تقارير وتغطيات

نداء عاجل إلى رئيس الجمهورية لاتخاذ إجراءات حازمة تعيد للدولة هيبتها

الانحراف الخطير في مسار الحكومة: من يحمي الفساد ومن يدافع عن الدولة؟

 

البلاغ العاجل الذي قدمه أمين عام مجلس الوزراء إلى رئيس الوزراء وإلى مدير مكتب رئاسة الجمهورية

 

 

بينما ينتظر الشعب اليمني حكومة ملتزمة بحماية مصالحه ومحاربة الفساد بكل شجاعة وشفافية، تفاجأ الأوساط الشعبية بوقائع تشير إلى تغلغل مصالح فردية ضيقة، واستغلال للنفوذ في دوائر حساسة بالدولة، الأمر الذي بات يهدد مصداقية الحكومة ويثير غضبا شعبيا متصاعدا.

 

يأتي في مقدمة هذه الانحرافات ما يتعلق بالمسؤول “أنيس باحارثة”، الذي ينتمي لحزب الإصلاح ويشغل ثلاثة مناصب في الدولة، في مخالفة واضحة للقوانين والمعايير التنظيمية. فأن يحتكر شخص واحد هذا الكم من الصلاحيات رئيس هيئة الاستثمار ورئيس هيئة أراضي وعقارات الدولة فضلا عن منصب مدير مكتب رئيس الوزراء ، يمثل تهديدا للاستقلالية الإدارية والتوازن المؤسسي. وهذا يدعو للتساؤل حول مدى قوة الحزب في تسيير الأمور كما يشاء في مكتب رئاسة الوزراء، ومدى استعداد بعض القيادات في الحكومة لتقديم المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية.

 

القضية التي أثارت غضب الشعب اليمني تتلخص في اختفاء شيكات من دائرة الشؤون المالية والإدارية برئاسة الوزراء. لم تقف الأمور عند هذا الحد، فقد تدخل “باحارثة” بطرق تعسفية، حيث منع اللجنة المكلفة من قِبل الأمين العام لمجلس الوزراء مطيع دماج بإجراء التحقيقات، بل اقتحم دائرة الشؤون المالية والإدارية، واقتاد الموظفين إلى سيارته، في تصرف يعكس استبدادا واضحا ومستهجنا بمؤسسات الدولة.

 

هذه الحادثة ليست منعزلة، بل جزء من سلسلة متصلة من الانتهاكات والتجاوزات التي تمارس تحت غطاء المنصب، وهي ممارسات تفتح بابا واسعا للتساؤلات حول تورط بعض القيادات في تغطية هذا الفساد ومنع التحقيق فيه.

 

ما يزيد من خطورة الوضع هو منع التحقيق حول الشيكات المختفية، والذي يعد بمثابة استغلال صارخ للنفوذ واستهتار بالشفافية والمساءلة. تصريح “باحارثة” بأن رئيس الوزراء هو من أمر بمنع التحقيقات يضع الحكومة برمتها تحت ضغط شعبي، ويدفع بالشارع اليمني للتساؤل حول من المسؤول عن حماية الفاسدين ومن يضمن الحفاظ على سيادة القانون.

 

وفي خطوة أثارت استياء أعمق، جاء قرار رئيس الوزراء الجديد بتغيير “زكية”، رئيسة دائرة الشؤون المالية والإدارية وهي من بنات عدن، و تتمتع بخبرة تتجاوز الخمسة وعشرين عاما، وتعرف بنزاهتها وحبها لعدن. تلك الخطوة لم تكن سوى محاولة للتخلص من شخصيات نزيهة وعريقة واستبدالها بشخصيات محسوبة على أجندات معينة، مما يعزز الشكوك حول رغبة بعض الأطراف في السيطرة على الموارد المالية، والتحكم في آلية إصدار الشيكات، بما يتعارض مع الأنظمة والقوانين التي تقضي بتبعية دائرة الشؤون المالية والإدارية للأمانة العامة لمجلس الوزراء وليس لمكتب رئيس الوزراء.

 

إن محاولات ” رئيس الوزراء بن مبارك ومدير مكتبه باحارثة” لجعل دائرة الشؤون المالية تحت سلطته المباشرة ليست مجرد مخالفة تنظيمية، بل تعكس نوايا غير حسنة لتحويل هذه الدائرة إلى أداة تخدم مصالح خاصة، الأمر الذي يضرب بمبادئ الحوكمة والشفافية عرض الحائط. إن غياب أي ردة فعل قوية تجاه هذا السلوك يطرح تساؤلات حول مستقبل الإصلاحات الإدارية ومدى جدية الحكومة في محاربة الفساد.

 

النائب علي النعيمي، وهو معتقل منذ أيام على ذمة قضية لم نعرفها بعد والذي يعود دوره إلى حكومة محمد سالم باسندوة، يعتبر امتدادا لنفوذ حزب الإصلاح في دوائر رئاسة الوزراء، وذلك لارتباطه بقيادات إصلاحية ذات نفوذ، مثل حميد الأحمر وسالم بن طالب. استمرار النعيمي في منصبه رغم تغير الحكومات، يوضح كيف يحاول الحزب الحفاظ على نفوذه وتوجيه سياسات المكتب بما يخدم أجنداته الحزبية، في تحدّ واضح لرغبات الشعب اليمني الذي يطالب بالشفافية والعدالة.

 

أمام هذا الانحراف الخطير، تبرز الحاجة إلى تدخل صارم وحازم من قِبل رئيس الجمهورية لتصحيح الوضع، وإعادة الهيبة للدولة، عبر اتخاذ خطوات جذرية لمحاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات. يجب ألا تظل تلك الدوائر الحساسة ملعبا للفاسدين والمستغلين للنفوذ. بل يجب أن تعاد هيكلتها بما يضمن نزاهتها ويحول دون استغلالها لخدمة المصالح الفردية أو الحزبية.

 

إن الشعب اليمني يقف اليوم أمام مفترق طرق؛ إما أن تتحمل الحكومة مسؤولياتها، وتبدأ في تنظيف مؤسساتها من الفاسدين، أو أن تقبل بالانهيار التدريجي لثقة الشعب في قدرتها على القيادة. لن يستمر هذا الشعب في الصمت إزاء الفساد والتلاعب، فالحكومة التي يعهد إليها بحماية الوطن يجب أن تقدم مصالحه العامة على المصالح الفردية.

إننا نوجه نداء عاجلا إلى رئيس الجمهورية لاتخاذ إجراءات حازمة تعيد للدولة هيبتها وتحفظ كرامة المواطن اليمني، وتعطي رسالة واضحة أن لا أحد فوق القانون، وأن الدولة لن تتسامح مع أي تجاوز يهدد مصالح الشعب ويزعزع ثقة الناس في مؤسساتها.