.com/JsQBxX4Fqv— Ahmed Fathi (@AhmedFathioud) July 1, 2024
من جانبه، قال الصحافي والكاتب المهتم بالشأن الفني والثقافي مصطفى راجح لـ”رويترز”: “لم يحتفِ اليمنيون بالغناء كما فعلوا في سنوات الحرب في العشرية الماضية، وجدان الشعب يدرك باللاوعي ما الذي يعبر عنه ويحفظ له تماسكه في زمن الخراب واللحظات القاسية”. وأضاف: “يتعرف اليمنيون على أنفسهم بالاستماع لنغمات لحنية أنتجتها أجيال من الفنانين عبر تاريخ اليمن المديد. عرف اليمنيون فن الغناء منذ قديم الزمان، وكانت هذه الألحان التراثية الغنية تعبيراً عن هويتهم الوطنية، تعبيراً عن الذات اليمنية”.